في إحدى أمسيات الصيف، كنا في ضيافة رجل أعمال داخل منزله شمال العاصمة الرياض حيث اجتمعنا في جلسة سمرٍ كان صوت خرير الماء والرذاذ البارد والأضواء الخافتة تضيف سحرًا خاصًا على اللقاء. تطرق الحديث إلى مدينة الرياض، وتساءل المجتمعون عن ارتفاع الأسعار في المدينة، وهل سيتمكن أصحاب الدخل المحدود والمتوسط من تحمل الارتفاعات الكبيرة المتوقعة في تكاليف السكن والحياة؟ اقترح أحدهم حلًا سريعًا بأن ينتقل هؤلاء الناس إلى المدن المجاورة حتى لو اضطروا لبيع منازلهم، حيث تكاليف الحياة أقل بكثير.
فقد شهدت الرياض في السنوات الأخيرة تحولات وطفرة جذرية ونوعية شملت جميع المجالات، مما أدى إلى ارتفاع ملحوظ في تكاليف المعيشة. هذه التطورات أثارت تساؤلات حول إمكانية إيجاد فرص وظيفية في المدن القريبة من الرياض لاستيعاب من يرغب في العمل خارج العاصمة الرياض.
وساهمت المشاريع التنموية الكبرى، مثل البنية التحتية المتطورة، الأبراج السكنية الراقية، والمجمعات التجارية الضخمة، في رفع مستوى التطور الذي تشهده الرياض. لكن بالمقابل، أسفرت عن ارتفاع في الأسعار. على سبيل المثال، ارتفعت أسعار العقارات بشكل كبير، في كل أحياء العاصمة خصوصًا في الأحياء الفاخرة شمال الرياض، حيث يصل سعر المتر المربع إلى أرقام قياسية، بل وأصبح عند البعض التركيز على أن يكون السكن في الأحياء الشمالية حتى لو كلفه ذلك إلى بيع مساحة سكنية كبيرة في الحي الذي كان يسكن فيه لينتقل إلى مساحة أصغر بكثير في حي حطين أو الصحافة أو الملقاء أو غيرها.
أما من ناحية التعليم، فقد شهدت المدارس الخاصة الدولية زيادة كبيرة في رسومها، مما جعل من الصعب على الأسر متوسطة الدخل تحمل تكاليف تعليم أبنائها في مدارس خاصة. كما أن الرعاية الصحية في المستشفيات الخاصة والمراكز الطبية غير الحكومية باتت مكلفة للغاية، مما يثقل كاهل المواطنين والزوار على حد سواء، وقد يكون انتقال من لا تسمح إمكاناته بالبقاء في المدنية الانتقال إلى المدن القريبة إجراء سليم.
هذه التغيرات في مدينة الرياض تحدث مثلها مثل غيرها في كل العواصم المليونية في العالم، بمعنى أنه تطور طبيعي لا يمكن وقفه، وأن على الناس التفكير بين تحمل التكاليف المادية العالية بالمدينة أو الانتقال إلى مدن قريبة تكاليفها أقل، أو اختيار السكن في الأحياء التي تكون أسعار المباني والأجواء في مدينة الرياض معقولة.
وهناك حلول قد تساهم في مواجهة وردم هذه الفجوة:
1 - إعادة النظر في سياسات الإسكان: أقترح على وزارة الإسكان وذات العلاقة تقديم برامج إسكان مدعومة تتيح للطبقات المتوسطة والمنخفضة الدخل فرصة الحصول على سكن مناسب داخل المدينة. يمكن أن تشمل هذه البرامج تقديم قروض ميسرة أو دعم مباشر لشراء أو استئجار المنازل بأكثر مما يحدث الآن.
2 - تحفيز الاستثمار في المناطق الأقل تكلفة: أرى تشجيع الاستثمار في المناطق الجنوبية والشرقية والغربية من الرياض وتطوير البنية التحتية والخدمات فيها لجذب السكان والمستثمرين، مما يخفف الضغط على مركز المدينة.
3 - مراقبة وضبط أسعار التعليم والرعاية الصحية : يجب وضع سياسات تضمن عدم زيادة الرسوم سنوياً بشكل مبالغ فيه في المدارس والمستشفيات الخاصة، وتوفير بدائل مدعومة من الحكومة بجودة عالية وتكلفة معقولة.
4 - تنويع الأنشطة الترفيهية بأسعار معقولة: تشجيع إنشاء مرافق ترفيهية ومطاعم ومقاهي تستهدف جميع الفئات الاقتصادية بأسعار معقولة، مما يتيح للجميع فرصة الاستمتاع بوقت فراغهم.