القصيم - خاص بـ«الجزيرة»:
أكد فضيلة الشيخ الدكتور عبدالله بن محمد الطيار مفوض الإفتاء بمنطقة القصيم أن الأضحية عبادة وقربة إلى الله عز وجل، وشعيرة من شعائر الإسلام، جاءت بها النصوص الصريحة في الكتاب والسنة، قال تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ* فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (1-2) سورة الكوثر، مستشهداً بقول ابن سعدي -رحمه الله-: (خص هاتين العبادتين بالذكر، لأنهما من أفضل العبادات وأجل القربات) وقال أيضًا: (وفي النحر تقرب إلى الله بأفضل ما عند العبد من النحائر، وإخراج للمال الذي جبلت النفوس على محبته والشح به) تفسير السعدي (935)، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي العيد ثم ينحر نسكه ويقول: (مَن صَلّى صَلاتَنا، ونَسَكَ نُسُكَنا، فقَدْ أصابَ النُّسُكَ..) أخرجه البخاري (955)، ومسلم (1961).
وأبان د.عبدالله الطيار في حديثه لـ»الجزيرة»: الأضحية سنة مؤكدة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فعن أنس رضي الله عنه أنه قال: (ضَحَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم بكَبْشينِ أمْلَحَيْنِ، فَرَأَيْتُهُ واضِعًا قَدَمَهُ علَى صِفَاحِهِمَا، يُسَمِّي ويُكَبِّرُ، فَذَبَحَهُما بيَدِهِ) أخرجه البخاري (5558)، ومسلم (1966) وعن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها: (أنَّ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أمَرَ بكبشٍ أقرَنَ، يطَأُ في سوادٍ، ويَبْرُكُ في سوادٍ، وينظُرُ في سوادٍ؛ فأُتِيَ به ليُضَحِّيَ به، فقال لها: يا عائشةُ، هَلُمِّي المُدْيَةَ. ثم قال: اشْحَذِيها بحَجَرٍ، ففَعَلَتْ: ثمَّ أخَذَها وأخَذَ الكَبْشَ فأضجَعَه، ثم ذبَحَه، ثمَّ قال: باسْمِ اللهِ، اللهُمَّ تقبَّلْ مِن محمَّدٍ وآلِ محمَّدٍ، ومنْ أمَّةِ محمَّدٍ. ثم ضحَّى به) أخرجه مسلم (1967).
وقد أجمع المسلمون من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا على مشروعية الأضحية، ولم ينقل عن أحد خلاف ذلك، ومستند الإجماع الكتاب والسنة. قال ابن قدامة -رحمه الله-: (أجمع المسلمون على مشروعية الأضحية) المغني (8-617)، وقال ابن حجر -رحمه الله-: (ولا خلاف في كونها من شرائع الدين) فتح الباري (10 - 3).
وشدد د. عبدالله الطيار على أن الأضحية عبادة عظيمة تتجلى فيها حقيقة العبودية لله عز وجل، وتعظيم شعائر الدين، وهي دليل على طيب النفس، وتقوى القلب، قال تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ} (36-37) سورة الحج.
واسترسل في حديثه قائلاً: ومع مكانة هذه الشعيرة، وفضلها، إلا أن واقع بعض الناس تجاه تلك العبادة، ينم عن الجهل بفضلها، والتهاون بها، فنجد بعضًا من الناس يتهاونون في الأضحية، ليس عن عجز أو قصر ذات اليد، فهذا معذور، ففي السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا قَضى خطبتَهُ نزلَ من منبرِهِ، وَأُتِيَ بِكَبشٍ فذبحَهُ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بيدِهِ، وقالَ: بسمِ اللَّهِ واللَّهُ أَكْبرُ، هذا عنِّي، وعمَّن لَم يضحِّ من أمَّتي) أخرجه أبو داود (2810) وصححه الألباني.
فدل الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى عمن لم يستطع أن يضحي.
ونبه مفوض الإفتاء بمنطقة القصيم إلى أن من يتهاون في تلك الشعيرة بخلًا بالمال، أو لارتفاع أسعار الأضاحي، أو جهلًا بفضلها ومكانتها، أو ظنًا منه أنها إنما تكون عن الأموات فقط، فهذا دليل عدم الفهم، وقلة الفقه، وحرمان الخير والأجر، وعدم تعظيم شعائر الله عز وجل، قال تعالى: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} (32) سورة الحج، وإني لأعجب من أشخاص يتخيرون أفضل الأضاحي عن أمواتهم، وهم لم يوصوا، ويحرمون أنفسهم مع أن الأضحية في الأصل مشروعة للأحياء وليست للأموات، ولكن لا حرج أن يشرك الأموات معه في الأضحية، وإن مما يجب أن يُذكّر به هؤلاء أن الأضحية صورة من صور شكر الله عز وجل على هذه النعم، والتحدث بنعمته، قال تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} (11) سورة الضحية وهذه الأضحية أداء لحق النعمة، وضمان بقائها وعدم زوالها، فكم من إنسان تهاون في الأضحية وهو قادر عليها، فصار غير قادر عليها؟!، وكم من إنسان تساهل في الأضحية عامًا، فلم يمهله الأجل لعام آخر؟!
وأختتم د.عبدالله الطيار حديثه بالقول: لو يعلم هؤلاء ما في الأضحية من الخير والأجر، والبركة والفضل، والتوسعة على العيال، والبر بالفقراء، لتسابقوا إليها، قال تعالى: {هَا أَنتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ} (38) سورة محمد.
أسأل الله عز وجل أن يصلح قلوبنا، وأن يجنبنا الغفلة، وأن يرزقنا تعظيم شعائره، وامتثال أمره، والسعي لمرضاته.