إلى عهد قريب كان يقتصر أغلب العمل الجغرافي على الاستهلاك على أوصاف البيع بالتقسيط وأنماط التوزيع. أخيراً بدأ الجغرافيون يرون الاستهلاك أبعد بكثير من هذا. أولاً، كانت هناك إعادة النظر في الأفضية التي تباع فيها السلع والخدمات. ثانياً، بدأ الجغرافيون يدرسون أشكال الخرائطية الرمزية التي قد تشكلها السلع والخدمات. وأخيراً، فإن الاستهلاك يتضمن استعمال السلع - وليس شراءها فحسب.
ومن ثم فقد قلصت الاستهلاك إلى هدفه المالي تماماً، ذلك أن الاستهلاك يتسع إلى أبعد من نقطة الشراء.
وإذا فكرنا بتمعن في التطور التاريخي لبيع السلع، فالبداية الجيدة هي ساحة السوق. حيث لعبت الأفضية الخاصة دوراً حاسماً في تطور المجتمعات الرأسمالية. وكثيراً ما تُستعمل ((السوق)) لتتضمن التجارة المجردة والنائية.
ويجدر بنا التفكير بتمعن أيضاً فيما تعنيه المعارض والأسواق في سياق تاريخي وفي ما يمكن للأسواق التاريخية أن تخبرنا به حول جغرافيات الاستهلاك. فقد كانت تعين فضائياً وزمنياً كأماكن منعزلة - أيام السوق، معارض أسبوعية أو سنوية.
كانت مناسبات خاصة يسافر إليها الناس الذين باجتماعهم يحدثون فضاء مختلفاً عن العادة. إنه فضاء تشكل في فترات فاصلة من الحياة اليومية، وقد شهد القرن التاسع عشر انتشاراً ضخماً للأسواق الرأسمالية وإحداثاً لأفضية الاستهلاك الجديدة.
وعلى الرغم من أن البيئات المطوقة قد تضاعفت، في كل أنحاء المدينة، كانت هناك كذلك نهضة المدينة نفسها كحلبة للاستهلاك. يعود هذا إلى حد ما إلى استراتيجيات التجديد الحضري التي تسعى إلى التغلب على المنحى المناهض للتصنيع من خلال تعزيز أفضية الاستهلاك.
لقد كانت روايات الاستهلاك العولمي عادة مقيدة في سلسلة من الثنائيات، حيث ((النمط السائد)) يقابل ((التقليد))، و((ما هو غربي)) يقابل ((ما هو محلي))، وفي الواقع ((ما هو مصنوع بالجملة)) يقابل ((ما هو يدوي)). مع ذلك يجب عدم قبول هذا التعارض في معناه الظاهري فحسب. وتبدو التقاليد ثابتة إلا أن البحث الدقيق كثيراً ما يكشف أن الأشكال التقليدية قد تطورت باستمرار. وبالمثل، ما يعتبر الآن ((تقليدياً)) من المحتمل جداً أنه قد أُلهم من قبل النزعات المعاصرة.
وتقودنا دلالات المنتجات إلى دراسة جغرافيات الاستهلاك. ويفتح العمل الآن مجموعات من المعاني أحدثت من خلال تجميع السلع من قبل المستهلكين. ونتج هذا عن الاستياء من طريقة كثير من تحليلات الإعلانات والسلع، تحليلات تنظر إلى المستهلكين على أنهم سذج ضحايا.
قد نقترح الآن أن الاستهلاك الجماعي يشكل السياق المسيطر الذي من خلاله يحقق الناس المعاني في حيواتهم وينظمون علاقتهم بالعالم. كما يجب أن ننظر إلى الطريقة التي يجمع الناس بها السلع ويستعملونها وكيف وأين تباع.
ويعتبر المنزل في أحوال كثيرة الحلبة التي يقع فيها الاستهلاك. حيث تترك أغلبية النظريات الجغرافية العالم الأنثوي التقليدي، في تركيزها على ((الإنتاج)) ومن ثم على التبادل، وهي نادراً ما تنظر إلى استعمال السلع، خاضعاً لتدبير يسيطر عليه الذكور. ويقلل كذلك اعتبار الاستهلاك بأنه حول منتجات متنوعة من أهمية الدور الذي تكتسبه كثير من هذه السلع بصفتها أدوات في جهد منزلي مجاني (في الأغلب يكون الجهد أنثوياً). في كل حالة على حدة، اعتبرت الجغرافيات المرتبطة بالنساء مقررة أو مسيطراً عليها -باعتبارها ثانوية وخاضعة- من قبل الجغرافيات الأخرى. نحن في حاجة إلى التركيز على هذه القضايا المفعمة بالجنوسة.
علاوة على ذلك، في عالم عولمي بشكل متزايد سيكون هناك تنوع متزايد وتعدد أنماط الاستهلاك. لكن ربما يمكن تلخيص المفارقات الظاهرية للتعدد والتجانس بشكل أفضل في إعلان للبطاقة الدائنة ماستر كارد.