إنه خبر جلل وفقد عظيم، ومصاب كبير، أن تفقد عزيزا غاليا ذا خصال حميدة، وأعمال جليلة، ولكن هذا حال الدنيا تتقلب بأهلها فليست بدار قرار.
ففي يوم السادس من شهر ذي القعدة من العام الخامس والأربعين بعد الأربعمائة والألف للهجرة النبوية، ودعت سدير أحد نجبائها، وقامة من قاماتها، إنه الشيخ الجليل صاحب القلب الرحيم وراعي الجود والمكارم الشيخ زيد بن محمد بن عبد الله القريان المولود في العطار بسدير في 20-7-1338هـ عن عمر يناهز (106) ودفن في حوطة سدير.
و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}..
لقد كان ذا معرفة وعلم وحكمة، وذا خير وعبادة وطاعة، وذا كرم وبذل وشهامة، إنه معدن من معادن الرجال الصالحين وقامة من قامات المحتسبين.. ونحسبه ممن طال عمره وحسن عمله فقد فارق الدنيا وقد جاوز قرنا من الزمان جعله الله في أعالي الجنان مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
وأعزي نفسي وأولاده وذويه ومحبيه، وأقول في المصاب ما ورد في السنة والكتاب {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
ونتمثل في مصابنا ما قال أبو الحسن التهامي في مرثيته:
حُكمُ المَنِيَّةِ في البَرِيَّةِ جاري
ما هَذِهِ الدُنيا بِدار قَرار
بَينا يَرى الإِنسان فيها مُخبِراً
حَتّى يُرى خَبَراً مِنَ الأَخبارِ
طُبِعَت عَلى كدرٍ وَأَنتَ تُريدُها
صَفواً مِنَ الأَقذاءِ وَالأَكدارِ
وَمُكَلِّف الأَيامِ ضِدَّ طِباعِها
مُتَطَّلِب في الماءِ جَذوة نارِ
فهذا حال الدنيا بفقدان الأحبة وفراق الأصحاب والانتقال تحت التراب والافتقار إلى العزيز الوهاب
فهنيئا لمن كان حاله في طاعة رب الأرباب وفتح له في كل خير باب..
من سيرته رحمه الله:
- يختم القرآن في كل تسعة أيام.
- يسعى في أعمال الخير بناء المساجد وإفطار الصائمين وحفظ القرآن.
- قليل الكلام في المجالس.
- يبادر بإخراج الزكاة في وقتها ويخرجها مضاعفة 5 % بدل 2.5.
- يحفظ القصص ويرويها بأسماء اصحابها ويستشهد بالأبيات إن وجدت رغم تجاوز عمره المائة عام..
- رغم مرضه في آخر حياته إلا أنه يوقظ ابنه الذي ينام بجواره لصلاة الفجر ويناديه باسمه رغم تناوب الأبناء عنده لا يخطي في اسم احد.
- له معرفة تامة بالنجوم ومنازلها وأوقات خروجها.
- زاهد في الدنيا رغم غناه يلبس البسيط من الثياب ويركب اليسير من السيارات ويسكن بلا تكلف.
- يرتاده الضعفاء والمساكين من الرجال والنساء من ضواحي سدير في كل رمضان ويقول لأبنائه لا تردون أحدا يطرق الباب هؤلاء كانوا يأتونني عندما كنت في الدكان (المحل).
- لا يحب السهر يصحى من الفجر وينام من بعد العشاء..
- في دكانه على مر السنين لم يفتح الدكان يوما واحدا بعد صلاة العشاء..
- زوج أبناءه وعددهم 9 وساعدهم جميعا في توفير السكن بالشراء أو المساعدة.
- يحب الصغار ويلاطفهم ويقبلهم.
إنه رحمه الله عرف عنه الكرم والتواضع ومحبة النفع للغير، وخير الخلق أنفعهم للخلق.
كان رحمه الله سباقا للخيرات مجتهدا في العبادة وإذا سمع النداء للصلاة بادر إلى الصلاة لا يشغله عنها شاغل.
كان مجتهدا في الإحسان للفقراء والمحتاجين سريعا لقضاء حوائج الخلق.
كان لديه سجل لمن استدان منه فأتلفه وتنازل عن أصحاب الدين ابتغاء لوجه الله، وهذه من المآثر الجليلة والكثيرة لصاحب الإحسان والمكارم.
من المواقف الجميلة أهديته كتابا للشيخ أ. د. محمد بن فهد الفريح في إهداء ثواب العمل للميت المسلم فكان كثير القراءة والمطالعة له وما ذاك إلا لحبه الكثير لعمل الخير، لا حرمه الله الأجر والثواب..
غادر فقيدنا الدنيا وقد تجاوز المائة عام بعد حياة حافلة بالخير وطاعة رب البريات..
والحديث عن فقيدنا ذو شجون، وسيرته العطرة لا تسعها هذه الأسطر، ولو استطردنا في المآثر لزادت الدفاتر.
أسأل الله أن يكتب لذريته السعادة وحسن العاقبة وأن يجعله في عليين ومن الشهداء المقربين مع النبيين والصديقين وحسن أولئك رفيقا وأن يجمعنا معه في الفردوس الأعلى وأن يصلح الحال في الآخرة والأولى...
** **
- خالد بن ناصر بن حميد