الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
انتشر الكذب في المجتمعات انتشار النار في الهشيم، وهو أمر خطير وشره مستطير.
ولخطورة الكذب جاءت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية تحذر منه، مع ترغيب الإسلام في الصدق وملازمة الصادقين، ونفر من الكذب والقرب من الكاذبين.
«الجزيرة» التقت عددًا من أهل الرأي في مختلف العلوم والمعارف ليتحدثوا عن الكذب الذي انتشر في هذا الزمان بصورة مخيفة.. فماذا قالوا؟
درجات الكذب
يؤكد الدكتور سليمان بن محمد النجران الأستاذ بقسم أصول الفقه بكلية الشريعة في جامعة القصيم أن الكذب شنيع ممقوت، لكن بعضه أقبح وأرذل من بعض، ويعظم الكذب بعظم مفاسده، وانتشارها وتراكمها، وتركبها من مفاسد عديدة، وتوليد المفسدة مفاسدة لا تتناهى، لا تنقطع بموت الكاذب فيبقى عليه وزرها ما بقيت مفاسدها، ويكفي من قبحه ودنو منزلة صاحبه: أنه يهدي للفجور والفجور يقود للنار؛ فنهاية الكذابين النار، وهذا ليس بمستغرب لأن الكذب ينقض مصالح الشريعة ويهدم مقاصدها الخمسة كلها من أسها؛ فأشده وأعظمه: الكذب على الله ورسوله بالافتراء على دين الله مما ليس منه، ثم الكذب في عبادة المتعبد بالرياء والنفاق فيها، ثم الكذب بالأنساب بالاعتزاء لغير والديه، وإنكار عمود نسبه بالانتساب لغير قبيلته، ويقارب هذا أو يفوقه: الكذب والقذف والثلب بأعراض أهل الإيمان من المؤمنين والمؤمنات الطاهرين والطاهرات، ثم الكذب بأكل حقوق الخلق، ثم الكذب بمدح النفس للخيلاء وإظهارها بما ليس فيها، ثم الكذب لإضحاك القوم باختلاق الحكايات الغريبة والقصص الباطلة، وإذا كان هذا أقل منازل الكذب، فقد جاء فيه الوعيد الشديد، فكيف بما سواه؟: «ويلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ بالحدِيثِ لِيُضْحِكَ بِهِ القوْمَ، فيَكَذِبُ، ويلٌ لَهُ ويلٌ لَهُ» حديث صحيح.
ظاهرة الانتشار
ويشير الدكتور خالد بن محمد السرحان إلى أن المجتمع يشهد في الوقت الراهن ظاهرة الكذب على الرغم من أن ديننا يحرمه، وحتى القانون الشرعي يجرمه، لكن هذا السلوك السيء بات منتشراً في حياتنا اليومية، وتطور ليصبح كبوساً هداماً لكل شيء، فلم يعد أحد يصدق ما يقال حتى داخل أسرته، بل إن هذه الظاهرة شملت الكبار قبل الصغار، فبات الجميع يتعايش مع هذه الظاهرة وأصبح سلوكاً وجب تشريحه ومعرفة أسباب تطوره وعلاجه خصوصاً وإن مجتمعنا مجتمع إسلامي، مبيناً أن الكذب يطلق على ما يكون من الإخبار بالشيء على خلاف حقيقته، سواء أكان ذلك الإخبار من باب القصد والعمد، أم من باب الخطأ، وقد أجمع علماء الأمّة على حُرمة الكذب، وجاء النهي عنه في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ويُعدّ الكذب من أعظم الذنوب وأكبر العيوب التي يتصف بها صاحبها، وقد عدّه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- علامة من علامات النفاق، فقال:
(آيَةُ المُنافِقِ ثَلاثٌ: إذا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذا وعَدَ أخْلَفَ، وإذا اؤْتُمِنَ خانَ)، ونهى الله -تعالى- عنه في القرآن فقال: (وَلا تَقفُ ما لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ إِنَّ السَّمعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤادَ كُلُّ أُولـئِكَ كانَ عَنهُ مَسئولًا).
الأسباب والآثار
ويضيف د. خالد السرحان قائلًا: قد يكون للكذب عدة أسباب منها:
1 - حماية القيمة الذاتية: وجد باحثون أنّ الناس يلجأون إلى الكذب لتجميل صورتهم العامّة أمام الآخرين، والحفاظ على تقدير النفس، خاصةً إذا ما شعروا بأي تهديد مُحتمل، ويلاحظ أن هذا الدافع هو أحد أكثر الأسباب شيوعاً لحالات الكذب بين زملاء المهنة الواحدة.
2 - تحسين الحالة النفسية للطرف المقابل: تبيّن أن النساء أكثر ميلاً لاستخدام الكذب كوسيلة للترويح عن نفوس الآخرين، وتقديم المجاملات الزائفة بهدف تحسين حالة الطرف المُقابل بشكل عام.
3 - حماية الخصوصية: يبدو هذا الدافع لدى البعض مبرراً للكذب، وينطوي عليه ضمان حماية الإنسان لنفسه، والآخرين من أي تلاعب، أو أعمال خبيثة إذا ما كُشفت أموره الشخصيّة.
4 - حدوث التِباس بين الحقيقة والوهم: يُمكن ألا يميز الإنسان في كثير من الأوقات بين الحقيقة والوهم، ولا يُدرك أنّ الكثير ممن يتلفّظ به لا يمت للحقيقة بصلة.
وتظهر آثار الكذب بشكل جلي على المستوى الاجتماعي، وذلك بسبب ما يتركه الكذب من ندبات سواء على الفرد أو المجتمع على حدٍ سواء، حيث إن للكذب آثارًا اجتماعية منها:
1 - الكذب يضعف الثقة بين الأفراد، ويضعف الروابط والصلات في الشبكة الاجتماعية.
2 - يؤثر الكذب على السلوك الاجتماعي في المجتمع على المدى الطويل، فقد أكدت نتائج دراسة قامت بها جامعة كاليفورنيا، أن الكذب يؤدي إلى المزيد من الكذب، وأن الكذب أمر معدٍ، فكلما زاد اتصالك بشخص كاذب، زاد الخطر بأن تصبح كاذباً بحد ذاتك.
3 - الكذب يقضي على ما يسمى بالفرص العادلة بين أفراد المجتمع، كفرصة الحصول على وظيفةٍ ما، أو اجتياز امتحان معين مثلاً، مما يزيد التباين في المساواة الاجتماعية.
كما يمكن للإنسان التغلّب على مشكلة الكذب، حتى وإن كانت عادةً متأصّلةً في نفسه، ويكون ذلك باتباع النصائح الآتية:
1 - استحضار الوازع الديني: يُعد الخوف أحد أبرز الدوافع التي تقف وراء ظاهرة الكذب، لذا فإنّ ثقة الإنسان بالله، وخوفه منه وحده يُجنّبه فخاخ الشيطان الذي يُرهبه من الأشياء والأشخاص.
2 - ترويض النفس على الصدق: تنساق النفس لمشيئة صاحبها مع التدريب والتعويد، ورغم صعوبة مُجاهدتها على تحرّي الصدق إلا أنّ الأمر يستحق الصبر، والاحتمال.
3 - الرضا بالأقدار والأرزاق: يلجأ الكثير من الطامعين إلى الكذب لتحقيق منافع دنيويّة، فإذا رضي الإنسان بما قسمه الله من رزق، وسلّم بقدره، ومشيئته، اطمأن وجنّب نفسه الخوض بالأكاذيب.
المكانة المرموقة في الصدق
ويقول الدكتور مسعد بن عائض الدوسري المدير العام لشركة المعاون الدولي للمحاماة والاستشارات القانونية: كون البعيد كذابا فغيره صادق، همته حرب المكارم وأهلها وصفاتهم
النبيلة التي هي الحياة الحقيقية، ومن عادة أهل المكارم وشيمهم ودينهم الصدق في الحديث، وترفع قيمهم عن الكذب، تربية دينية تربوا عليها، وشيم أخلاقهم حتى لا ينقل عنهم كلام أو صفة غير صحيحة ومع ذلك من أدبهم لا يتفوهون على الكذاب بشيء ولا يصفونه بذلك مع علمهم بأنه كذاب أشر تلعنه القلوب ولكن بعضهم من كثرة كذبه اصبح يصدق منهج إبليس واتباعه ويقسم على ذلك، الكذاب مبغوض عند الله وعند خلقه، نعوذ بالله من حال كل كذاب، ونستغفر الله من كل زلل.
الاضطرابات النفسية
ويكشف الدكتور عزت عبدالعظيم استشاري الطب النفسي بمستشفيات الحمادي بالرياض عن الاضطرابات النفسية المحتملة في الطفولة والتي قد تحدث نتيجة لأخطاء التربية، ومنها التغيرات السلوكية غير السوية والتي قد يلاحظها أهل الطفل ويتنبهوا إليها أو حتى قد ينبههم لها الآخرون سواء من أقاربهم أو جيرانهم أو معارفهم، ونود أن نذكر فقط هذه التغيرات السلوكية بصورة مبسطة دون الدخول في تعقيدات التشخيصات المرضية، حيث إنه من المعروف أن للسلوك الإنساني حدود طبيعية يراوح خلالها ولكن عندما تتجاوز هذه السلوكيات والتصرفات الحدود المقبولة زيادة أو نقصانا فهذا يعني أننا أمام مشكلة أو اضطراب نفسي، ولأن الطفل غالباً لا يستطيع التعبير عن مشاعره النفسية بصورة مباشرة فإننا نجد هذه المعاناة النفسية تترجم إلى تغيرات سلوكية غير طبيعية نراها في بعض تصرفات وتعاملات الطفل مع الآخرين، ومن أمثلة هذه التغيرات التي تدل علي قلق الطفل أو معاناته من الاكتئاب ما نراه في بعض هؤلاء الأطفال وقد أصبح انطوائياً فيقل تواصله وتفاعله مع باقي الأطفال أو المحيطين به عموماً مع زيادة الخوف من الآخرين وسرعة البكاء، كما يصعب عليه التحدث مع الناس فيحدث التهتهة (اللجلجة)أو التلعثم في الكلام مع صعوبة ومشكلات في الدراسة، وقد ينتاب الطفل نوبات فزع وكوابيس ليلية مع تبول لا إرادي بالفراش أو الكلام والمشي أو طحن الأسنان أثناء النوم وقد نجد الطفل أصبح عدائياً عنيفاً يتشاجر كثيراً مع إخوته أو الأطفال الآخرين في المنزل أو المدرسة، كما نجد أيضاً بعض الأطفال يتصفون بسوء السلوك مثل: الأنانية الزائدة وحب التملك أو كثرة الكذب وسرقة الأشياء من البيت أو من زملائهم بالمدرسة.