خلق الله الكون بقدر معلوم، وأودع فيه نظاماً دقيقاً لا يحيد ولا يتبدل، كل شيء في هذا الكون يسير وفق إرادة الله وتقديره، وما يحدث لنا في حياتنا من أفراح وأتراح هي ما قدره الله لنا، وإن الأقدار وما كتبه الله لنا في هذه الدنيا هو جزء من إيماننا العميق بحكمة الله وتقديره. علينا أن نتقبل أقدارنا بقلوب راضية بحلوها ومرها، وأن نستعين بالله في كل أمورنا. قال الله تعالى في كتابه الكريم: {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ الله لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}.
ببالغ الحزن والأسى، وبقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره، تلقينا نبأ وفاة أخينا وصديقنا وحبيبنا فهد بن إبراهيم العمرو (أبوعبدالله) في الولايات المتحدة الأمريكية بعد معاناة وصراع طويل مع المرض الذي ألمّ به منذ بضع سنوات.
بفقده نودع اليوم روحاً عزيزة علينا جميعاً، نودع من عاش بيننا نبراساً للأخلاق والتفاني، والذي لم يُعرف عنه سوى العطاء والمحبة.
لقد كان قلبه الكبير مليئاً بالصبر والإيمان، رغم معاناته وألمه، ولكنه كان دائماً مثالاً للقوة والصبر. لم يشتك ما حل به من مرض، بل كان يحاول دائماً أن يخفف عنا، ويشعرنا بأنه بخير من خلال رده على جميع من يتواصل معه للاطمئنان عليه.
لقد كان (أبو عبد الله) إنساناً بكل ما تحمله الكلمة من معنى، كان يسعى دائماً لإسعاد من حوله، لم يكن يبخل يوماً بالنصيحة أو الدعم لكل من يحتاجه. كان له قلب يسع الجميع، وابتسامة تملأ من حوله فرحاً، حتى في أصعب أوقاته.
لذلك كان محبوباً لدى كل من عرفه قريباً كان أو صديقاً، فسبحان الذي زرع حبه في قلوب الناس. اتفق الجميع على تسميته “الحبيب” فهذا يكتب معزياً فيه بالصديق الحبيب، وذاك يكتب الأخ الحبيب وذلك من محبة الناس له. وكما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم: “أنتم شهداء الله في الأرض” فلم يكن حب الناس له إلا من حب الله له فحبّب خلقه فيه.
جمعتني مع المرحوم أيام جميلة لا تنسى، وذلك من خلال تكّون “شلة” تجمع الإخوان والأقارب والأصدقاء. كنا نخرج نهاية الأسبوع إلى مزرعة أخي الكريم عبد العزيز بن علي المالك (أبو بدر) في تبراك، وكان رحمة الله عليه أول المبادرين بالموافقة على الخروج رغم ما كان يعاني منه، إلا أنه كان يتحمل التعب والعناء لأجل اللقاء بنا. كان سمحاً بسيطاً أنيساً يقبل بكل شيء، موقناً بأن الأهم هو الاجتماع وليس الأكل وما خلافه وبرحيله سنفقد عضواً من هذه المجموعة، ولكننا نعلم أن ما بيننا وبينه من حب وذكريات ستظل حية. لقد ترك لنا إرثاً من المحبة والإخاء سنظل نحملها في قلوبنا للأبد.
وبحكم قرب علاقة زوجتي بزوجته، كنت مطلعاً بعض الشيء على طريقة تعامله مع زوجته وأبنائه وبناته. كان لهم أباً وأخاً ورفيقاً وصديقاً، وكان كل همه أن يوفر لهم جميع سبل الراحة والسعادة. كذلك كان الابن البار لوالديه، والأخ السند لأخواته. رغم أنه كان وحيد والديه من الذكور، إلا أنه كان عن عدة رجال، فلم يتوان في سبيل إسعاد والديه وأخواته. قدم كل ما يمكن أن يقدم لكي ينال رضاهم عليه.
رسالتي لوالديه وأخواته: ألهمهم الله الصبر والسلوان على فراقه. رحل فهد ولكن كلنا فهد لكم وبين أياديكم.
رسالتي إلى أبنائه وبناته: ابقوا يداً واحدة كما رباكم والدكم، وكونوا العون والسند لوالدتكم، واحرصوا على تنفيذ كل ما كان يسعده فيكم.
رسالتي إلى زوجته الفاضلة الصابرة: لقد كنت مثالاً صادقاً للزوجة الصالحة البارة بكل ما تعنيه الكلمة. قدمت كل ما لديك وأكثر في سبيل إسعاده وراحته. لذلك سيكون عوضك عند ربك كبيراً، وسوف تسعدين بإذن الواحد الأحد بأبنائك وبصلاحهم وفلاحهم.
وأخيراً، نعلم أن الموت حق، وأن لكل بداية نهاية، ولكن الفراق صعب، والحنين لمن فقدناه يبقى دائماً في القلوب. نسأل الله أن يتغمد فقيدنا (أبو عبد الله) بواسع رحمته، ويسكنه فسيح جناته، وينعم عليه بالراحة الأبدية، ويجعل مثواه الجنة.
إلى روحك الطاهرة، سنظل نذكرك في دعائنا، ونسترجع ذكرياتنا معك. نسأل الله أن يجمعنا بك في مستقر رحمته، وأن يلهمنا الصبر والسلوان على فراقك. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
** **
- بدر بن محمد المالك