الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
من أعظم الأصول المهمة في الدين الإسلامي تحقيق الإخلاص لله تعالى في كل العبادات.
حظوظ النفس تتنازعها النفس الأمارة بالسوء والهوى والشيطان والشهوة الخفية، فكل هؤلاء يحبذون للنفس حظوظها ويدعون الإنسان إلى أن يقدم حظوظ نفسه على مراد الله -عَزَّ وَجَلَّ- وعلى قصد وجهه -سُبْحَانَهُ- والدار الآخرة، ويتفنن هؤلاء الأعداء من الشيطان والهوى والنفس الأمارة بالسوء في عرض حظوظ النفس على الإنسان، وتزيينها له، حتى ينسى حظه في الآخرة.
وقد كان السلف رحمهم الله يتعوذون من حظ النفس في العمل.
«الجزيرة» التقت اثنين من المتخصصين في العلوم الشرعية ليتحدثوا عن التخلص من حظوظ النفس في الدعوة إلى الحق؛ فماذا قالوا؟
الحظوظ الخفية
يقول الدكتور طلال بن سليمان الدوسري أستاذ الفقه المقارن بجامعة القصيم: للنفس حظوظ خفية قد لا يطلع عليها إلا الله سبحانه، وهذه الحظوظ قد تطلب على وجه مشروع أو غير مشروع، وإن كان من أعلى المقامات التي يبلغها الله من يشاء عباده: أن تتخلص نفسه من طلب حظوظها على وجه لا ترى أن لها على أحد حقاً يطلب أو ينتظر، قال ابن القيم رحمه الله: «وسمعت شيخ الإسلام ابن تيميَّة -قدّس الله روحه- يقول: العارف لا يرى له على أحدٍ حقًّا، ولا يشهد له على غيره فضلًا، فلذلك لا يعاتب، ولا يطالب، ولا يضارب» [مدارج السالكين (2- 198 ط عطاءات العلم)].
وإن من الحظوظ الخفية التي قد تقع لبعض المشتغلين بأشرف المقامات من العلم والدعوة إلى توحيد الله سبحانه فما دونه من الحق والهدى: طلب رفعة النفس والعلو على الخلق، ونحوهما من المطالب الذميمة، وهذه المطالب الذميمة قد تخفى على الخلق فلا تظهر لهم على فلتات اللسان وحركات الجوارح، لكنها لا تخفى على الله، والموفق يلحظ ذلك ويجاهد نفسه في مدافعتها، ويأخذ بأسباب ذلك من صدق اللجوء إلى الله سبحانه والاستعانة به، والدعاء، وقهر مرادات النفس، مستشعراً خطورة تلك الحظوظ؛ فإن طلب الرفعة على الخلق إذا كان مذموماً فإنه أسوأ ما يكون إذا كان سبيله التظاهر بالدعوة إلى الله سبحانه وإلى العلم النافع والعمل الصالح، نسأل الله السلامة.
وما أحسن وأدق تبويب الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله في كتاب التوحيد، فإنه قال: «باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وقوله تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)»، ثم قال في مسائله: «الثانية: التنبيه على الإخلاص، لأن كثيرًا لو دعا إلى الحق، فهو يدعو إلى نفسه».
هذا، وإن مدافعة تلك الحظوظ الذميمة لا يكون ذلك بالانقطاع عن الخير ونفع الناس؛ فإن ترك العمل لأجل الناس من جنس العمل من أجلهم، وإنما يكون بما تقدم من الاجتهاد في فعل الخير وفق مراد الله سبحانه مستعيناً به على ذلك، ومدافعة ما يضاده.
تصحيح النية
يشير الدكتور مقبل الرفيعي الحربي الأستاذ بكلية الحديث والدراسات الإسلامية بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة إلى أن العلماء ورثة الأنبياء، والأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً وإنما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر، (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (108) سورة يوسف، ومن رزق علم الكتاب والسنة والفقه في دين الله تبارك وتعالى بفهم سلف الأمة من الصحابة الكرام والتابعين لهم بإحسان، فقد حاز خيراً كثيراً ومن أوجب الواجبات تصحيح النية وأن يبتغي بذلك العلم والدعوة إليه وجه الله تبارك وتعالى، ومن أصلح سريرته أصلح الله له علانيته وقبل أن يشتغل بإصلاح غيره يعمل على إصلاح نفسه وتطهيرها من الصفات الذميمة كالحسد والرياء والعجب والحرص وحظوظ النفس الدنيوية، ولا يلتفت إلى الدنيا يمهد لغيره طريق الآخرة وهو عن الطريق ناكب وكل ذلك آفات تحبط العمل، وأن يعمل بما علم، وفي الحديث يجاء بالرجل يوم القيامة، فيلقى في النار، فتندلق أقتابه في النار، فيدور كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع أهل النار عليه، فيقولون: أي فلان، ما شأنك؟ أليس كنت تأمرنا بالمعروف، وتنهى عن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه.