في فترة ماضية كانت الكتابة عن الإبل ليست كما هي اليوم، فما حظي به قطاع الإبل من دعم ورعاية ملكيّة، وشمولها كأحد مستهدفات رؤية 2030، أسفر عن إنشاء قطاعات رسمية ترعى نشاطات الإبل، حتى تمت تسمية عام 2024 بعام الإبل، وهي رسالة واضحة لأهمية هذا القطاع على عدة مستويات، ثقافية واقتصادية واجتماعية ورياضية، وقد تأتي الدبلوماسية الثقافية لهذا القطاع في مقدمة هذه العناصر.
ومع تلك النشاطات التي تقودها القطاعات المعنية بالإبل، إلا أن حضور الإبل كعنصر للسياحة الثقافية والبيئية لا يزال في مساره التقليدي، ولم يستقل كمؤشر سياحي يمكن قياس أثره من ناحية، ومن ناحية أخرى تفعيل السياحة البيئية المرتبطة بالإبل وإن كانت هناك بعض المحاولات، ولكنها ليست المستهدف بالمستوى المأمول كعنصر إضافي الى صناعة السياحة السعودية.
تعتبر الطرق التاريخية التي تستخدم الإبل لعبورها واحدة من الموارد الاقتصادية التي تقودها السياحة الثقافية والبيئية على حدٍ سواء، وعلى سبيل المثال لا الحصر، الطريق التاريخي الذي أنشأته الإبل في استراليا عندما استوردتها من الهند وأفغانستان والجزيرة العربية بين القرن التاسع عشر والعشرين، والتي ساهمت في اكتشاف عدد من مدن استراليا، ونقل البضائع عبر المناطق الصحراوية الجافة عندما نفقت الحيوانات الأخرى لندرة المياه ونجحت في استخدام الإبل، وتحوّلت تلك الطرق إلى منتجات سياحية وأصبحت مصدرا تجارياً لعدد من مكاتب الرحلات السياحية، التي تروج لفعالية ركوب الإبل واستكشاف الطرق التاريخية ومشاهدة أدوات ركوب الإبل وصناعتها.. الخ.
كذلك، ففي الهند تلعب الإبل دورا مهماً في دعم النشاط السياحي البيئي الذي من خلاله تسوّق الهند ثقافتها المرتبطة بالإبل أو التراث غير المادي بشكل عام، مثل رحلات السفاري أو تجربة ركوب الإبل ذات السنام أو السنامين، وكذلك عربات الإبل، إضافة إلى أنشطة أخرى ذات ارتباط مباشر في قطاع الإبل سواء من حيث الزينة أو الحليب، والتي تعود بالفائدة المباشرة على ملاك الإبل في عدد من المناطق التي تعتمد على الإبل في حياتها اليومية، ورغبة السائح في الحصول على تجربة زائر استثنائية.
لذلك، نحن لدينا منتجات ثقافية مرتبطة بقطاع الإبل، ويمكن أن تلعب دوراً كبيراً في خلق منافذ ومسارات للسياحة الثقافية والبيئية على حدٍّ سواء والتي تعتبر أحد ركائز السياحة، سواء من خلال إعادة اكتشاف الطرق التاريخية أو التجارية، فعلى سبيل المثال، يمكن تحديد منطقة من طريق استرداد الرياض من الصياهد وصولاً إلى الرياض، أو من منطقة محددة من الطريق تنتهي بمقر إقامة مهرجان الملك عبدالعزيز لمزاين الإبل بالرمحية يستعيد فيه المواطن ملحمة التوحيد والمشقّة التي تعرّض لها الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه في سبيل توحيد هذا الكيان، وكذلك الطرق التجارية مثل العقيلات في عدد من المناطق التي يمر بها، وطريق بواط التجاري بالقرب من المدينة المنورة، وطريق الحاج بالعلا الذي يحتوي العديد من النقوش الأثرية التي تؤرخ مرحلة مهمة من التاريخ الإسلامي ودور الإبل في ذلك، إضافة إلى قوافل الإبل في فترة اكتشاف النفط ونقلها للنفط خلال الحرب العالمية الثانية، وكذلك الطريق بين الأسواق التجارية من عكاظ إلى سوق مَجَنَّة ثم إلى سوق ذي المجاز، وفي هذا خلق مسار ثقافي سياحي بيئي ويربط ابن الوطن بتاريخ الأرض ويعطي الزائر الضيف بعداً ثقافياً إضافياً على عين المكان ترسيخاً لما رواه التاريخ المكتوب.
ومن جهة أخرى، وفي ظل الاهتمام بقطاع الإبل وتنميته وتطويره لاستدامته، ومع تسمية هذا العام 2024 بعام الإبل يحتاج هذا القطاع إعادة تطوير استراتيجياته بما يتوافق مع المرحلة الحالية والقادمة وتحويله إلى قطاع منتج في السياحة الثقافية والبيئية وتوسيع دائرة المشاركة بينه وبين المحميات الملكية في تحديد مسارات تتيح للزوار الاطلاع على مكونات المحميّات على مختلف المناطق وإمكانية التخييم وتجربة المبيت والطبخ التقليدي، ومشاركة مجالس هذه القطاعات فيما بينها لتوسيع دائرة المشاركة وخلق الفرص الاستثمارية للمجتمعات المحليّة وتهيئة أماكن إضافية واستثنائية في تجارب الزوار بالمملكة، وتنمية القرى والبلدات التي تقام فيها الاحتفالات والمهرجانات الخاصة بالإبل مثل الرمحية التي رغم وجود أضخم مهرجان للإبل لا زالت تتطلع إلى انعكاس الأثري الإيجابي في التنمية المستدامة مثل:
- تطوير الخدمات وتعديل الطرق لتساهم في سهولة الوصول إلى المهرجان.
- إعادة تأهيل المنازل القديمة لتكون نزلاً ريفية أو منازل إيواء مؤقت من خلال شركات تعمل على تهيئتها وتعود بالنفع على المالك والمجتمع المحلّي، أو حتى منافذ بيع.
- تخصيص أحد مواقع المهرجان غير المستغلة لإنشاء منتجعات وشاليهات تحتوي على بحيرات تساعد على الإقامة المؤقتة، وتقوم التنقلات فيها على الإبل سواء بعربات أو الهودج، تصمم بطريقة حديثة تتواءم مع البيئة ولا تسبب تشوهاً بصرياً .. الخ.
فقطاع الإبل قطاع واعد، إلا أنه لا يزال بحاجة إلى استراتيجية تنمية مستدامة تشتمل على الجانب السياحي كمستهدف رئيس في تنمية القطاع، وإيجاد مصانع تعنى بالاستفادة من مشتقات الإبل الأخرى وخلق خط إنتاج ذي جودة عالية يمكن أن تكون علامة تجارية عالمية، ويشمل ذلك قطاع الأسمدة أيضاً، وليكون للقطاع الخاص دور بارز في المشاركة في تنمية واستثمار هذا القطاع، مع دعم البحث العلمي وتفعيل القطاع غير الربحي الذي يعنى بالإبل.
فبما أن الممكنّات التي أهمها دعم القيادة، والعناصر المساعدة من قوّة بشرية، وأرشيف ثقافي قادر على توفير الروايات التاريخية، فهي فرصة لخلق المشهد التاريخي الأصيل الذي يعيد ذاكرة المكان إلى الممارسة الحيّة، وتسويق التراث الثقافي والبيئي الحقيقي من خلال منتج متكامل يرسّخ المعرفة ويسهم في حراك سياحي فريد من نوعه يجمع بين المتعة والثقافة والبيئة.
** **
- مرضي بن سعد الخمعلي