يجد القارئ في التاريخ السعودي العديد من الأسماء المتبعثرة بين طياته لأسر وأعلام كان لهم شرف السبق في خدمة الدين وولاة الأمر في مختلف الميادين، مخلصين لدينهم ثم ولاة أمرهم ووطنهم.
ومن تلك الأسر التي تكرر ذكرها بين طيات مصادر التاريخ المحلي أسرة آل دغيثر التي انتقلت من الدرعية بعد خرابها إلى الرياض عام 1234هـ - 1819م حتى سقوط الدولة السعودية الثانية عام 1309هـ - 1891م، حيثُ بقي عدد من آل دغيثر في الرياض وغادر عدد منهم للعيش في حريملاء شمالي الرياض وضرماء غربيه، وهي الأسرة اليزيدية الحنيفية نسباً العارضية موطناً التي انحصرت في فروع أربعة - سيأتي ذكرها - .
وقد حفظ التاريخ لأسرة آل دغيثر كغيرها من الأسر السعودية الكريمة العديد من مشاركاتها وأعلامها، ولذلك كان محل الالتزام استخراج بعض ما حفظه التاريخ لها وجمعهُ في سطور لجأت عند كتابتها إلى الاختصار، فلم أقم بتحليل للأحداث التاريخية الواردة ولم أترجم للأعلام الذين جاء ذكرهم، وما فاتني من الأحداث والأعلام أكثر مما أوردت، وقد قسمت السطور إلى ست فقرات بحسب التسلسل الزمني، ثم أطلعت العم عبدالعزيز بن محمد الدغيثر عليها الذي أبدى ملاحظاته مشكوراً.
وأخيراً هذا جهد المقل أنشره مقدماً لرجل ومؤخراً لأخرى وحسبي في ذلك أن ما لا يدرك كله لا يترك جله ومن الله أستمد العون والرشاد.
في الفترات التي سبقت تأسيس
الدولة السعودية الأولى:
في عام 850هـ - 1446م كان تأسيس بلدة الدرعية في إقليم العارض بنجد على يد مانع المريدي الجد الأعلى للأسرة السعودية المالكة، الذي قدم من بلدة الدرعية شرقي شبه الجزيرة العربية إلى ابن عمه ابن درع صاحب بلدتي حجر والجزعة - وقد أغفلت المصادر التاريخية ذكر اسمه الأول - الذي قام بإقطاع ابن عمه مانع المريدي موضعي «المليبيد» و»غصيبة».
أما ما فوقهما فقد كان ملكاً لأبناء عمهم آل يزيد الحنيفيين أهل الوصيل والنعمية؛ الذين يعودون مع المرده والدروع نسباً إلى قبيلة بني حنيفة، وهم الذين كانوا قد باعوا في نفس السنة التي قدم فيها مانع المريدي، بلدة العيينة على حسن بن طوق جد أسرة آل معمر الكريمة.
ويذكر الحاج عبدالله فيلبي أن أملاك آل يزيد الحنيفيين كانت تمتد من ممر الحيسيه شمالاً حتى الخرج جنوباً، وأنهم تنازلوا عن بعض أملاكهم إلى ابن عمهم ابن درع قبل قدوم مانع المريدي إليه، الذي قام بدوره بإقطاع مانع الموضعين السابق ذكرهما. وقد كان مما استهل الفاخري وابن بشر تواريخهم به خبر بيع آل يزيد العيينة على حسن بن طوق وابن عيسى في الحوادث الأولى من تاريخه، وختم الفاخري ذكره لهذا الخبر بقوله «... ومن ذريتهم آل دغيثر...»، وختم ابن بشر بمثل ما ختم به الفاخري فقال «... الذي آل دغيثر من بقايا ذريتهم...»، وختم ابن عيسى الخبر بمثل ما ختم به سابقيه مع زيادة في العبارة حيث قال «... الذين من بقيتهم اليوم آل دغيثر المعروفون في بلد الرياض...». ثم بعد وفاة مانع المريدي تولى ابنه ربيعة حكم الدرعية الذي ابتدأ بمحاربة أبناء عمه آل يزيد، ثم من بعده ابنه موسى بن ربيعة وهو الذي جمع بني عمومته من المرده والموالفة وسطا بهم على أبناء عمهم آل يزيد الذين قتل منهم ثمانين رجلاً في تلك الحادثة، حتى اشتهر المثل النجدي القائل «صبحهم فلان صباح الموالفة على آل يزيد».
وممن اشتهر من آل يزيد في القرون التي سبقت تأسيس الدولة السعودية الأولى؛ الشيخ زامل بن سلطان بن زامل الخطيب اليزيدي الحنفي قاضي الرياض، الذي رحل إلى الشام ولازم شيخ المذهب الحنبلي الفقيه الشيخ موسى الحجاوي مؤلف «زاد المستقنع»، كما رحل إلى مصر ولازم قاضي الحنابلة الشيخ أحمد بن النجار الفتوحي. أيضاً اُشتهر منهم الشيخ زامل بن موسى بن جدوع بن سلطان بن زامل الخطيب اليزيدي الحنفي وهو من علماء القرن الحادي عشر الهجري، كما اشتهر من آل يزيد في القرن العاشر الهجري الشاعر جعيثن اليزيدي الحنفي.
في عهد الدولة السعودية الأولى
تولى الإمام محمد بن سعود إمارة الدرعية منتصف عام 1139هـ (فبراير1727م)؛ وهي التي كانت تعاني قُبيل توليه الإمارة من ضعف وانقسام لأسباب متعددة، منها النزاع الداخلي بين عمه الأمير مقرن بن محمد بن مقرن بن مرخان وابن عمهم الأمير زيد بن مرخان بن وطبان بن مرخان. وقد تمكن الإمام محمد بن سعود بعد توليه إمارة الدرعية من توحيد شطريها تحت حكمه وتوسعة نفوذه جنوباً عن الدرعية إلى حائر سبيع باستثناء الرياض، وشمالاً إلى حريملاء والمحمل وبعض بلدان الوشم وسدير، أيضاً كان الإمام محمد بن سعود قد قام بمناصرة الدعوة السلفية التي دعا بها الشيخ محمد بن عبدالوهاب في النصف الثاني من القرن الثاني عشر الهجري.
وقد ذكر ابن غنام في تاريخه جملة من مشاهير وزراء الإمام محمد بن سعود وأعوانه؛ فذكر منهم عبدالله بن دغيثر المتوفى عام 1199هـ بناء على ما دلت عليه وثيقة حصر تركته المحفوظ أصلها لدينا أسرة آل دغيثر العارضية. كما أن ابن غنام أيضاً كان قد أورد في حوادث عام 1170هـ خبر مقتل محمد بن دغيثر في مغزى ثادق، وهو أقدم من ذكرته المصادر التاريخية من آل دغيثر مقاتلاً. ثم حينما توالت الحملات العثمانية في عهدي الإمام سعود بن عبدالعزيز وابنه الإمام عبدالله لإسقاط الدولة السعودية الأولى ودارات العديد من المعارك بين الجيشين السعودي والعثماني في مختلف الأماكن، كان لآل دغيثر العديد من المشاركات تحت الراية السعودية. فقد أورد ابن بشر في تاريخه خبر مقتل سعد بن إبراهيم بن دغيثر في معركة وادي الصفراء عام 1226هـ - 1812م، وأشار أيضاً إلى مشاركة آل دغيثر أثناء حصار الدرعية والدفاع عنها عام 1233هـ؛ حيث كان آل دغيثر قد انقسموا للمرابطة إلى قسمين، الأول منهم رابط خارج سور الدرعية مع من جاء من أهل الحريق بقيادة تركي الهزاني وبعض أهالي الدرعية وذلك في بطن الوادي شمال الدرعية وكانوا مع من معهم الوحيدون الذين رابطوا خارج السور، وقد ذكرهم ابن بشر ونقل عنه ابن خميس هذا الحدث فقال عنه «... وعلى ذلك الجانب عدة أبطال من رؤساء نجد آل دغيثر وغيرهم...»، أما القسم الثاني من آل دغيثر فقد رابطوا في شعيب قليقل وذكرهم ابن بشر في تاريخه فقال «... وفي شعيب قليقل حسن بن إبراهيم بن دغيثر وأخوه علي ومعهما جمع من أهل الدرعية...»، وفيه قتلا مع من معهم. وهو أيضاً الشعيب المجاور لحي غصيبة الذي كان يسكنه عدد من آل دغيثر حتى عُرف بهم؛ فقد جاء ذكره في الوثائق العثمانية باسم: (حي آل دغيثر) و(بيوت آل دغيثر) و(محلة آل دغيثر)، وهي الوثائق التي أشار إليها الدكتور عبدالحكيم العواد في كتابه وعند حديثه عن حي غصيبة مراراً .
في عام 1236هـ وبعد دمار الدرعية وتهجير أهلها منها، دعا حسين بيك من بقي من أهل الدرعية ليأتوا له في ثرمداء وليكتب لكل من اتى لهُ بلداً يعود لها ويسكن فيها، فلما اجتمع عنده من جاءه من أهل الدرعية أمر بقتلهم جميعاً، وقد ذكر ابن بشر مشاهير القتلى وذكر منهم صالح بن إبراهيم بن دغيثر وكان قد ذكر أيضاً أن القتلى من آل دغيثر في حصار الدرعية ستة رجال، وممن قتل من آل دغيثر أيضاً في الدفاع عن الدولة السعودية الأولى عبدالرحمن بن حسن بن دغيثر.
انتقال آل دغيثر من الدرعية إلى الرياض
بعد سقوط الدولة السعودية الأولى ونقل الإمام عبدالله بن سعود إلى إسطنبول وعقد الصلح على ذلك؛ أمر محمد علي باشا ابنه إبراهيم بهدم الدرعية وتخريبها وتهجير أهلها منها، وساق ابن بشر ذلك في أحداث عام 1234هـ، فكان مما ساقه «... فقطعوا الحدائق منها وهدموا الدور والقصور ونُفذ فيها القدر وأشعلوا في بيوتها النيران، وأخرجوا جميع من كان فيها من السكان فتركوها خالية المساكن كأن لم يكن بها من قديم ساكن وتفرق أهلها في النواحي والبلدان...»، ونتيجة لما فُعل بالدرعية وكما ذكر ابن بشر تفرقت أسر الدرعية بعد اخراجهم منها إلى مختلف المناطق ومنهم أسرة آل دغيثر الذين أُخرجوا كغيرهم من الدرعية، فانتقل آل دغيثر من الدرعية إلى الرياض.
وقد عبر الشيخ عبدالله بن خميس عن انتقال آل دغيثر من الدرعية إلى الرياض؛ بقوله «... وقد انتقلوا من الدرعية مع الإمام تركي بن عبدالله آل سعود بعد هدم الدرعية وسكنوا الرياض لأنهم يعتبرون من خواص الأسرة السعودية ...».
في عهد الدولة السعودية الثانية
اتخذ الإمام تركي بن عبدالله بعد تأسيسه الدولة السعودية الثانية عام 1240هـ - 1824م الرياض عاصمة لها؛ وهي التي كان آل دغيثر قد انتقلوا إليها بعد اخراجهم مع غيرهم من الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى. ولعل أقدم إشارة لآل دغيثر بعد انتقالهم إلى الرياض، كان توقيع عبدالله بن دغيثر ومحمد بن حسن بن دغيثر وسعد بن علي بن دغيثر على وثيقة مبايعة الأمير خالد بن سعود المؤرخة في 25 جمادى الآخرة 1257هـ، وهم من الجيل المُنتقل من آل دغيثر. وقد أشار ابن بشر في أحداث عام 1257هـ إلى تعيين الأمير خالد بن سعود حمد بن عياف أميراً في الرياض وإلى سعد بن علي بن دغيثر الذي كان من أبرز أعوان الأمير خالد بن سعود، وذلك قبل أن يستولي الأمير عبدالله بن ثنيان عليها ويقتل سعد بن علي بن دغيثر بعد استيلائه على الرياض. ومن ذلك الجيل أيضاً المنتقل من الدرعية إلى الرياض من آل دغيثر حسن بن عبدالرحمن بن دغيثر الذي انشغل بعد استقرار الوضع الأمني في المنطقة وقيام الدولة السعودية الثانية بنظارة بعض الأوقاف الأسرية وإدارة بعض الأملاك قبل أن يكف بصره ويعمل إماماً لبعض نساء آل سعود في الرياض. أيضاً من أقدم الإشارات لأسرة آل دغيثر بعد انتقالهم إلى الرياض، ما أشار إليه ابن بشر في أحداث عام 1259هـ؛ وهي إشارته إلى بيت آل دغيثر المجاور لقصر الحكم الذي نزله الأمير جلوي بن تركي مع عدد من رجاله. كما أنه قد كان لآل دغيثر عدد من المشاركات في خدمة الدولة السعودية الثانية؛ منها إرسال الإمام فيصل بن تركي عبدالله بن عبدالعزيز بن دغيثر على رأس جمع إلى القصيم ليخوض معركة رواق التي قتل فيها عام 1279هـ، وتولية الإمام عبدالله الفيصل فهد بن علي بن دغيثر - وهو من الجيل المنتقل أيضاً - القيادة العسكرية في الأحساء عام 1286هـ، وهي التي خاض فيها معركة الوجاج عام 1287هـ. ومن الذين شاركوا من آل دغيثر في خدمة الدولة السعودية الثانية عبدالله بن سعود بن دغيثر الذي ولد بعد سقوط الدرعية بأعوام، ورافق الإمام عبدالله الفيصل والإمام عبدالرحمن الفيصل في معاركهم.
الفترة التي تلت سقوط الدولة السعودية الثانية وسبقت استرداد الرياض
عانت الدولة السعودية الثانية أواخر عهدها وحتى سقوطها عام 1309هـ - 1891م؛ من الفوضى وعدم الاستقرار الأمني نتيجة للحروب المشتعلة آنذاك، وهي العوامل التي تسببت في مغادرة العديد من أهالي الرياض وأسرها منها وتفرقهم وانتقالهم إلى العيش في غيرها. ولعل أشهر المغادرين من الرياض بعد سقوط الدولة السعودية الثانية كان الإمام عبدالرحمن الفيصل الذي غادر الرياض مصطحباً أسرته وعددا من أفراد آل سعود إلى العيش في الكويت. كما أن العديد من علماء الرياض وفقهائها كانوا قد غادروها قبيل سقوط الدولة السعودية الثانية وبعدها مفضلين العيش في غيرها، من أمثال الشيخ محمد بن عبداللطيف آل الشيخ الذي غادر الرياض إلى قطر وغيره من أهل العلم في الرياض ممن غادرها. ولم يكن آنذاك حال أسرة آل دغيثر مختلفاً عن أحوال بقية أسر الرياض؛ فقد بقي عدد من آل دغيثر في الرياض وانتقل عدد من آل دغيثر بعد سقوط الدولة السعودية الثانية للعيش في حريملاء شمالي الرياض وضرماء غربية.
في عهد الدولة السعودية الثالثة
(المملكة العربية السعودية)
عادت الدولة السعودية إلى الظهور - أدامها الله وأعزها - مرة ثالثة؛ وذلك بعد أن استرد الملك عبدالعزيز الرياض عام 1319هـ - 1902م وهو الحدث الذي شكل نقطة البداية واللبنة الأولى لمسيرة التوحيد التي خاضها الملك عبدالعزيز ورجاله، حتى توجت تلك المسيرة بإعلان توحيد المملكة العربية السعودية عام 1351هـ - 1932م. وخلال مسيرة الكفاح والتوحيد التي امتدت ما يربو على الثلاثين عاما؛ شارك عدد ليس بالقليل من آل دغيثر في معارك التوحيد؛ منهم :
الشيخ عبدالعزيز بن حسن بن دغيثر والشيخ عبدالله بن حسن بن دغيثر والشيخ محمد بن حسن بن دغيثر والشيخ سعد بن عبدالله بن دغيثر والشيخ حسن بن محمد بن دغيثر والشيخ محمد بن عبدالله بن دغيثر والشيخ سعود بن عبدالله بن دغيثر والشيخ ناصر بن عبدالعزيز بن دغيثر والشيخ سعود بن عبدالعزيز بن دغيثر والشيخ سعود بن عبدالعزيز بن دغيثر والشيخ عبدالعزيز بن صالح بن دغيثر.
كما أن خمسة من آل دغيثر أيضاً كانوا قد عملوا في ديوان جلالة الملك عبدالعزيز؛ وهم:
معالي الشيخ محمد بن عبدالعزيز بن دغيثر والشيخ سعود بن عبدالعزيز بن دغيثر والشيخ محمد بن عبدالعزيز بن دغيثر والشيخ عبدالعزيز بن سعود بن دغيثر والشيخ محمد بن إبراهيم بن دغيثر.
كذلك تولى عدد من آل دغيثر وظائف حكومية عليا؛ من أمثال: الشيخ سعود بن محمد الدغيثر ومعالي الشيخ فهد بن سعود الدغيثر والشيخ عبدالعزيز بن حسن الدغيثر وغيرهم . وتنحصرُ أسرة آل دغيثر اليوم في فروع أربعة؛ هي:
- آل حسن.
- آل صالح.
- آل عبدالله.
- آل محمد.
ومن أسرة آل دغيثر من تشرف في هذا العهد المبارك بالعضوية في مجلس الشورى لعده دورات له، كما أن العديد من آل دغيثر الآن من حملة الدكتوراه والشهادات العليا في مختلف التخصصات، ويخدم اليوم أيضاً جميع أبناء الأسرة وبناتها الدين والقيادة والوطن في كثير من المجالات والقطاعات.
أعز الله ولاة الأمر وأيدهم بنصر من عنده وحفظ الوطن من كل سوء وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
من المصادر والمراجع
- الدرعية العاصمة الأولى.
- الدرعية بين باب سمحان وباب سلمان.
- الأطلس التاريخي للمملكة العربية السعودية.
- تاريخ الفاخري.
- تاريخ اليمامة.
- تاريخ نجد ودعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب «السلفية».
- تاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد.
- تاريخ ابن غنام.
- جمهرة أنساب الأسر المتحضرة في نجد.
- عنوان المجد في تاريخ نجد (تاريخ ابن بشر).
- كنز الأنساب ومجمع الآداب.
- معجم اليمامة.
- وثائق أسرة آل دغيثر المحفوظة أصولها لدى الأسرة.
- يوم التأسيس 1139هـ - 1727م.
***
*ابن صالح - عبدالعزيز بن صالح الدغيثر/ @asasd004