التعامل مع الآثار يوقعك في فخ النص الصامت.. وإذا كنت زائراً للمتاحف فإن العين لا تشبع من النظر..
من خلال عملي بالمتحف جاءني آلاف الزوار من شتى الاقطار، يعدون على الاصابع من يهتم بالمحتوى النصي ولا يكادون يذكرون من يهتم بقراءة الحواشي وما تعنيه من تعليقات ومنهيات وتوثيقات وخوارج النص.. (الطيارات أو المراوح) كما يسميها بعض المحققين والمفهرسين، في نظري المتواضع ان هذه الطيارات المروحية متنفس لمن ألف المخطوطة أو نسخها أو امتلكها في ما بعد ولا يحدد ذلك إلا نوع الحبر والورق وسبب كتابتها وإنه لا يريد أن يشوه صفحة النص أو لعدم وجود متسع وفراغ لهذه النصوص الصغيرة التي تضاف للنص الأصلي وتكون يا فكرة عابرة يا وصفه طبية يا بيت شعر يا لحظة فلسفية شعورية طارئة أراد أن يوثقها قبل أن ينساها، فما وجد إلا مخطوطته كتبها ووضعها بداخلها أحفظ لها.. فوقعت بيدي ويا له من شعور أن تلتمس أحاسيس شخص من مئات السنين ظن أن هذا الاحساس لن يراه إلا الله ونساه.. مما قرأت وأوقفتني طيارة مكتوب بها (في ليلة قدرية ماطرة أوقن فيها أن الدعوات مجابة دعوت الله كثيرا وكثيرا أن أهنأ به ويهنأ بي ولا ينتابه من الوهن ما انتابني).. لا أدري كم يوم استوقفتني هذه القصاصة التي لا تتجاوز السطر ما هو الهناء الذي دعا به في تلك الليلة.. هل هو التملك الكامل مثل قولنا تتهنا فيه يعني تسعد به ويكون هو سعيد بك برضا متبادل.. تنطبق على الأهل والأبناء والأصدقاء والجيران الخدم بوجه عام كل من حولك، حسناً إذا كان الطرف الآخر جماد معنى الهناء أن يكون في أعلى درجات الجودة والقيمة المعنوية والمادية فكيف بالجماد أن يهنأ معي.. أحافظ عليه.. أرعاه لا أعرضه للأذى..
من بينهم من أكثر من نتمنى أن يكون الهناء معه عاليا.. وتأخذك هوامش المخطوط، أقصد طيارة من مخطوطة قديمة أن ما كان يعني لهم في ذلك الوقت يعني لنا في زماننا هذا ولم يغير لا الزمان ولا المكان أحاسيس وأمان وهناء النفس البشرية فجميعنا خلقنا من جين واحد يملك نفس القواعد والقيم والاهتمامات مهما تعاقبت الأجيال..
نرجع للهناء محمد عبده وصلته فكرة أخينا ودندن.. هنني ياللي جميعي لك هناء.. حطني.. حطني.. بآخر مداي.. طيرك اللي مايبي غيرك أنا..
***
- جميلة عبدالله المطيري