الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
يصنف النوم كعنصر حيوي في حياة الإنسان، وبخاصة لتطور الأطفال ونموهم وصحتهم، إذ يساعد النوم الكافي في الأداء الإدراكي والعاطفي للصغار، ويقلل من أخطار السمنة ومرض السكري وارتفاع ضغط الدم والمشكلات الصحية الأخرى.
ومع ذلك فإن مشكلات النوم، وأبرزها السهر، منتشرة بين الأطفال، ويمكن أن تؤثر سلباً في صحتهم ورفاهيتهم، وقد نبهت العديد من الدراسات والأبحاث العلمية إلى خطورة السهر بصفة عامة وللأطفال بصفة خاصة.
«الجزيرة» التقت عددا من المختصين في العلوم الشرعية والاجتماعية والنفسية والتربوية والطبية ليتحدثوا عن ظاهرة السهر لدى الأطفال، ومآلاته.
مسؤولية الأسرة
يقول الدكتور صالح بن سعد اللحيدان المستشار القضائي، والمستشار للجمعية العالمية للصحة النفسية بدول الخليج والشرق الأوسط: هناك ما يلفت النظر لدى بعض الأطفال وكونه لافتاً للنظر لأنه مضر بهم، لكن على المدى الطويل مضر بهم عضوياً ونفسياً وذلكم هو السهر ليلاً وضرره؛ أنه يسبب تعكر المزاج، واضطراب الغدد الصماء، والسمنة، وضعف النظر، وهذا مشاهد اليوم لأنه قلب لأصل الفطرة؛ فالليل للسكون والهدوء والنوم، ولكن العتب على الأسرة التي قد لا تلاحظ ذلك لضعف الثقافة الصحية.
ويضيف د. اللحيدان: وفي النظر للواقع المُعاش أن بعض الأسر ليس لديها ثقافة تربوية نفسية أو علمية؛ فتجدهم يهتمون فقط بالصحة البدنية وهذا جيد لكن العقلية والعلمية أهم، والسهر لذات السهر مرض لاشعوري محبط لأنه ضياع وقت والأسرة مسؤولة.
عواقب اجتماعية
وتكشف الدكتورة نورة بنت إبراهيم الصويان، أستاذ علم الاجتماع المشارك العواقب الاجتماعية للسهر على الأطفال، حيث يؤثر قلة النوم على مناحي العديد من حياة الأطفال أو المراهقين، ومن الأعراض التي قد تصيبهم ما يلي:
* قلة النشاط الجسدي.
* خلل في النمو السليم.
* خلل في مهارات اتخاذ القرار خاصةً لدى الأطفال في بداية المراهقة.
* قلة القدرة على التركيز والتذكر.
* زيادة الشعور بالقلق وتقلب المزاج.
* زيادة رؤية الكوابيس، أو المشي خلال النوم، أو حدوث التبول اللاإرادي لدى بعض الأطفال.
معلومات ومهارات
وتسترسل د. نورة الصويان في حديثها قائلة: في المقابل، وُجد أن الأطفال الذين ينامون بمقدار 9 ساعات ليلاً، قد زادت عندهم رغبة تعلم معلومات ومهارات جديدة، وزاد اهتمامهم تجاه تحصيلهم العلمي في المدرسة، وزاد التزامهم بالقيام بالواجبات المدرسية بعد العودة إلى المنزل.
خطوات مساعدة
وتشير د. الصويان أستاذ علم الاجتماع المشارك إلى الخطوات التي قد تساعد الأطفال على النوم بشكل أفضل ما يلي:
- أن يتم تحديد وقت معين وثابت للخلود إلى النوم.
- أن يبتعد الأطفال عن الأجهزة الإلكترونية في الفترة الواقعة ما بين وجبة العشاء ووجبة الفطور.
- أن تُترك الأجهزة الإلكترونية خارج غرف النوم طوال الليل.
- أن يوضح الأهل للأطفال من خلال الجلوس معهم أثناء النهار عن أهمية وفوائد النوم الكافي في وقت مبكر.
- أن لا يقوم الأهل باستخدام النوم المبكر كعقوبة للأطفال، كما لا يجوز استخدام النوم المتأخر كمكافأة.
- أن يقوم الأهل بتحسين بيئة النوم للطفل أو المراهق من خلال توفير غرفة نوم مظلمة، وهادئة، ومريحة لهم.
- أن يستخدم الأهل أسلوب الحوار والاقناع عند إخبار أطفالهم بضرورة الذهاب إلى النوم، وعدم استخدام أسلوب الأمر أو الصراخ.
تقوية الذاكرة
ويشير الدكتور نبال الشواقفة استشاري أمراض الأطفال وحديثي الولادة بالرياض: أن النوم يلعب دورًا مهمًا في تنمية عقل الإنسان، بالإضافة إلى تأثيره المباشر في السعادة؛ حيث تظهر الأبحاث إن النوم يؤثر في اليقظة، والانتباه، والأداء المعرفي، والمزاج، والمرونة، واكتساب المفردات، والتعلم، والذاكرة، كما للنوم أيضًا تأثيرات مهمة في النمو، خاصة في مرحلة الطفولة المبكرة، عند الأطفال الصغار تكون القيلولة ضرورية لتقوية الذاكرة وتنمية المهارات الحركية، مشيراً إلى أن معدل النوم الموصى به لدى الأطفال طبقًا للأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال: الرُّضع من عمر أربعة إلى اثنى عشر شهراً يكون نومهم في اليوم من 12-16 ساعة، (تشمل الغفوات)، أما الأطفال الصغار من سنة إلى سنتين فيكون نومهم من 11-14 ساعة (تشمل الغفوات)، وفي عمر ما قبل المدرسة من ثلاث إلى خمس سنوات، يكون معدل نومهم اليومي من 10-13 ساعة (تشمل الغفوات)، وفي عمر المدرسة من السادسة إلى اثني عشر سنة، فيكون معدل ساعات النوم الموصى بها في اليوم من 9-12 ساعة، أما المراهقون من ثلاثة عشر إلى ثمانية عشر سنة، فيكون نومهم من 8-10 ساعات.
ويعرف استشاري الأطفال: النوم بأنه لبنة أساسية للصحة العقلية والجسدية للطفل، وعند الأطفال عملية ديناميكية تنشأ وتتغير كلما كبر الطفل، وخلال فترة نموهم قد يتعلم الأطفال عادات في النوم قد تكون حميدة أو سيئة، فما إن تنشأ هذه العادات فإنها قد تستمر لشهور أو حتى لسنوات.
إن فهم احتياجات نومهم هو الخطوة الأولى نحو توفير نوم أفضل للطفل، وذلك من خلال مزيج من أساليب النوم الجيد، الروتين المناسب للعمر والاهتمام بأي اضطرابات نوم، كما يمكن مساعدة الطفل في الحصول على الراحة التي يحتاجها لينمو قويًّا وصحيًّا.
اضطرابات صحية
وينبه الدكتور نبال شواقفة استشاري الأطفال بالرياض: أن الطفل الذي يعاني نقصًا في النوم يمكن أن يتأرجح بين أن يكون غاضبًا وفرط النشاط، مع تأثيرات يمكن أن تحاكي اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، ويمكن أن يؤثر النعاس أيضًا في قدرة الطفل على الانتباه؛ مما يؤثر في أدائه بالمدرسة، ووفقًا للأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال (AAP)، لا يحصل ربع الأطفال دون سن الخامسة على قسط كافٍ من النوم، وهذا مقلق؛ لأن قلة النوم في مرحلة الطفولة المبكرة ارتبطت بحساسية الأنف ومشاكل في جهاز المناعة، وكذلك القلق والاكتئاب، وهناك أيضًا أدلة ناشئة على أن قلة النوم في الطفولة قد تحمل مخاطر مستقبلية على القلب والأوعية الدموية في شكل السمنة، والسكري، وارتفاع ضغط الدم.
نصائح مهمة
وقدم د. نبال الشواقفة بعض النصائح لمساعدة الطفل على الاسترخاء قبل النوم، ومنها: يساعد القيام بنفس الروتين المريح بنفس الترتيب وفي نفس الوقت كل ليلة على الاستعداد للنوم وتعزيز النوم الجيد لدى الأطفال، وأخذ الطفل لحمام دافئ، وإبقاء الأضواء خافتة؛ حيث يشجع ذلك جسم الطفل على إنتاج هرمون النوم(الميلاتونين)، وبمجرد أن ينام الطفل في السرير، شجعه على القراءة بهدوء أو قراءة قصة معًا، مشيراً إلى أهمية معرفة مقدار النوم الذي يحتاج إليه الطفل طبقًا لمرحلته العمرية، مع ضرورة تجنب الأجهزة الإلكترونية قبل النوم بمدة ساعة على الأقل؛ حيث يمكن أن تؤثر الأجهزة الإلكترونية والهواتف الذكية وأجهزة التلفزيون في مدى سهولة نوم الأطفال، كما يجب أن تكون غرفة نوم الطفل مثالية مظلمة وهادئة لنوم مريح وهادئ، وتكون درجة الحرارة بالغرفة مناسبة، مشيراً إلى أن الطفل قد يعاني من اضطرابات في النوم، والتي تحتاج إلى المساعدة، وبالتالي إلى علاج طبي، إذا كان الطفل يعاني إحدى الشكاوى التالية، فذلك يعني أن الوقت قد حان لاستشارة الطبيب المختص، ومنها: الشخير، ونوم غير ملائم في النهار(مثل: النوم في المدرسة بعد نوم ليلة هنيئة)، وعدم القدرة على النوم في الليل، وتكرار الاستيقاظ من النوم في الليل، والمشي المتكرر أثناء النوم أو الكوابيس.
تنمية المهارات
وتشدد الدكتورة حنان بنت عوض العمراني المستشارة التربوية والأسرية على أن النوم عنصر أساسي لصحة الجسم، فلا تكتمل صحة الإنسان إلا إذا أخذ القدر الكافي من ساعات النوم، وعند الأطفال تتجلى أهمية النوم المبكر الذي يساعد على تحقيق الصحة الجسدية والعقلية والاجتماعية للطفل، ويؤثر على اليقظة والانتباه وزيادة التركيز، فالنوم مهم جداً لتنمية المهارات الحركية والعقلية عند الطفل خاصة في مرحلة الطفولة المبكرة، ولذلك فإن السهر للطفل يشكل عامل خطورة على صحته وسلامته الجسدية والعقلية، فإفراز هرمون النمو لا يكون إلا في ساعات محددة ليلاً، وإذا لم يأخذ الطفل القدر الكافي من النوم ليلاً فإن ذلك قد يؤثر على طوله ووزنه ويتسبب في بعض الأعراض الصحية مثل: زيادة الوزن وضعف النظر وقلة الانتباه والتركيز والتشتت مما يؤثر على المستوى التحصيلي والدراسي للطفل، فضلاً على ظهور أعراض القلق والتوتر والخمول والإجهاد العام، وهذا بدوره دعوة للآباء والأمهات للحد من أوقات السهر والحرص على دخول الطفل لفراشه مبكراً والتقليل من استخدامه للأجهزة الإلكترونية في فترة المساء والحزم فيما يتعلق بصحة الطفل وعدم التهاون في ذلك، نسأل الله السلامة والصحة لأطفالنا.
ثقافة النوم
وتؤكد الأستاذة نورة بنت عبدالله الرويشد، معلمة في التعليم العام: أن الأطفال الذين لا يأخذون كفايتهم من النوم ليلاً قد يتأرجحون بين مشاعر الغضب فيخسرون أصدقاءهم و تكثر مشاكلهم أو يعانون من فرط النشاط، فلا يستطيع الأهل تحمل شقاوتهم فينعكس على توتر الجو بالمنزل، أيضاً قد تكون هنالك تأثيرات يمكن أن تحاكي اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه مما يقلل من مستوى استيعابهم للشرح بالمدرسة، وكوني معلمة وقفت شخصياً على هذه الظاهرة فيكون الطفل إما نعسان أو لا يستوعب ما يقدم له من فرط حركته وعدم تركيزه وقلة انتباهه؛ فيكون الطفل عصبياً لا يكتسب صداقات وشخصيته مهزوزة نوعاً ما غير قادر على مشاركة اهتماماته مع زملائه كونه بمزاج معكر، لذلك لابد أن تحرص الأسر على زرع ثقافة النوم ليلاً عند أطفالهم وتشجيعهم بتوفير الجو الملائم للنوم كأخذ حمام دافئ والجلسة معهم لحين نومهم وسرد القصص ليجنوا ثمار شخصية محفزة للتعليم ومحبة للمشاركة بنفس مرحة وروح فرحة وابتسامة عريضة، قال تعالى: {وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا * وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا} (9-11) سورة النبأ.