مكة المكرمة - خاص بـ«الجزيرة»:
أكد الدكتور محمد بن إبراهيم السعيدي أستاذ الفقه وأصول الفقه ومقاصد الشريعة والمذاهب والتيارات بجامعة أم القرى: أن توحيد الفتوى فيما يتعلق بأمر ليكون نظاماً يسير عليه الجميع، أمر جميل بل واجب، أما الأمور التي تعد شخصية فليس توحيد الفتوى فيها جيداً.
وقال الدكتور محمد السعيدي رئيس مؤسسة وقف سلف للبحوث والدراسات في حواره مع «الجزيرة» أن المشكلات التي تتعلق بالأسرة من أكبر ما تنبغي المبادرة إلى العمل على حله، مشيراً إلى أن تدريس الدين كما كان عليه قبل سبع سنوات فيه أخطاء، وهي أخطاء كان بالإمكان إصلاحها دون الحاجة إلى إضاعة ذلك التراث الذي كانت عليه المملكة العربية السعودية وتمتاز به.
وتناول الحوار الثر عددا من الموضوعات المتعلقة بالفتوى، والحملات المغرضة، والوقف وغيرها، وفيما يلي نص الحوار:
* قدمت المملكة العربية السعودية مساعدات إنسانية لـ170 دولة بأكثر من 130 مليار دولار بلا منّة وتمييز، وعلى الرغم من جهودها إلا أن هناك من يطعن في أعمالها الخيّرة، فما السر وراء الدعاوى الباطلة التي يطلقها المغرضون تشكيكاً وتقليلاً من الأعمال الإنسانية النبيلة؟
- إذا أردت بـ130 مليارا ما تم تقديمه في السنوات الأخيرة فلا شك صواب ما ذكرت، أما إن أردت مجموع ما قدمته المملكة فالواقع أن المبلغ أكثر بكثير، وقد زارت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت المملكة في عهد الملك فهد واشتكت له من سبعين ملياراً صرفتها المملكة في دعم المساجد والجمعيات في العالم، وقال الملك فهد لها إنه شخصياً قد بنى ألفي مسجد، وأنهم سائرون على هذا النهج، وذكرت أولبرايت ذلك في مذكراتها المترجمة للغة العربية، فالمبالغ التي تبرعت بها السعودية أكبر مما ذكرت بكثير، ولكن الناس في العالم الإسلامي على فئات، الفئة الأولى: فئة تعلم عن هذه التبرعات جيداً لكنها لا تشكرها، فمنهم من يُعلل عدم شكره بأنها تبرعات يُراد بها نشر الفكر الوهابي، أو نشر التوجه السياسي، لذلك ليست مُقَدَّرَه لديهم، وهؤلاء تكلموا عن ذلك كثيراً، وغالب هؤلاء من المشايخ المفتونين، ويروجون ما يقولونه في مقالات وأشرطة، ومن هؤلاء من عمل في السعودية واستفاد كثيراً من وجوده فيها، ثم لما فارقها أخذ يتكلم بمثل هذا الكلام.
الفئة الثانية من الناس: فئة تكره السعودية ويطلقون عبارات مسيئة للمملكة ومن فيها، وهي عبارات ورثوها عن جدودهم، ولا شك أن الحسد والحقد يعوقان القلب عن شكر المنعم، ولو بذل ما بذل، إذ من أسباب حسدهم وصول المملكة بقيادتها إلى نمط من التقدم لم يصلوا إليه، فهم يعترضون على رب العالمين، كيف يعطي هؤلاء ولا يعطينا، والنتيجة أننا بفضل الله نزداد خيراً وللعلم لا يزدادون إلا نقمة وذلاً.
الفئة الثالثة: فئة متأثرة بالإعلام المعادي للمملكة، وهو إعلام ضخم مهيئٌ له أرضية للقبول ومن جهات عدة ذات حقد على الدولة، منها حقد مذهبي، ومنها اختلاف في المصالح السياسية.
ولا شك في أن السعودية دولة من نشأتها الأولى وهي مُحَارَبَة، ومن يقول إن الحرب انتهت منذ زمن بعيد لا يعلم كثيراً من حقائق الواقع.
* يمثل مجمع الملك سلمان للحديث النبوي الشريف بالمدينة المنورة إضافة نوعية لتعزيز مكانة السنة، فما الدور الذي يمكن أن يقوم به المجمع لدحض افتراءات المغرضين المشككين فى سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم؟
- المشككون في السنة بعضهم يزعم الاكتفاء بالقرآن الكريم، فهؤلاء الجاهل الذي يصدق كل ما يقال عن السنة ومن ثمَّ يعلن عن نفسه كنوع من حب الشهرة ولو كان بمنكر، ومنهم معاندون وفساق يسعون لتأصيل فسقهم بإنكار السنة والإعلان عن أنفسهم بذلك، وجميع هؤلاء ينبغي على المركز إشاعة الردود العلمية المناسبة لجميع العقول، ويبقى تأديب المعاندين على الجهات الأمنية.
* وما الخطوة التي ما زال المسلمون في كل العالم يحتاجونها للخلاص من التنظيمات المتطرفة ووقف تأثيرها وتغلغلها في المجتمعات خاصة في أوساط الشباب؟
- أولاً: الدولة قائمة بما فيه الخير والصلاح في ذلك، وإن كان لي من زيادة، فيجب النأي بشكل أكبر من الحاصل عن أن تُصنّف المملكة خطأً كجهة متغاضية عن التيارات المعادية للدين، فإن من أعظم ما يبقي لهذه التيارات جذوراً هو زعم جميع من يتبنى هذه المناهج المنحرفة تغاضي الدولة عن تصرفات ليست من الدين، وذلك ليس الآن بل من زمن بعيد وهذه حجتهم، والإدبار عن ذلك بشكل قوي يشكل رداً قوياً على أمثال هؤلاء، وقطعاً لما يتعمدونه من تجنيد خفي للسذج والمعتوهين، وللحقيقة فإن الدولة قد قامت بأعمال جليلة في هذا الشأن لكننا نسأل الله المزيد.
* تعلو من وقت لآخر المطالبات بتوحيد الفتوى، ولا سيما فى القضايا العامة التي تشغل بال المجتمعات الإسلامية كلها، فهل تؤيدون مثل هذه الدعوة، وهل ترون أن كثرة المجامع الفقهية ظاهرة صحية؟
- توحيد الفتوى فيما يتعلق بأمر ليكون نظاماً يسير عليه الجميع، أمر جميل بل واجب، كالأمر بالتأمين أن يكون تعاونياً، والتكييف الشرعي لكثير من منتجات البنوك، فهذه أمور يعد توحيد الفتوى فيها جيداً، أما الأمور التي تُعَد شخصية، أو في أمور ليست محلاً لإصدار نظام فيها، فليس توحيد الفتوى فيها جيدا، وذلك كأفعال الصلاة والزكاة والصوم وغير ذلك.
وكثرة المجامع الفقهية أمر ممتاز كي يتدارس العلماء ما يجد من وقائع مما لم يكن في الماضي، من أمثال بعض المسائل الطبية وغيرها فهذا أمر يسعد به الإنسان لكن نرجو ألا يُدعى إلى المجامع الفقهية إلا أصحاب الورع من أهل الفقه، فإن الورع يبعد المرء عن اتباع الهوى.
* تفشت في المجتمع ظواهر كثيرة منها ارتفاع حالات الطلاق والخلع والعنوسة، فما أثر إهمال تلك المشكلة وتداعياتها وحلولها؟
- كل مشكلة يتأخر العمل على حلها تتفاقم لتصبح معضلة، ولا شك أن المشكلات التي تتعلق بالأسرة من أكبر ما تنبغي المبادرة إلى العمل على حله، لا سيما ما نراه من ارتفاع حالات الطلاق، سواء منه في الزواج الحديث أم الزواج القديم، وبعض هذه المشكلات تنبه العلماء الاقتصاديين من زمن بعيد لاحتمال حدوثها، فمثلا أذكر للاقتصادي الكبير المتوفى سنة 1400هـ أي قبل حدوث هذه المشكلة في بلادنا، كلمةً قالها وهي: إذا احتاجت المرأة إلى العمل فهناك مشكلة اقتصادية؛ أو كلمةً نحوها، فحاجة المرأة الآن للعمل، سواء للتزيد الاقتصادي أم لدفع الفقر أم للبحث عن الزواج، كلها أدت إلى أن أصبح عمل المرأة أصلاً وليس فرعاً، الأمر الذي أدى إلى كثير من أحداث الطلاق، كما أدى إلى مشكلات أخرى ليس المجال لها، لكن هنا أذكر مثالاً لأحداث الطلاق؛ والأمر كذلك في الخلع والعنوسة؛ لكن ينبغي أن نذكر عنوسة الرجال، فالشاب في جيلنا كان أقصى حد لزواجه عمر الخمس والعشرين، والآن نجد الزواج يتأخر إلى الثلاثين والأربعين والخمسين، ولعل السبب يرجع في جزء كبير منه إلى عدم الشوق إلى النساء، لأن المرأة لم تعد بالكائن البعيد عن الرجل، فأصبح يراها كثيرا ويكلمها، فلم تعد ذلك الكائن الذي يرغب الرجل فيه، ولنقل ذلك في حق المرأة ، فلم تعد هي راغبة في الرجال الموجودين في كل مكان تكون فيه المرأة؛ فعندما يصل الرجل إلى الأربعين لا تكون ذات الأربعين من النساء خيارا له، وبذلك تزيد العنوسة.
والحل لمثل هذه المشكلات يجب أن تتعاون فيه عدد من الوزارات وليست وزارة واحدة فوزارة التعليم، ووزارة الإعلام، ووزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، بل ووزارة الاقتصاد، كل هؤلاء لديهم مسؤولية كبرى عن هذه المعضلة، ويمكنهم حلها بقرارات صادرة من مجموعهم والله ولي التوفيق.
* يعد الوقف رافدا رئيسا لبرامج التنمية؛ فكيف يمكن نشر ثقافة الوقف في المجتمع، وما المطلوب من هيئة الأوقاف لتعزيز ذلك؟
- المطلوب أن يرى المجتمع ثمرة الأوقاف، وحين يراها لا أشك أن الأثراء منه سوف تكثر مبادراتهم إليه، فمثلاً لدينا العديد من المؤسسات غير الربحية في حاجة للوقف كي تؤتي ثمارها، لكن للأسف يوجد من يُعوقون هذه الثمار بالسعي لأنفسهم من داخل الوقف، وانتشار أخبار هؤلاء يحول دون الإقدام على هذه الخطوة، وإلا فالحصول على صك وقفية أو ترخيص من الهيئة أمر سهل لكن الثقة بالثمرة هي المسؤولة.
* تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي لقاءات متلفزة مع بعض الشباب والفتيات حول مسائل بسيطة عن الإسلام، مثل: أركان الإسلام، وشروط الصلاة، وتغيير مكان الحج من مكة إلى المدينة، وكانت الإجابات صادمة تنبئ عن جهل وأمية دينية؛ فما أسباب الجهل، وهل لدينا أمية دينية حقًا؟
- لا أصدق وسائل التواصل الاجتماعي، وعند رغبتنا في معرفة أكثر عن مدى الوعي الديني في السعودية فيجب علينا القيام ببحث أكثر دقة وصدقية من وسائل التواصل، ومع هذا أقول: إن تدريس الدين كما كان عليه قبل سبع سنوات فيه أخطاء، وهي أخطاء كان بالإمكان إصلاحها دون الحاجة إلى إضاعة ذلك التراث الذي كانت المملكة العربية السعودية تمتاز به، فأتمنى مزيداً من العمل للوصول إلى حل دراسي رائع ومنتج، إضافة إلى عمل عظيم للحد من تسرب الأجهزة الإلكترونية إلى أيدي صغار السن، فقد ثبت بما لا يدع مجالاً للشك خطرُها على الفرد وعلى مجتمعه.
* تعتمد المنظمات التكفيرية على إشباع القلوب بالحقد والكراهية، واليأس من أي حل، مستغلين برامج ومواقع التواصل الاجتماعي، فكيف يمكن حماية شباب المسلمين من ذلك؟
- بما أنك ذكرت أن المنظمات التكفيرية تعتمد على بث الحقد والكراهية، فإن الجواب سيكون هكذا: حربهم ببث ما يزيد المحبة ويرفع مستوى الأمل، ويبين الواقع الصحيح وطرق العلاج الصائب، وهذا الأمر ممكن، وقد وفرته حكومتنا الرشيدة ويمكن أن يكون أحد الأسباب التي دعت إلى تقلص الإرهاب في بلادنا، ولعل انكشاف عمالة داعش والقاعدة لإيران، وأن أمريكا من ورائهما كما أثبتت ذلك إيملات هيلاري كلينتون أثبت كثيراً هذه العمالة مما أثبت صدق ما كنا نقوله عن القاعدة وداعش، وهذا بدوره أضعف تأثير الفكر الإرهابي على الشباب.