تصوير - التهامي عبدالرحيم:
نظمت قيصرية الكتاب بتاريخ 18 شعبان 1446هـ الموافق 17 فبراير 2025م ضمن برنامجها «شخصيات» أمسية وفاء للاحتفاء برئيس تحرير جريدة الجزيرة الأستاذ خالد بن حمد المالك، وذلك في مقر جامعة الأمير سلطان بالرياض مبنى رقم 104، ضمن تبنيها تكريم الشخصيات الوطنية.
تضمنت الأمسية كلمة للمشرف العام على «قيصرية الكتاب» الأستاذ أحمد فهد الحمدان، فكلمة للمكرم خالد المالك ثم عقدت ندوة شارك فيها كل من معالي الدكتور عبدالواحد الحميد، والدكتور إبراهيم التركي، وأدار الحوار الأستاذ جابر القرني.
وبعد ذلك أتيح للحضور المداخلات.
بدأ مقدم الحفل الأستاذ ماجد البابطين بالقول إننا نجتمع في أمسية من أمسيات الأدب والثقافة والإعلام والصحافة والعلم والإدارة، أمسية نتحدث فيها بفخر عن شخصية بارزة نفخر بها ونتشرَّف في قيصرية الكتاب بالاحتفاء بأستاذ الإعلام وكبير الصحفيين الأستاذ القدير خالد بن حمد المالك، قيصرية الكتاب لم تعد نطاقاً صغيراً في سكة مليئة بالكتب العتيقة، بل أصبحت تظاهرة ثقافية أثرت الشارع الثقافي بالفعاليات والندوات من ضمنها هذه السلسلة الرائعة التي تكرم فيها الشخصيات الوطنية التي وضعت بصمتها على صفحات المجتمع السعودي.
ثم بدأ حفل التكريم بكلمة الأستاذ أحمد بن فهد الحمدان المشرف على قيصرية الكتاب بهذه الكلمة:
نلتقي اليوم في مناسبة هي من أسمى المناسبات وأرفعها شأنا.
مناسبة تكريم قامة صحفية شامخة.
قامة صنعت المجد بحروفها، ورسخت المبادئ بمواقفها، وأعطت للصحافة معناها العميق ومكانتها الرفيعة.
نحتفل اليوم بتكريم الأستاذ الكبير خالد المالك.
عميد الصحفيين، ورمز الصحافة الوطنية، وقائد الفكر المستنير، الذي كرس حياته لأكثر من خمسين عاما في خدمة الكلمة. دفاعاً عن الحقيقة، ورغبة في تقديم رسالة إعلامية تحمل الصدق والموضوعية والمسؤولية.
لقد كان الأستاذ خالد المالك مثالاً يحتذى في التفاني والالتزام. عمل بلا كلل، وسخر قلمه ليكون صادقا نزيها. ولم يكن مجرد ناقل للأخبار، بل كان صانعا للرأي، ومؤثرا في مسيرة الإعلام السعودي والعربي.
على مدى عقود، استطاع أن يخلق نموذجا فريدا في الصحافة؛ حيث كان يوازن بين المصداقية والموضوعية، وبين النقد البناء والطرح الهادف، وبين الجرأة والمسؤولية.
الحضور الكريم..
نحن اليوم لا نكرم شخصاً فحسب، بل نكرم تجربة طويلة غنية بالدروس. نكرم رجلا لم يكن صحفياً عادياً، بل كان قائدا في مجاله. رجلاً حمل راية الصحافة بمسؤولية وأمانة، وقدم إعلاما يرتقي بالعقول، ويحترم وعي المجتمع، ويعزز القيم النبيلة.
لقد شهدت مسيرته الكثير من التحولات، لكنه كان دائما ثابتا على مبدئه. مؤمنا برسالته، حريصا على أن تبقى الصحافة منارة للحقيقة ومصدراً للوعي.
على مدار أكثر من خمسين عاما، كتب، وحرر، وناقش، وأدار، ورسم للصحافة منهجاً راسخاً. كان شاهدا على أحداث كبرى، ونقلها بمهنية واحتراف. بل وساهم في صياغة الفكر الإعلامي الحديث في بلادنا. حتى أصبح مرجعا لكل من أراد أن يتعلم فن الصحافة وأخلاقياتها.
لقد ترك بصمة واضحة في كل صحيفة عمل فيها. وفي كل مقالة كتبها. وفي كل قرار اتخذه من أجل تطوير الصحافة السعودية. وكان حضوره دائما مصدر إلهام لجيل كامل من الصحفيين الذين تعلموا منه الكثير، واستلهموا من نهجه دروسا لا تنسى. في قوة الكلمة، وأمانة القلم، ومسؤولية الإعلامي في نقل الحقيقة للناس.
أيها الحضور الكريم..
إن هذا التكريم الذي نجتمع من أجله اليوم هو عربون محبة ووفاء لرجل أفنى حياته في خدمة مهنة الصحافة، وقدم لوطنه وإعلامه الكثير. فاستحق منا جميعاً هذا التقدير، واستحق أن نقف له احتراماً وتقديرا.
إننا حين نكرم الأستاذ خالد المالك، فإننا في الحقيقة نكرم كل معاني الإخلاص والتفاني. نكرم القلم النزيه، والكلمة الهادفة، والموقف الصادق.
ولعل هذا الحفل يكون أيضا فرصة لنستلهم من مسيرته دروسا في المثابرة والالتزام، وأن ندرك أن الصحافة ليست مجرد مهنة، بل هي رسالةٌ تحتاج إلى الصبر، والتعلم المستمر، والأمانة في نقل الحقيقة. وهو ما جسده الأستاذ خالد المالك طوال عقود من الزمن.
وفي هذا الحفل، لا يسعني إلا أن أقول:
شكراً أستاذ خالد المالك. شكرا على كل ما قدمته. شكراً لكل حرف كتبته. شكرا لكل قضية تناولتها بموضوعية. شكرا لكل نصيحة قدمتها للأجيال الجديدة. شكرا لعطائك الذي لا يقدر بثمن. ولإخلاصك الذي كان نبراساً لكل من أراد أن يسير على درب الصحافة النزيهة.
كما لا يفوتنا أن نعبر عن بالغ الشكر والامتنان لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود - أيده الله. الذي أولى الإعلام والصحافة اهتماما كبيرا، وأعطى للكلمة الحرة مساحتها المشروعة، فكانت المملكة ولا تزال منبراً إعلاميا قويا. يعبر عن رؤى القيادة الحكيمة. ويظهر مكانة المملكة في المشهد الدولي.
كما نتوجه بعظيم الامتنان لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز. ولي العهد رئيس مجلس الوزراء - حفظه الله-. قائد التغيير وصانع المستقبل. الذي قاد نهضة شاملة في كل المجالات. وجعل من الإعلام شريكا إستراتيجياً في تحقيق رؤية المملكة 2030 .
إن دعم القيادة الرشيدة للصحافة والإعلام وحرصها على تمكين الإعلاميين إنما يظهر رؤية حكيمة تؤمن بدور الكلمة الصادقة في بناء المجتمعات، وصناعة الفكر، وحماية الهوية الوطنية.
وهو ما جعل الصحافة السعودية تشهد نقلة نوعية غير مسبوقة، ونحن اليوم نفخر بأننا جزءٌ من هذا التحول العظيم. ونفخر بأن يكون بيننا قاماتٌ مثل الأستاذ خالد المالك. الذين حملوا على عاتقهم هذه الرسالة الإعلامية العظيمة بكل مسؤولية وإخلاص.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ثم أعطى مقدم الحفل الكلمة للأستاذ خالد المالك
أبدأ كلمتي بالقول بأن في تاريخ كل منا قصصاً وروايات وأحداثاً مرت عابرةً أو راسخةً، بعضها يستحق أن يروى، وأخرى مكانها الحفظ، ربما إلى حين، وقد تكون خارج التفكير في البحث عنها، عبر مسارات الحياة، بكل مناحيها، وخفاياها، وأسرارها، وحيث يكون التوقف أو السير عبر دروبها ومحطاتها، الهين منها، وما كان صعباً لسبب أو لأسباب أخرى.
حديثي لكم عن عقود من الزمن، أمضيتها في الصحافة، ولا أزال، فلم يستهوني عمل آخر كعملها، ولا فترات زمنية طويلة أقضيها بعيداً عن هدير مطابعها، ورائحة حبرها، وتلمس أوراقها.
كانت البداية محرراً رياضياً، فمديراً للتحرير، ثم رئيساً للتحرير، كان وصولي إلى رئاسة التحرير سريعاً، سنوات عملي محرراً ومديراً للتحرير لم تطل، لعل حسن الظن بي من مجلس إدارة مؤسسة الجزيرة، وجمعيتها العمومية، ولاحقاً من وزارة الإعلام، كان سبب هذه القفزة السريعة إلى رئاسة التحرير.
وكان علي أن أفعل بما يجعلني موضع الثقة، وأن أؤكد لهم بأن اختياري لرئاسة التحرير، لم يكن قراراً متسرعاً، وإنما عن قراءة صحيحة لقدراتي، مع أن هذه القدرات لم تختبر حينها بما فيه الكفاية، ولم تكن في سنوات عملي صحفيا ما يوحي بمطابقتها مع ذلك الإجماع على أني الصحفي المناسب لرئاسة التحرير.
كان أهم قرار اتخذته حين تبنيت إصداري صحيفة الجزيرة صحيفةً يوميةً، وتاليها أن تكون الصحيفة الأولى بالمملكة، في التوزيع والانتشار والمقروئية والمساحة الإعلانية وتحقيق الأرباح، وكل هذا تحقق بعد سنتين من صدورها، وقد سبق هذه النتائج انضمام أفضل الصحفيين للجزيرة، واستكتابنا لعدد من الكتاب المميزين، ما جعل بعضهم لاحقاً رؤساء تحرير لصحف محلية وعربية وخليجية.
وفي فترة لاحقة كان مشروعي الثاني الذي فكرت فيه ونفذته إصدار أول صحيفة مسائية بالمملكة، وامتد عمر صدورها إلى عشرين عاماً قبل أن تتوقف، وكان مبرر إصدارها أن وسائل الإعلام لم تكن كما هي اليوم، حيث تنتهي حينها علاقة الجمهور بالأحداث والتطورات والمستجدات مع الساعات الأولى في غياب واختفاء وسائل الإعلام من مساء كل يوم.
وللتذكير فقد ترأست صحيفة الجزيرة في فترتين، تركتها في فترتي الأولى وهي الصحيفة الأولى في المملكة، وعدت إليها بعد ثلاثة عشر عاماً من الغياب لأجدها تلامس الصف الأخير بين الصحف السعودية، وبعد سنتين من عودتي لرئاسة تحريرها كانت ضمن صحف الصف الأول، بشهادة الملك سلمان الذي أثنى على التغيير، وعلى الخطوات التطويرية التي شهدتها الجزيرة، وقال لي في اتصال هاتفي نشرنا مضمونه بصحيفة الجزيرة، أنه يثمن النقلة النوعية التي لاقت الاستحسان من القراء، لما تتميز به من عمل صحفي، سواءً في المادة الصحفية أو في التبويب والإخراج، ويوثق هذه الشهادة الملكية ارتفاع الأرباح إلى أكثر من رأسمال المؤسسة، ووصول التوزيع من مبيعات واشتراكات إلى أكثر من مائة وستين ألف نسخة يومياً، وهو رقم لم تصل إليه أي صحيفة بالمملكة، كل هذا قبل معاناة الصحف الورقية في المملكة، وفي العالم وبينها صحيفة الجزيرة.
ومن الإنصاف والوفاء للأسماء الكبيرة المميزة التي عاضدتني وساعدت في بلوغ ما وصلت إليه صحيفتا الجزيرة والمسائية وما بلغتاه من تطور أن أؤكد على المؤكد بأن هناك زملاء في التحرير والإدارة، وآخرين في مجلس الإدارة، ومشاركةً من أعضاء الجمعية العمومية، ما كان لي أن أحقق كل ما تحقق لولا هؤلاء دون حاجة إلى ذكر هذه الأسماء.
ومن يعمل في الصحافة عليه أن يتوقع الكثير من المنغصات، والتحديات، وإثارة ما يعكر المزاج، خاصةً من يكون على هرم المسؤولية، وقد كان لي في هذا نصيب الأسد، مما واجهه بعض الزملاء، لكنه لم يمنع من عودتي ثانيةً رئيساً لتحرير صحيفة الجزيرة، ولًم يؤثر على انتمائي وإخلاصي ومحبتي لوطني، وتقبلي لكل ما كان ضرورياً للتعامل الرسمي مع اجتهادات ربما هناك من رأى أني لم أوفق فيها.
في الفترة التي بدأت عملي في الصحافة، لم يكن هذا التوجه معتمداً على تأهيل إعلامي، سواءً عن طريق الخبرة أو الدراسة، وإنما هو بفعل الشغف، والقراءة، والمتابعة المبكرة لما ينشر في الصحف، وهو ما قاد زملاء آخرين من جيلي كما قادني ليأخذوا مواقعهم محررين رياضيين، ومن ثم فإذا بهم يقودون صحفاً مهمةً في البلاد.
بعد صحافة الأفراد، اعتمدت المؤسسات الصحفية على كوادر إعلامية عربية، بسبب محدودية الصحفيين المتمكنين من بين السعوديين، غير أن ظروفاً استجدت في مرحلة من مراحل تاريخ الصحافة السعودية اقتضت بالصحفيين المصريين، -وهم الغالبية - إلى ترك العمل بالصحافة في المملكة، ربما بتوجيه من قيادتهم، ليتركوا فراغاً في الصحف، وكانت فرصةً مواتيةً لينخرط الشباب السعودي لملء هذا الفراغ بالعمل في الصحافة.
ومع التحول من الصحافة التقليدية إلى الصحافة الرقمية، بدأ منحى الصحافة يتغير ويتبدل، ويواجه تحديات بالقدر الذي لم تستطع الصحف الورقية أن تواجهه بالتجديد المطلوب، لتزامنه مع تراجع الصحف إعلانياً وتوزيعاً، وبالتالي انخفاض ميزانياتها إلى الحد الذي لم تعد إيراداتها تغطي تكاليف نفقاتها بوضعها الحالي رغم الترشيد الشديد في الإنفاق، فضلاً عن أن توفر من ميزانياتها ما يمكن استثماره لهذا التحول المطلوب.
في هذه الليلة، وأنا أقضي معكم هذا الوقت في تكريمكم لي، وقد أمضيت منذ بدء عملي بالصحافة ما يزيد على ستين عاماً، يقتضي مني الوفاء أن أشكر القائمين على قيصرية الكتاب، وجامعة الأمير سلطان، وهذا الحضور البهي من الإخوة والأخوات، والزملاء والزميلات، وإلى من تكرموا بالمشاركة في إدارة هذه الجلسة، ومديريها، ومقدمها مع الاعتذار إن لم تجدوا ما يستحق قوله لكم عن شخصي وعًن مسيرتي الصحفية الطويلة، رغم عناء كل منكم في المشوار الطويل للوصول إلى هنا مع ازدحام الرياض مرورياً، وتباعد المسافات بين أحيائها.