الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
الإصابة بالعين حق، والاحتراز منها أمر حضت عليه الشريعة، ولا يقتصر أثر العين الحاسدة على الإنسان، بل ربما يمتد إلى الحيوان والجماد، لكن ذلك لا يمكن أن يحدث إلا بقضاء الله وقدره. ولأن العين حق، وأثرها نافذ وشرها واقع، جاءت الأوامر الشرعية والنصوص النبوية تحذر من خطرها، وتدعوهم إلى التحصن منها. وطرق الشفاء من العين تكون بالرقية الشرعية، والأدعية النبوية، وإما بالاغتسال.
«الجزيرة» طرحت القضية على أصحاب الفضيلة ليتحدثوا حول أهمية المساهمة بمساعدة المريض، وأخذ الأثر من العائن دون حدوث مشكلات ربما تسبب قطع الرحم بين ذوي القرابة والأصدقاء؛ فماذا قالوا؟
القضاء على العين
يقول معالي الشيخ عبدالله بن سليمان المنيع عضو هيئة كبار العلماء: لا شك أن العين حق فقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بالاستعاذة من العين فقال سبحانه وتعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِن شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ}، وقال صلى الله عليه وسلم عن العين بأنها «حق»، وقال صلى الله عليه وسلم: «لو سبق شيء القدر لسبقته العين»، ولا شك أن ما من داء إلا وله دواء علمه من علمه وجهله من جهله، وقد أرشد صلى الله عليه وسلم بأن الرقية من أكبر أسباب القضاء على العين، فقال صلى الله عليه وسلم: «لا رقية إلا من عين أو حمى»، وأحد أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام عانه بعض أصحابه فذكر ذلك للرسول صلى الله عليه وسلم فأمر بحضور العاين وطلب منه أن يغسل بعض أعضائه ثم بعد ذلك غسلت بعض أعضاء المعين حتى برأ من أثر ذلك العين، وينبغي لمن صدرت منه العين أن يتقي الله سبحانه وتعالى وأن يعلم بأنه ضر أخاه وأن مضرته أخاه لا شك أنها في الواقع تعتبر من الظلم ومما يجب عليه أن يستغفر الله منه وأن يستسمح ممن أصابته مضرته وإذا كان من أسباب القضاء على الضرر هو الاغتسال ونحوه فيجب على من صدرت منه العين أن يستجيب وأن يعمل على ما من شأنه أن يكون سبباً من أسباب براءة أخيه المسلم مما لحقه منه من أثر حسده إياه.
وشدد الشيخ المنيع أنه ينبغي على المسلم أن يتقي الله سبحانه وتعالى، وأن يحرص كل الحرص ألا يناول مضرته أي أحد من إخوانه وإذا رأى ما يعجبه فعليه أن يبارك بأن يقول ما شاء الله تبارك الله لا إله إلا الله وحده لا شريك له قال تعالى: {وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ}، فلا شك أن التبريك وذكر الله سبحانه وتعالى سبب من أسباب الوقاية من العين، ولا شك أن كذلك من أصيب بعين من أحد أقاربه ويخشى إن صارحه بذلك أن يترتب على ذلك القطيعة فينبغي له أن يعمل بجهده أو بمساعدة أي أحد من أقارب العاين نفسه في أن يحصل على أثر من آثاره حتى يغسل وينتفع بغسيل ذلك الثوب أو القطعة من ثيابه ونحو ذلك وأن يحاول أن يكتم الأمر خشية أن يعلم العائن نفسه ويترتب على علمه قطيعة الرحم والبغض ووجود آثار تمنع من الانتفاع بأثر العين فينبغي أن يكون ذلك، والله المستعان.
أمر واقع بالأدلة
ويؤكد الدكتور عبدالله بن محمد الطيار مفوض الإفتاء بمنطقة القصيم أن الإصابة بالعين واقع بالأدلة الصحيحة من الكتاب والسنة، قال تعالى حكاية عن يعقوب عليه الصلاة والسلام: {وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ} يوسف: [67].
قال ابن عباس ومحمد بن كعب ومجاهد والضحاك وقتادة والسدي وغير واحد: (إنه خشي عليهم العين، وذلك أنهم كانوا ذوي جمال وهيئة حسنة ومنظر وبهاء فخشي عليهم أن يصيبهم الناس بعيونهم فإن العين حق تستنزل الفارس عن فرسه) تفسير القرآن العظيم، ابن كثير (2-419).
وقال تعالى: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} القلم: [51-52].
قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما: {لَيُزْلِقُونَكَ} لينفذونك {أَبْصَارِهِمْ} أي يعينونك بأبصارهم بمعنى يحسدونك لبغضهم إياك لولا وقاية الله لك وحمايته إياك منهم، وفي هذه الآية دليل على أن العين إصابتها وتأثيرها حق بأمر الله عز وجل. تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4-357).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الْعَيْنُ حَقٌّ، ولو كانَ شيءٌ سابَقَ القَدَرَ سَبَقَتْهُ العَيْنُ، وإذا اسْتُغْسِلْتُمْ فاغْسِلُوا) أخرجه مسلم (2188) وتقول عائشة رضي الله عنها: (استعيذوا باللهِ من العينِ فإنَّ العينَ حقٌّ) أخرجه ابن ماجه (3508) وصححه الألباني في صحيح الجامع (938) وحقيقة العين (نظر باستحسان مشوب بحسد من خبيث الطبع يحصل للمنظور منه ضرر) فتح الباري لابن حجر (10-200).
قال ابن القيم -رحمه الله-: (هي سهام تخرج من النفس الحاسد والعائن نحو المحسود والمعين تصيبه تارة وتخطئه تارة فإن صادفته حذراً شاكي السلاح لا منفذ فيه للسهام لم تؤثر فيه، وربما ردت السهام على صاحبها وهذا بمثابة الرمي الحسي سواء، فهذا من النفوس والأرواح، وذاك من الأجسام والأشباح) زاد المعاد لابن القيم (4-167).
والعين عينان: عين إنسي، وهي المرادة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (علامَ يقتلُ أحدُكم أخاهُ) أخرجه ابن ماجه (3509) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (2844).
وعين جني، وهي التي جاءت في حديث أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها: (أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم رَأى في بَيْتِها جارِيَةً في وَجْهِها سَفْعَةٌ، فقالَ: اسْتَرْقُوا لَها؛ فإنَّ بها النَّظْرَةَ) أخرجه البخاري (7181).
ومما يجدر التنبيه عليه أن العين وغيرها لا تؤثر إلا بإرادة الله ومشيئته، وقد يعين الإنسان نفسه وقد يعين غيره، وقد يعين بغير إرادته وقد يصيب العائن من غير الرؤية كأن يكون أعمى أو كأن يكون المعيون غائباً ويوصف له من غير أن يراه، وقد تصيب العين مع الإعجاب ولو بغير حسد وقد تصيب العين من الرجل المحب ومن الرجل الصالح، لذلك يسن لمن وقع بصره على شيء يعجبه من نفسه أو أهله أو غيره أن يذكر بما ورد.
قال ابن القيم: (ونفس العائن لا يتوقف تأثيرها على الرؤية، بل قد يكون أعمى فيوصف له الشيء فتؤثر نفسه وإن لم يره وكثير من العائنين يؤثر في العين بالوصف من غير رؤية) زاد المعاد، لابن القيم (3/ 117-118).
وقد وضع الشرع سبلاً كثيرة للوقاية من العين ومنها:
1- التعوذ بالله من شر الحاسد وقراءة المعوذتين. لقوله تعالى:(وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) الفلق:[5]. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوَّذُ منَ الجانِّ وعينِ الإنسانِ حتَّى نزَلتِ المعوِّذتانِ، فلمَّا نزلَتا أخذَ بِهِما وترَكَ ما سواهما) أخرجه الترمذي (2058) وصححه الألباني.
2- الدعاء بالبركة إذا رأى المرء ما يعجبه، قال تعالى: (وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ) الكهف [29] وقال صلى الله عليه وسلم: (من رأى شيئًا فأعجبه فقال: ما شاء اللهُ لا قوَّةَ إلّا باللهِ. لم يضُرَّه) أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة (207) وقال أيضًا: (إذا رأى أحدُكم من أخيهِ ما يعجبُهُ فليدعُ لَهُ بالبرَكةِ) أخرجه ابن ماجه (3509) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (2844). قال النووي: (ويستحب للعائن أن يدعو للمعين بالبركة فيقول: (اللهم بارك فيه ولا تضره) ويقول: (ما شاء الله لا قوة إلا بالله).
3- الصبر على العائن، والإحسان إليه، وعدم التعرض له أو ايذائه لقوله تعالى: (وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ) الحج:[60].
4- ستر ما يخشى عليه الإصابة بالعين، فإن العين استشراف النفس نحو ما يعجبها، فإذا كان لدى الإنسان ما يخشى عليه العين فعليه أن يحرص على عدم إظهاره، فقد روي أن عثمان رضي الله عنه رأى صبياً مليحاً فقال: دسِّموا نونته كيلا تصيبه العين. ومعنى دسَّموا أي سودوا، والنونة: النقبة التي تكون في ذقن الصبي الصغير) شرح السنة للإمام البغوي (12-166).
5- الاحتراز من العائن: قال القاضي عياض: «قال بعض العلماء: ينبغي إذا عُرف واحد بالإصابة بالعين أن يجتنب وأن يحترز منه».
6- إطفاء نار الحاسد والباغي والمؤذي بالإحسان إليه. فكلما ازداد أذى وشراَّ وبغياً وحسداً ازددت إليه إحساناً، وله نصيحة، وعليه شفقة.
7- الإقبال على الله، والإخلاص له، وجعل محبته ورضاه والإنابة إليه في محل خواطر نفسه فإذا صار كذلك فكيف يرضى لنفسه أن يجعل بيت أفكاره وقلبه معموراً بالفكر في حاسده.
8- تجريد التوبة إلى الله من الذنوب التي سلطت عليه أعداءه فإن الله تعالى يقول: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) الشورى: [30].
9- وهو الجامع لذلك كله وعليه مدار هذه الأسباب وهو: تجريد التوحيد والترحل بالفكر في الأسباب إلى المسبب العزيز الحكيم، فإذا جرَّد العبد التوحيد فقد خرج من قلبه خوف ما سواه، من خاف الله خافه كل شيء، ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شيء، ومن خاف شيئاً غير الله سلط عليه.
10- أمر العائن بالاغتسال إذا عرف: وهذا أفضل علاج للعين، فإذا اغتسل العائن أتي بالماء الذي اغتسل به العائن ويصب على رأس الإنسان.
ودليل الاغتسال أن عامرُ بنُ ربيعةَ مرّ بسَهلِ بنِ حنيفٍ وَهوَ يغتسلُ فقالَ لم أرَ كاليومِ ولا جِلدَ مُخبَّأةٍ فما لبثَ أن لُبِطَ بِهِ فأتيَ بِهِ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فقيلَ لَهُ: أدرِك سَهلًا صريعًا، قالَ: من تتَّهمونَ بِهِ؟ قالوا: عامرَ بنَ ربيعةَ، قالَ: علامَ يقتلُ أحدُكم أخاهُ؟ إذا رأى أحدُكم من أخيهِ ما يعجبُهُ فليدعُ لَهُ بالبرَكةِ، ثمَّ دعا بماءٍ فأمرَ عامرًا أن يتوضَّأَ، فيغسلَ وجْهَهُ ويديْهِ إلى المرفقينِ، ورُكبتيْهِ وداخلةَ إزارِهِ وأمرَهُ أن يصبَّ عليْهِ) أخرجه ابن ماجه (3509) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (2844) وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كانَ يُؤمَرُ العائنُ فيتوضَّأُ ثمَّ يغتسِلُ منهُ المَعينُ) أخرجه أبو داود (3880) وصححه الألباني.
قال شيخنا محمد بن عثيمين -رحمه الله-: (العلاج من العين، وفي حالة وقوعها تستعمل العلاجات الشرعية وهي: القراءة: فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا رقية إلا من عين أو حمة) الترمذي (2057)، وأبو داود (3884)، وقد كان جبريل يرقي النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: (باسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفس أو عين حاسد، الله يشفيك، باسم الله أرقيك).
الاستغسال: كما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم عامر بن ربيعة في الحديث السابق ثم يصب على المصاب.
وسئل -رحمه الله- عن كيفية الوقاية من العين فقال: (والتحرز من العين مقدماً لا بأس به، ولا ينافي التوكل، بل هو التوكل؛ لأن التوكل الاعتماد على الله -سبحانه- مع فعل الأسباب التي أباحها أو أمر بها وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوِّذ الحسن والحسين ويقول: (أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة) الترمذي (2060)، وأبو داود (4737) ويقول: (هكذا كان إبراهيم يعوذ إسحاق وإسماعيل عليهما السلام) رواه البخاري (3371)»انتهى من «فتاوى الشيخ ابن عثيمين» (2/ 117، 118).
والأخذ من الأثر إذا لم يمكن الاستغسال من العائن، أو خشي أن يترتب على ذلك إشكالات مع العائن وقرابته، لا مانع منه، وهو مجرب ونافع، مثل: أخذ شيء من ثياب العائن، وغسلها، وصب الماء على المعين، وقد مرّ عليّ حالات كثيرة شفوا تمامًا -بفضل الله- بعد أخذ الأثر واستعماله.