الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
في الوقت الذي يزخر فيه الشهر الكريم بالكثير من الفوائد الروحية والصحية، إلا أنه مع المتغيرات الحياتية المتسارعة نشهد ظهور العديد من السلوكيات الانفعالية والتغيرات التي تنسب إلى أثر الصيام، ومن هذه المعتقدات الخاطئة أن الصيام يجلب التوتر والعصبية لدى البعض.
«الجزيرة» التقت اثنان من المختصين في العلوم الشرعية والطبية ليتحدثا عما يمكن عمله للحد من العصبية والتوتر خلال شهر رمضان المبارك.
أخلاقنا في رمضان
يؤكد الدكتور صالح بن عبدالعزيز التويجري، أستاذ العقيدة بجامعة القصيم:(إني صائم) ليست حجة للخطأ والتوتر بقدر ماهي عنوان الصبر والتحمل والتجاوز، وإن قلب المفهوم وتفريغ المصطلح يفسد مقاصد الشريعة، والصوم شرع لعلكم تتقون، تتقون أسباب الافتراق والاختلاف والتنافر ومن أهمها سرعة الانفعال والغضب، و(إني صائم) تذكير لنفسك قبل خصمك بأن تتحلى بأخلاق الصائمين ومنها الكرم، والتسامح والعفو والتغافل كلها كرم.
تلافي المثيرات
ويشير د. صالح التويجري إلى أن كل منا يعرف نقاط ضعفه، وهو أولى بمعالجتها أو تلافي مثيراتها؛ فلا تترك لأحد أن يحدد لحظات استفزازك، تحكم بمشاعرك وعواطفك بتجنب نقاط التماس التي تكشف ضعفك، ويسترسل بقوله: (إنها أمارة وإنك ضعيف) إشارة إلى أهمية عدم تعريض الإنسان لمواقف لا يتحملها، وكل ميسر لما خلق له، والذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم) الأصل في الإنسان الخلطة والألفة فهو مدني بالطبع. يألف ويؤلف، والناس في ذلك درجات، وكلما احتاج الناس إلى ما عندك فأنت لابد أن تجاهد نفسك على أخلاق الصبر لأن اللفظ الغليظ يهرب منه الناس، ولا يستفيدون منه، ومن عرف ضيق عطنه وأُفقه عليه أن يتجنب الخلطة حتى لا يؤذي ولا يؤذى، وأحوج ما نكون للرفق والصبر والملاينة مع الضعفاء الأطفال، والعمال، والنساء، والمرضى الغرباء، والمسافر، كلهم يحتاجون إلى الصبر والتحمل لما تقتضيه أحوالهم من ضعف وحاجة وأزمة.
أوقات الذروة
وينبه د. صالح التويجري إلى أهمية التعرف على أوقات الذروة التي تشتعل فيها الأنفس ويزيد الغليان وتتجمع أسباب الانفعال وانفلات الزمام، مثل: أوقات الزحام، والإجازات، والأسواق العامة، وطوابير الانتظار، وتجمعات الهيشات. وأماكن الصخب والشغب.. ذلك حتى لا تتعرض لأذى إنسان فقد أعصابه وتجاهل حق الآخرين، مؤكداً أن الصبر مذاقه مر لكن عواقبه حميدة، والغضب شهوة ثائرة لكن عاقبتها قبيحة، وكم حالة قتل، أو طلاق، أو قذف ولدت في أجواء الاحتقان وتبادل التراشق، واستدعاء العنتريات والأنا المؤذية، وإذا غضبت غير المكان توضأ، وتعوذ من الشيطان، مع أهمية وجود طرف محايد يفصل الاشتباك. وذلك حين يكون أكثر الأطراف هدوءا، وعنده من العقل والحكمة ما يهدئ الأطراف، ويكون منصفاً، منطقياً مقبولاً عندهم، واجتنب عبارات الاستفزاز ونظرات الاشمئزاز وإشارات الأيدي، وحركات الجسد التي توحي بالتذمر وتوصل رسائل مثيرة للطرف الآخر، مبيناً أن الصبر ذكر في القرآن في أكثر من 70 موضعاً، وفي سياقات متنوعة لعظيم أثره في حياتنا، قال عمر: وجدنا خير عيشنا بالصبر، لذا لن تطيب الحياة بلا صبر؛ فاصبروا وصابروا ورابطوا على مصادر التعدي، كلمات، حركات نظرات؛ فإن الرباط على تغور الجوارح أمان من التظالم بيننا.
عملية تربوية
ويقول الدكتور أحمد نبيل عبدالفتاح أخصائي الأمراض الباطنية بالرياض: شرع الله الصيام تزكية للنفوس وسموا وارتقاء بها فوق الرغبات والشهوات؛ فالصيام عملية تربوية متكاملة من خلالها يتم تربية النفس وتهذيبها، ولكن بعض الناس يزداد عندهم التوتر والعصبية خلال فترة صيام الشهر الكريم وقد يكون ذلك طبيعياً لعدة أسباب أهمها: الجوع وانخفاض سكر الدم أحياناً حيث يعتبر نقص سكر (جلوكوز) الدم سبباً مباشراً للتوتر والجوع، وكذلك العطش ونقص الماء والسوائل بالجسم حيث يشكل الماء حوالي 75 % من مجمل تكوين الدماغ، وعند حدوث جفاف خلال أيام الصيام قد يؤدى إلى بعض الاضطراب في وظائف المخ(الدماغ)، وقد تكون العصبية والتوتر في فترة الصيام خاصة في الأيام الأولى من الشهر الكريم ليست بسبب الجوع أو العطش فقط بل قد تكون أيضاً نتيجة الانقطاع عن
المنبهات مثل: الشاي والقهوة أو التدخين فإنها أشبه ما تكون كأعراض انسحاب النيكوتين والكافيين من الجسم ويمكن إضافة تغيير الروتين اليومي وقلة النوم وضغوطات العمل والحياة أيضًا من أسباب عصبية الصيام والتي ترتفع وتيرتها مع مرور ساعات الصيام وكلما ازددنا اقتراباً من وقت الإفطار والتي قد تسبب في مشاكل عديدة وقد تؤثر على الصيام نفسه.
حلول عملية
ويفيد د. أحمد نبيل عما يجب عمله للحد من العصبية والتوتر في نهار رمضان، من خلال الآتي:
* الغذاء هو الداء والدواء: فيجب الامتناع عن تناول الأطعمة المالحة في وجبتي الفطور والسحور وخاصة وجبة السحور يجب أن تحتوى على كمية مناسبة من البروتينات والدهون الصحية و الألياف (منتجات الألبان - البيض الخضروات - الفواكه - خبز القمح الكامل - الشوفان - الأرز - المكسرات - الأفوكادو السلمون) مع تقليل السكريات والمخللات، وقد يؤدى نقص السوائل والجفاف والإحساس بالعطش إلى الشعور بالعصبية والإجهاد والتعب فيجب شرب الماء بانتظام بين الإفطار والسحور كل ساعة أو ساعتين مع مراعاة عدم شرب كمية كبيرة قبل السحور مما يؤدى إلى كثرة التبول ليلاً والشعور بالعطش نهاراً ويجب أيضاً تناول العصائر الطبيعية بدون سكر أو الفواكه الطازجة إن أمكن لتقليل الشعور بالعطش أثناء نهار رمضان.
* الامتناع عن التدخين: خلال نهار رمضان من أبرز الأسباب للعصبية والتوتر عند المدخنين لذلك ينصح بالتخفيف التدريجي أو الإقلاع عن التدخين بفترة قبل حلول الشهر الكريم وتقليل التدخين بعد الإفطار أو الإقلاع عن هذه العادة السيئة واستبدالها بأنشطة أخرى تقلل من الإحساس بالتوتر مثل: ممارسة الرياضة وغيرها من الأنشطة البدنية المختلفة، فالرياضة هي العلاج الأمثل لتحسين الصحة البدنية والنفسية وتحسين المزاج وتقليل الضغوطات والتوتر، لذلك ينصح بممارسة الرياضة باعتدال في الشهر الكريم وأنسب الأوقات قبل الإفطار بساعة عند اعتدال درجة الحرارة، وكذلك بعد الساعة العاشرة مساءاً إلى منتصف الليل.
* الحصول على قدر كاف من النوم: حيث يعانى كثير من الناس من اضطراب النوم في رمضان وقد ينعكس ذلك على أدائهم في اليوم التالي مع زيادة التوتر والعصبية والإحساس بالإرهاق والتعب وسهولة الانفعال على ابسط الأمور، لذلك فالحرص على النوم عدد كاف من الساعات من أبرز طرق التغلب على التوتر والعصبية خلال الصيام حيث يعزز النوم على قدرة الفرد على التعامل مع الضغوط والتوتر ويزيد من طاقته وتركيزه.
ويبين أخصائي الباطنية أهم الحلول في تحضير النفس للشهر الكريم والتعامل معه كحالة روحانية استثنائية وفريدة تعزز من قربك إلى الله وتسمو بسلوكك الشخصي وترفعك عن العصبية والانفعال في شهر رمضان فرصة ثمينة لضبط النفس وتعويدها على السكينة والهدوء وحب الآخرين واستيعابهم وليس العكس كالعصبية والتوتر والانفعال غير المبرر والذي قد يؤدى إلى مشاكل عديدة أهمها إفساد الصوم والغاية المرجوة منه، كذلك الإكثار من ذكر الله وقراءة القرآن والدعاء بتضرع وخشوع له الأثر الكبير في حل المشاكل وتخفيف التوتر والعصبية والقلق.