الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
يؤكد الخبراء والمختصون على أن الكذب عند الأطفال أمر طبيعي بسبب عوامل محيطة بهم تختلف باختلاف العمر أو البيئة، كما يعد كذب الأطفال من المشكلات التي يجب علاجها بشكل مبكر من قبل الأسرة والمدرسة.
«الجزيرة» التقت عددا من المختصين ليتحدثوا عن الأسباب التي تدفع الطفل إلى الكذب، والسبل الكفيلة التي تعين الطفل على التخلص من هذا الداء.
مخالفة الواقع
يشير الدكتور حسن بن سلطان بصفر استشاري الخدمة الاجتماعية إلى أنه في كثير من الأحيان يشكو الآباء والمعلمون من لجوء بعض الأطفال إلى الكذب وذلك باختلاقهم للأعذار وسرد قصص غير حقيقية أو ذكر حقائق مخالفة للواقع أو التزييف المعتمد بقصد الغش والخداع وغيرهما، ولكن قد يكون الآباء أو المعلمون من القسوة بأن يوصموا الطفل بهذا السلوك السيئ وخاصة في السنوات الأولى من حياة الطفل، إذ إنه خلال هذه الفترة تخلو من الأقوال المحرفة أو غير الصادقة ظاهرياً والتي تبدو للكبار أنها كذب وذلك لأن الطفل في مرحلة ما قبل المدرسة يصعب التفرقة بين عالم الواقع المحيط به وعالم الخيال الذي ينسجه لنفسه؛ لذلك يصعب أن نصف الطفل في هذه المرحلة بأنه كاذب ولكن مع بداية سن المدرسة يبدأ الطفل في اختلاق الأكاذيب لتجنب العقاب أو لكي يجذب نظر الآخرين إليه أو للانتقام من غيره، أو للتفاخر والتباهي بين الآخرين أو لغير ذلك من الأسباب التي تدفع الطفل إلى اللجوء إلى الكذب.
الخطر في الكذب
ويبين د. حسن بصفر أن الخطر في الكذب فيما يرتبط به من مشكلات اجتماعية عديدة منها الخيانة وعدم احترام صفة الصدق، فالكاذب أيضاً ليغطي الأخطاء أو الجرائم التي ارتكبها مثل: السرقة والغش والهروب من المنزل أو المدرسة، مشيراً إلى أشكال الكذب، مثل كذب التفاخر والمبالغة ويقوم به الطفل من أجل الحصول على إعجاب وزهو الآخرين به، والكذب الخيالي هو محاوله الطفل الهروب من الواقع الذي لا يشبع حاجته إلى عالم الخيال الذي يشبع فيه احتياجاته، والكذب الدفاعي ويقوم به الطفل لحماية نفسه من عقاب الوالدين، والكذب لجذب الانتباه يلجأ إليه الطفل للحصول على اهتمام المحيطين به، وكذب المحاكاة حيث يقوم به الطفل لتقليد الكبار المحطين به، وكذب الكراهية والانتقام ويقصد به إلصاق صفة الكذب بالشخص المكروه الذي قد يكون الأخ أو الزميل، والكذب الاجتماعي ويلجأ إليه الطفل لحماية زميله أو أخيه من سر ائتمنه عليه، والكذب المرضي وهو كذب متعمد ويرتبط عادة باضطراب سلوك الطفل.
الأسباب
ويرجع د. حسن بصفر أسباب الكذب إلى تقليد الكبار والخوف من العقاب وتمييز الوالدين لأحد الأبناء عن الآخر وشعور الطفل بالنقص بين أخواته فيلجأ إلى الكذب وتدعيم الكذب، فالطفل الذي يكذب على مدرسيه بعدم ذهابه للمدرسة لأنه مريض ويجد استحساناً من والديه، وهنا دور الأخصائي النفسي في مواجهة كذب الأطفال، حيث يستخدم الأخصائي النفسي كل من التدعيم الإيجابي والسلبي، حين يقول الطفل الحقيقة وإعادة التغذية الحقيقية أو الواقعية عندما يقوم الطفل بسرد قصة طويلة يدعمه الأب أو الأم أو المعلم يشعر بأنه مهتم وأنها قصة جميلة وشيقة وعادة يلجأ إليه في حالات نادرة وذلك حين يكون الطفل يكذب مثل الحرمان أو الاستبعاد لبعض الوقت، حيث يحرم الطفل الكذاب من المعززات والأشياء التي يحبها، عدم التفرقة بين الأبناء والأخوة أو إهانة الطفل وتحقيره أمام أخواته، الوفاء من الأم أو الأب لأي وعد يقوم بوعده لطفل أيا كان وحين عدم الوفاء يقومون بشرح السبب له بأن يكونوا قدوة حسنة لأبنائهم وتقديم قصص تدعم قيمة الصدق وعدم السخرية من الطفل أو الاستهزاء به.
ظاهرة شائعة
ويوضح الدكتور محمد ميسرة عبدالحميد استشاري الأطفال بالرياض: الكذب عند الأطفال هو تقديم معلومات غير صحيحة أو إخفاء الحقيقة عمدًا لتجنب العقاب أو تحقيقه لمكاسب شخصية، مشيراً إلى أن ظاهرة الكذب عند الأطفال تعتبر ظاهرة شائعة وخاصة في المراحل العمرية المبكرة، حيث يكون الطفل غير مدرك تمام الفرق بين الحقيقة والخيال.
ويكشف د. محمد ميسرة استشاري الأطفال العوامل المساعدة على ظهور ظاهرة الكذب، وذلك وفق التالي:
* البيئة الأسرية: قد تؤدي الأساليب القاسية إلى دفع الطفل على الكذب خوفًا من العقاب.
* العمر.. التطور العقلي: يميل الطفل الصغير إلى الكذب وذلك لصعوبة التفرقة بين الكذب والحقيقة وما يترتب عليه من جوانب غير مستحبة.
* العوامل النفسية: إن مشاعر الخوف أو الحاجة إلى الانتماء قد يحصل الكذب وسيلة لتلبية احتياجات داخلية.
* المؤثرات الاجتماعية: التفاعل مع الأقران والبيئة المدرسية يلعب دورًا كبيرًا في تشكيل السلوك، تمثل محاكاة عادة الكذب عند الأقران. ويقدم د. محمد ميسرة استشاري الأطفال بالرياض كيفية التعامل مع عادة الكذب عند الأطفال، وذلك وفق التالي:
* التواصل المفتوح وخلق بيئة آمنة: وذلك عن طريق تجنب العقاب مع التشجيع على الاهتمام بالصدق وتنمية الثقة بالنفس.
* التواصل مع الجهة التعليمية: والبحث عن الأسباب التي قد تساعد الطفل على اتباع أسلوب الكذب، والاستفادة من التخصصات النفسية التي قد تساعد على التشخيص المبكر لنقص الأعراض النفسية والتي تكون عادة الكذب من الأعراض المصاحبة.
البقاء هادئاً
وتقول الدكتورة أمل بنت محمد الرويلي أخصائية طب الطوارئ: غالباً، لا يكون الكذب لدى الطفل عادة مستمرة، بل يقوم الطفل بالكذب من وقت لآخر خوفاً من العقاب، أو لاحاكة بعض الحيل للحصول أو التهرب من أمر ما، مشيرة إلى أسباب الكذب عند الأطفال، والعوامل التي تدفعهم لعدم قول الحقيقة؛ كالخوف من العقاب، أو الرغبة في اكتشاف تجربة جديدة، أو الاستمتاع.
وتنصح د. أمل الرويلي بضرورة البقاء هادئًا حين تكتشف أنّ ابنك يكذب، لأنّ الصُراخ سيخيفه، كما أن الغضب سيترك آثارًا يترتّب عليها عواقب أكثر تعقيدًا، وحين تهدأ الحادثة، حاوره ووضِّح عقبات الكذبة والمساوئ المترتّبة عليها والتي قد تؤثر في مشاعر النّاس الذين يهتمّون لأمره، الأمر الذي سيساعده على تطوير ذكائه العاطفي وقدرته على رؤية الموقف من زوايا.
وشددت د. أمل الرويلي أن التصرّف الأمثل حين يرفض الطفل الاعتراف بخطئه أو عند امتناعه عن قول الحقيقة هو ببساطة إخباره أنك متأكد أن ما يفعله خاطئ، وطمأنة الطفل أنّ الأمر بسيط وأنّ بإمكانهما حلّ المشكلة معًا، لكنّ الضغط والتحقيق والصراخ سيعقّد المسألة وسيزيد من إصرار الطفل على إخفاء الحقائق، وسيُعزّز من كذبه عند وقوعه بمَآزق أخرى في المُستقبَل.