الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
في الوقت الذي عالجت فيه كتب الفقه الإسلامي مسألة تعدد الزوجات بكل تفاصيلها، بما لا يمكن الادعاء معه أن هذه المسألة من الأمور الدنيوية، بل هي من صميم الأحكام الشرعية المستمدة من الكتاب والسنة، إلا أن الحملات المغرضة في إباحة التعدد في الإسلام، تختفي وتظهر مجدداً من خلال وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي مما أثرت هذه الحملات في كثير من البلدان الإسلامية حتى استقر في نفوس كثير من النساء، أن التعدد جريمة أخلاقية وخيانة لبيت الزوجية.
«الجزيرة» التقت عددا من المختصين في العلوم الشرعية للتحدث عن الواجب تبيانه تجاه تلك الحملات المسمومة التي تطعن في الأحكام الشرعية داخل ببوت المسلمين.
حكم متعددة
يبين الدكتور عبدالمحسن بن عبدالله الزكري قاضي الاستئناف أن تعدد الزوجات في الإسلام شُرِّع لحِكَمٍ متعددة، وله دور في معالجة بعض المشكلات الاجتماعية والاقتصادية، ومن أبرز هذه الحِكَم:
1 - زيادة النسل وتكثير الأمة: تعدد الزوجات يُسهم في زيادة عدد المسلمين، مما يعزز قوة المجتمع وتماسكه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «تزوجوا الودود الولود؛ فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة».
2 - مواجهة زيادة عدد النساء على الرجال: في بعض المجتمعات، قد يفوق عدد النساء عدد الرجال، خاصة بعد الحروب والكوارث، وتعدد الزوجات يتيح فرصة للنساء للزواج والاستقرار، مما يقلل من ظاهرة العنوسة ويحميهن من الانحراف.
3 - إعفاف الرجل والمرأة: قد يكون لدى بعض الرجال رغبة جنسية قوية لا تكفيها زوجة واحدة، فتعدد الزوجات يُعفّ الرجل ويمنعه من الوقوع في الفاحشة، كما يُعفّ المرأة ويوفر لها زوجًا يرعاها ويحميها.
4 - رعاية الأرامل والمطلقات: تعدد الزوجات يُتيح للأرامل والمطلقات فرصة للزواج مرة أخرى، مما يضمن لهن ولأبنائهن حياة كريمة ومستقرة.
5- حل مشكلة العقم عند الزوجة: إذا كانت الزوجة عقيمًا، يمكن للزوج الزواج بأخرى لتحقيق رغبته في الإنجاب دون اللجوء إلى الطلاق، مما يحافظ على استقرار الأسرة.
ومع ذلك، وضع الإسلام شروطًا للتعدد، أهمها العدل بين الزوجات في المعاملة والنفقة، والقدرة المادية والجسدية على ذلك. قال الله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً} (3) سورة النساء. فالتعدد ليس إلزاميًا، بل هو رخصة تُمارس بضوابطها الشرعية لتحقيق المصالح ودفع المفاسد.
وأشار د. الزكري في ختام حديثه قائلاً: هناك العديد من الدراسات العلمية في الجامعات العربية والمتعلقة بالآثار الاجتماعية والاقتصادية من الزواج بأكثر من واحدة عند تحقق الضوابط والقيم الإسلامية.
هجمات شرسة
ويؤكد الدكتور مقبل الرفيدي الحربي عضو هيئة التدريس بالمسجد النبوي الشريف: من الملاحظ أن تعدد الزوجات هو أكثر النظم التي تتعرض لهجمات المستشرقين الشرسة في إطار حملات متكررة بأساليب متنوعة وبوسائل إعلامية متعددة وعلى مر العصور للطعن في الإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومن تلكم الأمور تعدد الزوجات حتى آل الأمر في بعض المجتمعات أن التعدد فعل مجرم ولما كانت المرأة مجبولة على الغيرة كانت هي المستهدف في تحقيق هدف أولئك حتى أصبح التعدد في المجتمعات ثقافة غير مقبولة ومرفوضة وصوروا التعدد فعلاً منكراً وخيانة وجريمة مبطلين ما أباح الله ومسقطين لحكم الله وسنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهناك رافد مهم في هذا الباب وهو أن بعض المعددين من المسلمين أساؤوا استخدام هذا المباح فهجروا الزوجة الأولى وظلموا وقصروا ولم يعدلوا مما جعل النساء لا يثقن في الزوج إن هو أراد ذلك.
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (19) سورة النور.
وإن منع تعدد الزوجات في أي قانون تشريعي يؤدي إلى شيوع الدعارة والفاحشة بينهم واتخاذ الخليلات والأخدان بالإضافة إلى آثار أخرى تنتج عن الزنا منها الأولاد غير الشرعيين وانتشار الأمراض الجنسية المختلفة والأوبئة المهلكة المدمرة، قال صلى الله عليه وسلم: «لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون، والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم». اللهم احفظ عورات المسلمين وأعراضهم.
التعدد ليس خيانة
ويحذَّر الشيخ سليمان بن عبدالله الماجد قاضي الاستئناف من خطورة وصف الزوج بـ»الخيانة» عند إقدامه على تعدُّد الزوجات، حيث إن هذا الوصف قد يُعَدُّ اعتراضًا على حُكم الله الذي أباح للرجل التعدد، وهو أمرٌ خطير على العقيدة، مشيراً إلى أن وصف التعدُّد بالخيانة يتنافى مع الشريعة الإسلامية، والله شرع التعدد، وأعطى الرجل هذا الحق، ولا يجوز للزوجة أو غيرها أن يطلقوا على ذلك وصف «الخيانة».
وشدد الماجد: على أن التعدُّد ليس خيانةً، بل حق أباحه الله للرجل، ومن الخطير أن تصف المرأة ما شرعه الله بالخيانة؛ فهذا قد يصل إلى حد انتقاص حُكم الله، وبنفس الوقت فإنه من حق الزوجة أن تشعر بالحزن أو الضيق عند زواج زوجها من أخرى، لكن يجب عليها أن تتحلى بالصبر، وتتجنب استخدام أوصاف قد تؤدي إلى الاعتراض على شرع الله، مشيراً إلى أن مصطلح «الخيانة الزوجية»، الذي يتكرر في وسائل الإعلام، ترجمةٌ حرفية من ثقافات غربية، ولا يصح استخدامه في السياق الشرعي، والأصح أن خيانة الرجل لأمانة الله في نفسه بألا يكون مطيعاً لله مبتعدًا عن معصيته، داعياً إلى الحذر والابتعاد عن العبارات من قبيل «الخيانة الزوجية» التي تتردد في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي وغيرها في وصف ارتكاب المحرمات، والأصح أن نقول عصى الله بالزنا والعلاقات غير المشروعة، وليس في التعدد الذي أذن به الله، وإذا وقع الزوج في الزنا والعلاقات المحرمة فهو عاصٍ لله، وخائن للأمانة التي وضعها الله في عنقه؛ ما ينتقص كثيرًا من حقوق زوجته.