|
فهد، ، ملكٌ عظيم
د، عبدالرحمن عبدالله العتيبي
|
ترددت كثيراً في الكتابة عن هذه المناسبة القديرة، ، مناسبة مرور عشرين عاماً على تولي الملك فهد الحكم في البلاد لسببين محددين وواضحين في ذهني،
السبب الأول هو أنني لا أعرف كتابة المجاملات وخاصة على المستوى العام، ، ولأن ملكاً عظيماً مثل الملك فهد ليس بحاجة إلى مجاملتي أو مجاملة غيري، فإنجازاته واضحة وماثلة للعيان لم يسبق لها بحق مثيل في تاريخ الجزيرة العربية بعد إنجاز تأسيس المملكة العربية السعودية على يد المؤسس الملك عبدالعزيز رحمه الله، والسبب الثاني في ترددي هو كثرة الإنجازات وعمقها التي تحققت في عهد هذا الملك، ، التي يصعب تتبعها في مقالات إعلامية تظل دائما محدودة وتحتاج إلى بحوث وكتب،
وهذه البحوث والكتب هي ما نقوم به في جامعة الملك سعود حاليا، ولكن ما دفعني للكتابة في هذه المناسبة هو تجربة شخصية وحب لهذا الملك،
فالحب لا يتمثل دائماً في المعرفة الشخصية وهذه مطلوبة أحياناً لدعم المصداقية، ، وإنما يمكن أن يكون في المعرفة ا لعامة من خلال تجربتنا ومعايشتنا وتفاعلنا معها، فالملك فهد استطاع خلال العشرين سنة الماضية أن يرفع هاماتنا عالياً في العالم، ، فأصبح السعودي الذي يذهب للسياحة أو الزيارة أو الدراسة في الخارج مثلنا يلاقى بالترحاب والتقدير في كل مكان «ولو أن هذا البعد الآن بدأ يتأثر نسبياً بسبب الحملات المغرضة ويحتاج إلى معالجة خاصة في نهاية هذا المقال»،
التجربة الشخصية لي في هذا المقام ليست الدراسة في الخارج بحد ذاتها، ، وإنما العودة إلى أرض الوطن قبل خمسة عشر عاماً والانبهار الذي شدني وربما شَد غيري من التطور المذهل والمدن العالمية والاتصال والمواصلات وغيرها التي حدثت في المملكة أثناء الفترة البسيطة لغيابنا خارجها للدراسة، ، وهنا يمكن بدون مبالغة أن أصف شعوري بعد العودة بأنه نوع من «الصدمة الحضارية» الثانية، فالصدمة الحضارية الأولى كانت في الولايات المتحدة عندما وجدنا كل شيء فيها من طرق ضخمة ووسائل اتصالات وتقنية،
وعندما عدنا إلى أرض الوطن في الثّمانينات وجدنا كل ذلك في بلادنا، ، قد يقول قائل بإن إيرادات البترول أثناء فترة الطفرة الاقتصادية سهلت هذا الأمر، ، ولكن التجربة المعاشة تقول: إن توجيه هذه الإيرادات رغم انخفاضها في فترة الثمانينات وقدرة الملك فهد على توليد النتائج هي التي ساعدت على خلق المجالات للموارد من الداخل والخارج وحققت هذه الإنجازات التي نراها ونلمسها، وأذكر أنني بعد العودة إلى أرض الوطن لم أستطع التحرك بسهولة في الرياض أو جدة أو مكة أو المنطقة الشرقية أو غيرها واستعنت بأحد الأصدقاء لمرافقتي أثناء التنقل لمساعدتي على التعرف على الشوارع والميادين والمعالم الجديدة، وكان إعجاباً داخلياً لا مثيل له من الإعجاب بالقدرة السريعة والعزيمة القوية لهذا الملك على الاستثمار ليس في أبناء البلاد فحسب، ، وإنما أيضاً في البنية التحتية ووضع مقدرات البلاد في خدمة البلاد،
أعود لموضوع السمعة والإعلام الذي أشرت إليه قبل قليل في متن هذا المقال، ، وأقول يا خادم الحرمين إن السمعة والمكانة العالية التي بنيتموها خلال العشرين سنة الماضية سوف تستمر بحول الله رغماً عن الهجوم الإعلامي الغربي على السعودية في هذه الأوقات وغيرها من الأوقات السابقة،
ما سوف أقوله هنا قد يغضب البعض، ، ولكن لأن مصلحة بلادي هي في المقام الأول، فإنني أرغب أن أقترح على مقامكم يا خادم الحرمين بشكل مباشر وصريح ما يلي:
أولا: النظر في إنشاء هيئة إعلامية عليا متخصصة وغير بيروقراطية ترتبط مباشرة بالملك لوضع الأساس والبنية التحتية للإعلام في المملكة،
هذه الهيئة تستطيع أن تتعامل مع السرعة التي يتطلبها الإعلام من جهة، ومع المهنية المتخصصة في بناء علاقات وسائل عالمية تضمن تواجد رسالة المملكة في الإعلام العربي والإسلامي والعالمي من جهة ثانية،
فالمطلوب هو عدم الاكتفاء بالإعلام الرسمي أو المحلي أو حتى وسائلنا في الخارج ، ، بل السعي للحصول على دعم أطراف محايدة وصحفيين أجانب وفي هذا الصدد يجب القول: إن الآلية المعروفة في العلاقات مع وسائل الإعلام كثيرا ما يتم إغفالها أو عدم فهمها من قبل الكثير من الإعلاميين أو حتى بعض المسؤولين في الدولة، وهذه الآلية هي ما نطلق عليها «رؤوس المثلث الإعلامي» في التعامل مع وسائل الإعلام في أي مكان في الدنيا،
فحتى نستطيع استثمار مساحات وأوقات النشر المتاحة لنا في العالم وعمل موازنة إيجابية لصالح المملكة لابد أن نحقق مصالح بلادنا (1) وتحقق رسالتنا مصلحة وفائدة لجمهور الوسيلة الإعلامية في أي مكان كانت (2) ومعرفة سياسة وآلية عمل الوسائل الإعلامية في مجتمعاتها(3)،
وبدون التقاء هذه المصالح سوف لن يكون لنا نصيب في التغطية الإعلامية العادلة والإيجابية، ، بل على العكس سوف نترك الساحة الإعلامية العالمية للآخرين ليقولوا ما يريدون هم وليس ما نريد نحن،
وهذا في رأيي أحد الأسباب الرئيسة في النشر السلبي عن المملكة وهو محاولة إيصال رسالتنا إما من خلال إعلامنا الذي نملكه، ، الذي هو في الأساس موجه للعرب في أغلبه أو بدون توظيف هذه المصالح في التعامل مع وسائل الإعلام الدولية، فالمسألة في التعامل مع الإعلام العالمي ليست مسألة مالية أو لاستثمار قنوات إضافية، بل هي أولا وأخيرا توظيف المعرفة في بناء العلاقات الإعلامية وتسخيرها لخدمة المملكة بأقل التكاليف وبشكل احترافي،
والمطلوب أيضا تنظيم وتسهيل التراخيص الإعلامية لمن هم قادرون وأصحاب كفاءة واختصاص من أبناء المجتمع للوصول إلى كبار الإعلاميين في الغرب والعالمين العربي والإسلامي لعمل صداقات إعلامية وتمرير مواد إيجابية عن المملكة في جميع الأوقات وليس وقت الأزمات فقط، فإعلامنا الرسمي الحالي بطيء ومتثاقل ولا يتناسب مع المكانة التي وصلت إليها المملكة وعالمية الإعلام في الوقت الراهن، ويمكن الاكتفاء بقناة تليفزيونية وإذاعية عامة واحدة تحت إشراف الهيئة المقترحة للتركيز على التوعية الاجتماعية والدينية لأبناء المجتمع،
ثانيا: تحديد متحدث رسمي واحد باسم قصر اليمامة يضع كل ما تريد الدولة قوله في لغة إعلامية احترافية واحدة ومنسجمة وغير متناقضة ونقلها إلى الصحفيين والإعلاميين المحليين والعالميين، فتسارع الأحداث والتناقضات غير المقصودة التي تظهر أحياناً تنقل صورة ذهنية غير واضحة عن المملكة، ، أو يساء فهمها من قبل البعض، ، ومن خلال متابعتنا وتحليلاتنا لما يكتب ويقال في الإعلام الغربي لمسنا الحاجة إلى مثل هذه الآلية الضرورية والمنظمة ليس في وقت الأزمات فقط، ، وإنما في كل الأوقات،
* قسم الإعلام جامعة الملك سعود
|
|
|