|
مع حافظ الأسد
عقدان من المواقف الكبيرة
بقلم/ د. رشيد الحاج صالح
|
تعيش الأمة العربية هذه الفترة مرحلة استثنائية وعصيبة تمثلت بازدياد حجم التحديات التي تواجهها، ولعل أبرز هذه التحديات العدوان الإسرائيلي المستمر عليها منذ أكثر من خمسين عاماً، والذي يشهد هذه الأيام تصعيداً لم يسبق له مثل منذ عام 1967.
ويهدف التصعيد العدواني الذي تمارسه اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني وأرضه إلى استغلال التشتت والعجز اللذين تعيشهما الأمة العربية في هذه الفترة، وذلك بغية حل نهائي على الفلسطينيين، يحققه من جهة الشروط والأطماع الإسرائيلية التي تسعى إلى حجز الفلسطينيين في جيوب أمنية ومنعهم من العودة إلى أرضهم فضلاً عن الاستيلاء على القدس، ويسعى من جهة أخرى إلى تثبيت الوجود الاسرائيلي النافذ في المنطقة على المدى البعيد بحيث تلعب اسرائيل دور الحارس الدائم في المنطقة. ذلك أن فرض حل أمني عسكري على الفلسطينيين يمكن أن يرسخ في المستقبل امكانية تطبيق مثل هذه الحلول على مشكلات وأطراف عربية عديدة أما حالة التشتت والعجز التي تعيشها الأمة العربية فتتمثل في:
أولاً: عدم تمكن العرب من خلال قممهم ومؤتمراتهم المتوالية من الوصول إلى موقف عربي موحد داعم لنضال الفلسطينيين، سواء كان هذا الدعم على المستوى الاقتصادي أم على المستوى السياسي.
ثانياً: عجز العرب عن حل الخلافات العربية العربية، بل وتقديم هذه الخلافات في بعض الأحيان على قضية فلسطين نفسها.
ثالثاً: تورط بعض الدول العربية وتبنيها لمبادرات أمريكية تسعى إلى فرض حلول ومعاهدات مشبوهة على الشعب الفلسطيني. حيث توسطت بعض الدول العربية لدى الفلسطينيين. وضغطت عليهم في بعض الأحيان من أجل توقيعهم على اتفاقات أثبتت مجريات الأحداث أن الإسرائيليين أنفسهم ليسوا مستعدين لتنفيذها. ومن الواضح أن الأمر الذي لم يشجع إسرائيل على تنفيذ تلك الاتفاقات هوحالة الحيادية السلبية التي وقفتها وتقفها بعض الأطراف العربية إزاء الفلسطينيين.
وفي ظل هذه الصورة القائمة للموقف العربي يبرز موقف المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز بوصفه الموقف الأكثر تفهماً لما تعانيه القضية الفلسطينية من مخاطر تحيط بها من كل حدب وصوب، وبوصفه الموقف الريادي الذي يحاول الخروج من تلك الأوضاع للوصول إلى موقف عربي أكثر توازناً وأقدر على تحمل أعباء هذه الرحلة.
وقد اختارت السعودية، خلال الفترة السابقة، أن يكون دورها في الصراع على فلسطين هو دور الداعم والمساند لحقوق الشعب الفلسطيني والنصير لهذا الشعب في معركته المصيرية، وقد تجلى هذا الدور في النقاط التالية:
أولاً الدعم الاقتصادي طويل الأمد الذي قدمته السعودية للجيوش العربية التي كان من المفترض أن تواصل معركة الأمة ضد العدو، ناهيك عن مشاركة الجيش السعودي في الحروب التي خاضها العرب ضد إسرائيل.
ثانياً الموقف السعودي الرافض لأن تلعب المملكة دور الضاغط على الفلسطينيين من أجل اجبارهم على توقيع اتفاقات لا تأخذ بعين الاعتبار الحقوق الفلسطينية، مثلما فعلت ذلك بعض الدول العربية.
ثالثاً مطالبة السعودية المستمرة للولايات المتحدة الأمريكية بتحمل مسؤولياتها من أجل وقف الاعتداءات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني. فقد حذر مسؤولون سعوديون في مناسبات عدة من أن العرب «انتظروا طويلاً، وبما فيه الكفاية حدوث تغيرات في السياسة الإسرائيلية، وقد آن الأوان لكي تبذل الولايات المتحدة جهوداً حثيثة لكي ترغم إسرائيل على الالتزام بقرارات الأمم المتحدة. كما شددوا على أن فشل عملية السلام يعود إلى تهرب إسرائيل من الالتزام بالاتفاقات التي توقعها بين الحين والآخر، وإلى الحرب التي تشنها على الفلسطينيين على كافة المستويات.
وقد أكدت السعودية في الفترة الأخيرة على هذه الثوابت وذلك رداً على ازدياد وتأثر الهجمة الوحشية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين. فقد صعدت المملكة من مواقفها ازاء الموقف الأمريكي المنحاز لإسرائيل، وتصدت لمحاولات الولايات المتحدة في تمرير الطروحات التي تحاول تقديم الخلاف العراقي الكويتي وجعله القضية الرئيسية في المنطقة، فقد رفضت السعودية على لسان ولي العهد ما لح إليه الرئيس الأمريكي الحالي جورج بوش من أن الصراع العربي الاسرائيلي لم يعد يتصدر جدول أولويات السياسة الأمريكية في المنطقة.
فقد أكد ولي العهد أولاً أن قضية فلسطين هي قضية العرب الأولى وأنه ليس هناك من قضية تتقدم عليها، وثانياً أن الولايات المتحدة ارتكبت خطأ كبيراً بتجاهلها لما يعانيه الشعب الفلسطيني من ظروف صعبة، فالموقف الأمريكي «كما يؤكد ولي العهد في حديث له مع صحيفة فانيتشال تايمز 25/6/2001م: لا يحقق مطلب العدو واحترام حقوق الانسان».
وأكثر من ذلك فقد ذهب الموقف السعودي إلى التأكيد على أن الممارسات الإسرائيلية قد تؤدي إلى اشعال فتيل «حرب اقليمية» وأن إسرائيل غير مستعدة، ولم تكن مستعدة يوماً، لتوقيع اتفاق سلام مع العرب يراعي القوانين الدولية الصادرة لانهاء الاحتلال الإسرائيلي للأرض العربية. وأن المكانة الاقليمية الهامة للمملكة يمكن أن توضع في خدمة احلال السلام في المنطقة إذا قبلت إسرائيل بإعادة الأرض والحقوق إلى أصحابها، ولكن المشكلة في أن إسرائيل تريد الأمن والأرض معاً وهو ما لا تقبل به المملكة.
انطلاقاً من تلك المعطيات أدركت القيادة السعودية أنه لا بد من العمل على اعطاء المكانة الاقليمية للمملكة أبعاداً وآفاقاً جديدة تسمح لها بتوسيع دائرة نفوذها، الأمر الذي يمنحها قدرة أكبر على مواجهة التحديات التي تواجهها الأمة.
وفي هذا الاطار يأتي التفات القيادة السعودية إلى بعض القضايا الداخلية وحلها بغية تقوية الاقتصاد السعودي وتحقيق حالة من الاستقرار الأمني والاقتصادي تجعل من المملكة في منأى عن الاستجابة للضغوطات الخارجية. وفي هذا النطاق فقد سوت المملكة حدودها مع جيرانها ووفرت مزيداً من فرص العمل للشباب السعودي وهي تقوم بأعمال عديدة لتحقيق نمو اقتصادي يلبي الطموحات ويفتتح آفاقاً جديدة أمام المجتمع السعودي.
على هذا النحو يتضح أن استراتيجية السياسة السعودية تقوم بالعمل على مستويين: الأول داخلي يحاول اعطاء رخم جديد للوضع الاقتصادي الاجتماعي، والثاني خارجي يحاول التأكيد على المكانة الاقليمية للمملكة واستخدام هذه المكانة من أجل تحقيق غرضين هما: حشد موقف عربي موحد داعم للانتفاضة أولاً، والضغط على الولايات المتحدة لتحمل مسؤولياتها واجبار إسرائيل على الامتثال لقرارات الأمم المتحدة ثانياً.
وهكذا نجد أن استراتيجية الموقف السعودي في هذه المرحلة تضع تحديات المرحلة هدفاً لها، وأما اسلوبها فيتمثل في تهيئة المملكة داخلياً وخارجياً للقيام بدور ريادي يستطيع مواجهة تلك التحديات. ويمكن تلخيص عناصر تلك الاستراتيجية بالنقاط التالية:
1 الضغط على الولايات المتحدة لتبني مواقف أكثر اهتماماً بالحقوق الفلسطينية. وفي هذا الاطار يأتي امتناع المسؤولين السعوديين عن زيارة الولايات المتحدة، وبالتالي الامتناع عن توقيع أي اتفاقات اقتصادية وتوقيع تلك الاتفاقيات مع دول أخرى. وهذا ما لاحظناه في الزيارة الأخيرة لولي العهد إلى ألمانيا وتوقيعه لبعض الاتفاقات الاقتصادية، الأمر الذي أدى إلى بروز أصوات في الولايات المتحدة تطالب بأخذ وجهة النظر السعودية على محمل الجد إذا كان هذا الأخذ يسمح بتوقيع اتفاقات اقتصادية مع الولايات المتحدة.
2 تقديم القضية الفلسطينية على كل القضايا العربية الأخرى ورفض أي محاولة لدفع قضايا ثانوية إلى الواجهة.
3 حشد موقف عربي مسؤول يرتقي إلى مستوى التضحيات التي تقدمها الانتفاضة في هذه المرحلة الطويلة والصعبة.
4 تقديم دعم اقتصادي للفلسطينيين يخفف من أعباء الحرب الاقتصادية التي تشنها إسرائيل ضدهم، حيث يشكل هذا الدعم أهم دعم عربي اقتصادي فلسطيني وبذلك تشكل المملكة خلفية اقتصادية توفر شيئاً من الأمن الاقتصادي للفلسطينيين في معركتهم المصيرية.
محلل سياسي سوري.
|
|
|