|
فهد بن عبدالعزيز بيت الحكمة المتوارثة
بقلم: خالد عنتر *
|
منذ عهد المؤسس للمملكة العربية السعودية الملك عبدالعزيز آل سعود إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود تكون المملكة قد أمضت زهاء قرن من الزمان ومن هذا القرن انقضى عقدان من الزمان لتولي خادم الحرمين الشريفين قيادة المملكة العربية السعودية، ويلاحظ أنه خلال الرحلة الطويلة من التأسيس إلى المعاصرة شهدت المملكة منعطفات جداً هامة ومثيرة للمسألة التاريخية والتغير في البناء الاجتماعي واعتماد خارطة الجزيرة العربية دولياً بشكلها الجديد المتضمن شكل جغرافيتها السياسية على نحو ما أرادها الملك المؤسس الموحد لجغرافية الجزيرة في إطار الدولة الفتية بأكبر اتساع للمساحة الجغرافية بين دول المنطقة.. وما يلفت الانتباه أن الملك المؤسس والموحد بسماته العربية البدوية وخصائصه القيادية الإنسانية ببعدها الديني، قاد معركة تفوق معركة التأسيس والتوحيد تلك المعركة هي معركة الدفاع عن الرؤية المستقبلية لبناء الدولة واستغلال الممكنات الاقتصادية والثروة الكامنة في جوف الأرض، حيث ان ذلك كان امراً معقداً في مجتمع متدين. وعلى بساطته وتواضع مستواه التعليمي الذي قد يكون في حدوده الدنيا وبمعنى لا يفرق أو قُل يتساوى مع بلدان المنطقة في الجزيرة والخليج في هذه الحدود، وربما أنه وبشهادة الكتابات التاريخية والاجتماعية والأنثروبولوجية تشير إلى أن أهم عوامل نهضة الدولة الفتية هو عامل الملك المؤسس باقناعه لكل الأطراف المعنية بتحقيق النهضة من الطرف المحلي والأجنبي أو ممن كانوا من الفئات الاجتماعية والعشائرية والدينية خصوصاً وذلك بضرورة التسليم بأهمية استغلال كل الممكنات الاقتصادية والثروات الكامنة في جوف الأرض وتلك كانت مغامرة منه في ذلك التاريخ الذي شهد أعنف الصراعات للمصالح الدولية ويؤكد على ذلك قيام حربين عالميتين في النصف الأول من القرن العشرين وتلكما الحربان كانتا نتاجا مباشرا لذلك الصراع.
هذه الإطلالة كان لا بد منها لكي نتحدث عن المملكة خلال عشرين عاماً وهي الفترة التي تقلد فيها الملك فهد خادم الحرمين الشريفين مقاليد الحكم في الدولة السعودية التي احتفت قبل عامين بمضي مائة عام على التأسيس، حيث وفي ال20 عاماً الماضية كانت المملكة قد استكملت حلقات البنى التحتية، وشرعت في التعامل المباشر مع البنى الاستراتيجية وايجاد مشاريع عملاقة وقاعدة صناعية ضخمة لما هو أرقى أو أوسع حجماً من الصناعات التحويلية وتفعيل دور الرأسمال الوطني السعودي واقحامه في الاستثمار الصناعي؛ ليشكل منظومة قوية في مجالي الصناعة والتجارة بما يلبي طموحهم وطموح الدولة وإفادة المجتمع ويواكب حركة السوق العالمية والتطورات المحدثة على مستوى العالم، وفي إطار الدولة السعودية التي اتسعت فيها قاعدة التعليم والتقنية وما جنته القاعدة من الخبرات المتراكمة التي تم استقطابها من قبل الدولة لصالح البناء والنهوض، وتلك كانت خطوة كبيرة ولها أهميته، إذ لا تقل أهمية عن الخطوة التي أقدم عليها الملك المؤسس الذي استقدم شركات التنقيب عن الثروات النفطية الكامنة تحت كثبان رمال الصحراء العربية.
ان ما شهدته المملكة من تطور ونهضة شاملة قد جاء في زمن قياسي جداً ولهذا يحسب أنه تطور متسارع وفوقي وأنه محكوم بالثروة النفطية، وهذا ربما كان رأياً صريحاً مزعجاً لا تنقصه في مكان سوء النية، ومع ذلك فحكمة المؤسس كانت مثلا عليا، وقد تكون نصوصا دستورية لكل من خلفه من أبنائه في أعلى هرم الدولة أو في مكونات الهرم حيث ان المتعاقبون على عرش المملكة من الأبناء لم يهملوا حكمة الأب المؤسس سواء الحكمة الموروثة بنصوصها المدونة أو المروية أو الحكمة المأخوذة من أسلوب سياسته وإدارته وممارسته لشؤون الدولة، وهذا ما أدى إلى تماسك البيت السعودي في إطار الأسرة المالكة واستغلالهم لحقوقهم الممنوحة وثرواتهم وأن يجعلوا منها رصيداً داعماً للنهضة والبناء والإعمار للبنى الأساسية والنهضوية والتنموية في البلاد.
وبالنظر إلى مسألة تقييم التطور المحدث في المملكة وتوصيفه وتصنيفه، وكما ذكرت سلفاً واشارة إلى الاستفادة من حكمة الملك المؤسس فإن هذه قد حققت الأماني الكبيرة للشعب السعودي وللدولة معاً، حيث تؤكد الحقائق القائمة حالياً أن المملكة لم تعد مرهونة بالثروة النفطية فقط، فقد خُلقت البدائل الاقتصادية المؤهلة لتصاعد الأرقام البيانية للتنمية والبناء من خلال إقامة المشاريع الاقتصادية والصناعية الاستراتيجية الضخمة التي تجعل من المملكة أرضية لقاعدة صناعية عالمية خصبة وقد تكون ملتقى تجارة عالمية بفعل العوامل المساعدة المتمثلة برأس المال والموقع الجغرافي واتساع المكان ضف إلى ذلك ما قد تم بناؤه خلال العقود الماضية وما خطط له من مشاريع حيوية واستثمارية وما أنجز من مشاريع خدمية وسياحية في أماكن متفرقة في أرجاء المملكة تفيد كتحضيرات إعدادية لإمكانية الاستغلال الأمثل وتشغيل اليد العاملة والخبرات في مجالات متعددة تفيد كذلك في استقرار الميزان الاقتصادي ورفع معدلاته بشكل ايجابي.
والمملكة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز تكون في مرحلتها الثالثة إذا حسب أن فترة الملك المؤسس الأولى أو المرحلة الأولى تأسيساً وتكويناً وتخطيطاً مستقبلياً من خلال استغلال الممكنات والموارد وبدأت المرحلة الثانية في عهد الملك فيصل وهي مرحلة التنفيذ للبناء والتطور والنهضة التنموية الشاملة للبنى التحتية انتهت هذه الفترة إلى عهد الملك خالد وبداية عهد الملك فهد الذي في عهده انطلقت المملكة إلى المرحلة الثالثة وهي مرحلة النقلة النوعية ومباشرة العمل بالمشروع الاستراتيجي للمملكة والمتمثل بإقامة الصناعات الضخمة والتجارة والسياحة والاستثمار واستغلال كل ذلك بقدر ما أمكن على الأقل في الوقت الراهن حيث إن هذا المشروع يعد الاحتياطي البديل للثروة النفطية وهو أكثر ما تعول عليه المملكة اقتصاديا خصوصاً وأن أجيالا سعودية قد هضمت ممكنات هذا المشروع وهناك من قد سبق وباشر العمل فيه بصورة جادة ومثمرة.
إن المؤشرات اليوم تسير في صالح المملكة بعد ما تحقق لها الكثير وتناغمت التنمية على صعيد الأرض والإنسان وتحولت إلى هامة كبيرة وعاتية في قلب الصحراء وكان الإنسان فيها حكيما وصانعا ماهرا وهو يرتقي بها من مستوى إلى مستوى أعلى وأرقى وذلك ما يشهد به حاضر وواقع المملكة العربية السعودية.
*إعلامي يمني
|
|
|