|
الإصلاحات الاقتصادية في عهد الملك فهد بن عبدالعزيز
د، عبدالعزيز إسماعيل داغستاني
رئيس دار الدراسات الاقتصادية الرياض
|
عمل خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز منذ توليه مقاليد الحكم في المملكة العربية السعودية على ترتيب البيت السعودي والبناء المؤسسي للفعاليات السياسية والاقتصادية العامة بهدف تأهيل المملكة العربية السعودية لمرحلة بدأت ترتسم معالمها بقواعد النظام الاقتصادي العالمي الجديد وتوجهات العولمة واستحقاقاتها، وكان لابد من البدء بتأصيل منهج الحكم وفق الممارسات الدولية، فصدر نظام الحكم ونظام المناطق ونظام مجلس الشورى، وشكّل صدور هذه الأنظمة بداية قوية لانطلاق البناء المؤسسي الذي وفرّ المناخ المناسب للتعامل مع بقية مستلزمات التطوير والتحديث، وكان المسار الاقتصادي يفرض نفسه باعتبار الأهمية الاقتصادية للمملكة العربية السعودية على المستوى الاقليمي والمستوى الدولي على حد سواء، وارتكزت اهمية الاقتصاد السعودي على استحواذه على اكبر مخزون مؤكد من البترول، وهو السلعة الاستراتيجية التي تشكل المحرك الاساسي لعجلة التنمية الاقتصادية الشاملة في المملكة العربية السعودية، وهو العصب الذي يقود النمو لاقتصادات العالم الصناعي، وقد يصعب اغفال الدور المباشر للبترول في الاقتصاد السعودي، إلا أن استكمال حلقة هذا الدور كان يتطلب بناء هيكل الاقتصاد السعودي وفق استراتيجية تنموية تهدف الى الاستفادة القصوى من هذا المورد الاقتصادي الحيوي لخلق قطاعات اقتصادية ناشئة تهدف الى تنويع مصادر الدخل باستخدامه كمكوِّن للقطاعات الأخرى او كمموِّل لها، وتمكنت المملكة العربية السعودية من بناء هيكل اقتصادي أسهم القطاع الخاص بنسبة عالية في تكوين اجمالي الناتج المحلي، وشكل قطاع الصناعات غير البترولية نسبة تتجه نحو النمو المطّرد بوتيرة متزايدة، ولعل التأكيد على هذه التغييرات كهدف تنموي خلال خطط التنمية اسهم بشكل قوي في الوصول الى بناء هيكل الاقتصاد بدرجة مريحة من المرونة، وكان من الطبيعي ان تستثمر الحكومة السعودية هذا المناخ الإيجابي المتصاعد لدعم زخم الاقتصاد السعودي بحزمة من الاصلاحات الاقتصادية شملت انشاء المجلس الاقتصادي الاعلى واعادة تشكيل المجلس الاعلى للبترول والمعادن وصدور نظام الاستثمار الاجنبي الجديد وانشاء الهيئة العامة للاستثمار والهيئة العليا للسياحة وهيئة الاتصالات وهيئة المساحة الجيولوجية،
كما شملت حزمة الإصلاحات الاقتصادية بعض الانظمة التي تهدف الى تفعيل نشاط القطاع الخاص وتوفير المناخ الاداري لتطويره مثل نظام التأمينات الاجتماعية ونظام المطبوعات والمؤسسات الصحفية ونظام المحاماة والإجراءات الجزائية، ولم تقتصر حزمة الاصلاحات الاقتصادية على تفعيل دور القطاع الخاص، بل تضمنت بعض الاجراءات التنفيذية المتعلقة بأداء ودور القطاع العام في الشأن الاقتصادي، حيث تم انشاء وزارة المياه وتخفيض التعرفة الجمركية واعادة هيكلة سوق الاسهم والسماح لغير السعوديين بتملك الاسهم المحلية من خلال صناديق الاسهم بالبنوك التجارية السعودية وصدور نظام تملك غير السعوديين للعقارات،
ومن المتوقع صدور بعض الانظمة الاخرى التي تتم دراستها الآن بالمجلس الاقتصادي الاعلى ومجلس الشورى مثل نظام السوق المالية والنظام الضريبي ونظام التأمين التعاوني،
وقد تزامنت هذه التنظيمات الادارية مع بعض الخطوات العملية التي تهدف الى تفعيل الاقتصاد السعودي مثل برنامج التخصيص الذي كُلِّف المجلس الاقتصادي الاعلى به ودعوة الشركات العالمية المتخصصة للاستثمار في مجال الغاز وقيام شركة ارامكو السعودية بتحديث وتطوير المنشآت البترولية بما في ذلك مصافي البترول ومنشآت الغاز،
التركيز على الشأن الاقتصادي كان سمة بارزة خلال العقدين الماضيين، الامر الذي ادى الى تطوير الاقتصاد السعودي وزيادة قدرته على استيعاب الاستثمارات الرأسمالية الوطنية والاجنبية وخلق مناخاً استثمارياً منافساً يعتمد على مبدأ حرية التجارة وتحركات رأس المال، وقد أسهمت هذه التغييرات في اعادة تشكيل هيكل الاقتصاد السعودي للتعامل مع المتغيرات الدولية واستحقاقات الانضمام لمنظمة التجارة العالمية ليكون للاقتصاد السعودي حضور عالمي يتفق مع مكانته الاقتصادية،
والامر الذي يلفت النظر في حزمة الإصلاحات الاقتصادية التي مازالت تتبلور على الساحة السعودية، هو حرص الحكومة السعودية على تفعيل دور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي، ولعل هذا التوجه يتفق مع الواقع الذي يشير الى تطور فعاليات القطاع الخاص بعد مرحلة تنموية أسهمت فيها الحكومة بشكل كبير في تهيئة البنية الاساسية التي مكنت القطاع الخاص من الانطلاق والتطوير، وادركت الحكومة انه بإمكان القطاع الخاص ان يتسلم زمام المبادرات الاقتصادية في المرحلة التنموية القادمة بعد ان توفرت له قواعد الانطلاق في تجربة تنموية فريدة حققت انجازات قياسية في فترة زمنية قصيرة، وكان هذا التطور نتيجة لتأكيد الحكومة من خلال اهداف خطط التنمية على ايجاد بيئة مواتية لنشاط القطاع الخاص وتحفيزه على الاستثمار والاضطلاع بالاستمرار في سياسة فتح المجال امام القطاع الخاص لمزاولة كثير من المهام الاقتصادية والاجتماعية، واشارت خطة التنمية السابعة الى ان هذا الاساس الاستراتيجي يتطلب التعجيل بمراجعة جميع الانظمة ذات العلاقة بأنشطة القطاع الخاص من اجل تبسيط الإجراءات وتذليل العقبات امام نموه وزيادة نسبة مساهمته في اجمالي الناتج المحلي من 6، 50% في عام 1999م الى 4، 55% بنهاية خطة التنمية السابعة في عام 2004م،
ولعلّ هذه الاشارة تعكس اهمية وحيوية حزمة الإصلاحات الاقتصادية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز،
|
|
|