فيها من الهمم العظامِ مواكبُ
فعلامَ يا قَلَمَ الحسود تُشاغبُ؟
وإلى متى تشقى العقولُ بوهمها
ويَتيه في درب الظنون الهاربُ؟
وعلامَ يا من تَسْمُلُونَ عيونكم
تمضي بكم نحو الهلاكِ قَواربُ؟
من أرضنا التاريخُ شدَّ رِحَالَه
طَلْقَ المحيَّا فهو آتٍ ذاهبُ
أرض تعهدَّها الهُدَى بسحابه
فلها مواردُ جمةٌ ومشاربُ
من بيتها انبثق الصباحُ، ولم تَشُبْ
أثوابَه البيضَ الحسانَ شوائبُ
فجرٌ تدفَّق من حراءٍ صادقاً
فتفرَّقتْ عن شاطئيه غياهبُ
أرضٌ مطهَّرةُ الأَديم تزاحمتْ
فيها على نَبْع اليقين مناكبُ
إن عاش عصرٌ في دُجَى ظُلُماته
فلها من الإسلام نورٌ ثاقبُ
ولها الطريق المستقيم إذا الْتَوتْ
بالواهمين مسالكٌٌ ومَذاهبُ
ولها حروفٌ تستضيء بهدينا
إنْ شذَّ عنها شاعرٌ أو كاتبُ
يا أرضَ خير المرسلين، قوافلي
أبياتُ شعرٍ، كلُّهنَّّ نجائبُ
جاءتْ تزفُّ حرارةَ الشوق التي
من حَوْلها ثَلْجُ المشاعر ذائبُ
بالصدق نَسْعَدُ في الحياة وإنما
يشقى على درب الحياةِ الكاذبُ
يا أرضَ خير المرسلين تعلَّقتْ
بكِ روح مشتاقٍ وعزَّ الجانبُ
أشرقتِ بالوحي المبين فأشرقتْ
للعالمين فضائلٌ ومَناقبُ
أَوَ ما مشى فيك ِاليتيمُ، أما مَشَتْ
عِبَرٌ لنا لمَّا مَشَى وعجائبُ؟
قولي لمن يسري بهم نحو الرَّدَى
تضليلُ أفكارٍ ووعيٌ غائبُ
قولي لمن سالتْ بحبر عَداوةٍ
أقلامُهم، فحروفهنَّ عقاربُ
قولي لمن لعب الهوى بضميره
ولمن تعشِّش في رُؤاه عناكبُ
لو لم يكنْ يومُ الحساب أَمامَنا
لأصابنا غَمٌَّ وحزنٌ لاَهبُ
قد يُحْكِمُ الباغي وسائلَ كيده
ويظلُّ يؤذينا بها ويحاربُ
ونظلُّ أرفعَ هامةً بلجوئنا
للهِ، واللَّهُ الوليُّ الغالبُ
شتَّان بين الناس في أهدافهم
فالبحرُ فيه لآلئٌ وطحالبُ
نسيَ المكابرُ أننا من أمةٍ
قد أحكمتْها في الحياة تجاربُ
من أرضنا انبجستْ عيونُ شموخنا
وهمتْ بماءِ المكرماتِ سحائبُ
وتسابقتْ خيلُ الفتوح يسوقُها
نحو البطولة رَكْضُها المتقاربُ
هذا هو البيتُ الحرامُ، رحابُه
روضٌ به يلقى السعادةَ تائبُ
هذا هو البيت الحرام منارَةٌ
من نورها الصافي تَغارُ كواكبُ
ساحاتُه امتدَّتْ لتحتضن المدى
فالسَّعْيُ فيها للأحبة دائبُ
في ساحة البيت الحرام تصافحتْ
بيد اليقين مشارقٌ ومغاربُ
إني لأسمعُها تقول، وربما
جَعَلَ الحنينُ فَمَ الجَمادِ يُخاطبُ:
مَنْ يخدم الحرمين خِدْمَةَ مؤمنٍ
فله مواقع في العُلا ومراتبُ
في خدمة الحرمين عِزَّةُ خادمٍ
يحظى بها، وبها يتمُّ الواجبُ
في خدمة الحرمين أجرٌ وافرٌ
عند الذي يجزي به ويُحاسبُ
يا خادمَ الحرمين، أَبْشِرْ، كم دعا
لك راجلٌ بين الحجيج وراكبُ
أبشرْ فإنَّ الله أعظمُ مانحٍ
وإِليه مَلْجؤنا، ونعم الواهبُ
هذا هو الشرفُ الرفيعُ، وغيرُه
ظِلٌّ من الدنيا الدنيئةِ ذاهبُ
ما عزَّ إلاَّ بالشريعةِ مسلمٌ
ومظاهر الدنيا سرابٌ كاذبُ