|
مجلس الشورى في عصر خادم الحرمين الشريفين
قاعدة شرعية وتأكيد على إشراك الشعب في المسؤولية
ظهور مجلس الشورى في عهد خادم الحرمين أعطى الفرصة لمشاركة كل فئات الشعب بالتناوب في إبداء الرأي
|
يعود الى خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - أيده الله - ترسيخ دعائم الشورى في المملكة بعد الأسس التي وضعها الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - رحمه الله -، ففي الخطاب التاريخي الذي ألقاه خادم الحرمين الشريفين في 27/8/1412ه أعلن قيام نظام جديد لمجلس الشورى بموجب المرسوم الملكي رقم أ/91 بتاريخ 27/8/1412ه، وبعد ذلك بسنتين صدر المرسوم الملكي رقم أ/15 بتاريخ 3/3/1414ه الذي تضمن اللائحة الداخلية للمجلس ولائحة حقوق الأعضاء وواجباتهم وقواعد التحقيق والمحاكمة لعضو المجلس وأسلوب العمل.
وقد كانت هذه الخطوة التي اتخذتها القيادة الحكيمة لخادم الحرمين الشريفين تصب في اطر الفكر الإداري المنظم والمنهجي الذي تميزت به سياسته الداخلية والخارجية. ولهذا جاءت تنظيمات واجراءات المجلس تتناسب مع متطلبات المرحلة التنموية التي تمر بها المملكة، والتي تركز على تحديث وتطوير جميع الأنظمة والاجراءات والبناء المؤسسي لأجهزة الدولة المنطلق في كل صغيرة وكبيرة من شرع الله وأحكامه.
لهذا يمكن ان نطلق على ما أحدثه خادم الحرمين الشريفين منذ مبايعته في 21/8/1402ه بأنها مرحلة التطوير والتحديث والتنظيم الإداري على كافة المستويات. ومن أبرز معالم هذه المرحلة صدور أهم أنظمة ثلاثة عرفتها البلاد وهي: «النظام الأساسي للحكم ونظام مجلس الشورى ونظام مجالس المناطق» وما أعقبها من انظمة وقرارات تطويرية شملت مجلس الوزراء ونظام التعليم العالي والجامعات وغيرها، واستكمالاً لمسيرة الشورى في المملكة، جاءت مرحلة التطوير التي من أهم أهدافها تطوير الأنظمة والإجراءات والبناء المؤسسي، حيث جاء إعادة تشكيل مجلس الشورى ليسهم في تحقيق هذه الأهداف، ومن هنا كانت الشورى في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز استمرارية للشورى في القيادة السعودية، وما تكوين مجلس الشورى، ودقة الاختيار لأعضائه وما قدمته الدولة من إمكانات لتفعيل مجلس الشورى حتى الآن ليس إلا ثمرة من إثمار اهتمام خادم الحرمين الشريفين بأمر الشورى وأهميتها في الحكم.
تاريخ يتجدد
لقد كان راسخاً في وعي خادم الحرمين الشريفين ان الشورى ظلت أساساً من أسس الحكم ومشروعيته في المملكة العربية السعودية منذ ساعة تأسيسها حتى عهده الزاهر، فالقارئ للتاريخ السعودي عبر العصور حتى عهد الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - يجد ان الملك المؤسس ما كان يعقد عزماً على شيء او يتخذ قراراً في أمرٍ من الأمور التي تتعلق بمصالح الناس والنفع العام إلا ويستشير من حوله من أهل الحل والعقد والرأي والعزم.. وما أكثر القصص التي تُروى عن هذا الجانب الهام في شخصية الملك عبدالعزيز رحمه الله.
ومن هذا المنطلق شكل الملك عبدالعزيز أول مجلس للشورى بعد دخوله مكة المكرمة في 7/5/1343ه وكان - رحمه الله - لابساً ثياب الاحرام، وقد أثر عنه - رحمه الله - قوله موضحاً هدفه: «إنني مسافرالى مكة لا للتسلط عليها، بل لرفع المظالم والمغارم التي ارهقت كاهل عباد الله. اني مسافر الى حرم الله لبسط أحكام الشريعة وتأييدها فلن يكون هناك بعد اليوم سلطان إلا للشرع، وإن الذي ابغيه من هذه البلاد ان تعمل بما في كتاب الله، وسنة نبيه في الأمور الاصلية أما في الأمور الفرعية فاختلاف الائمة فيه رحمة».
وقال في اجتماعه بأعيان مكة المكرمة: «سنجعل الأمر في هذه البلاد المقدسة بعد هذا الاجتماع شورياً بين المسلمين، وان مصدر التشريع والاحكام لا يكون إلا من كتاب الله وبما جاء عن رسوله أو ما اقره علماء المسلمين».
وقال رحمه الله: «لو لم يكن من مصالح الشورى إلا إقامة السنة وإزالة البدعة لكفت فإذا أقيمت السنة أزيلت البدعة».
وظل مجلس الشورى الاستشاري يعمل لخدمة مصالح الرعية حتى اصدر الملك عبدالعزيز - يرحمه الله - قراره بحله في 17/1346ه، وصدور الأمر الملكي الكريم رقم 37 في 9/1/1346ه بتشكيل أول مجلس رسمي للشورى في المملكة العربية السعودية، افتتحه الملك عبدالعزيز في 17/1/1346ه، وقال في كلمة ألقاها على أعضائه «إنني مغتبط بأن اراكم في هذا المجلس الجديد عاملين مع الحكومة على إصلاح حال البلاد وعمرانها وإقامة حدود الشريعة وصيانتها. إن الله تعالى قد جعل في اعناقنا أمانة نرى انفسنا محتاجين في حمل عبئها الى معونة أهل الفضل والحمية، وهذا ما دعانا الى ان نفوض الى زعماء البلد بانتخابكم فأولوكم ثقتهم وجعلوكم نائبين عنهم، وقد رفعنا المسؤولية عن أنفسنا ووضعناها في أعناقكم، فالله اسأل ان يوفقكم لما فيه خير العباد والبلاد. وسترون في أثناء القيام بوظائفكم ان الحكومة جادة في ادخال كثير من الإصلاحات والأعمال النافعة».
«ومما ستعنى الحكومة به كذلك هو إصلاح شؤون المعارف وتوحيد نظام التعليم في البلاد ونشره على قدر الحاجة في المدن والقرى وبين القبائل، وستصرف العناية أيضاً إلى إصلاح الحالة الصحية في البلاد واتخاذ الأسباب لتأمين راحة حجاج بيت الله الحرام وإصلاح أنظمة المطوفين. وأخيراً فإنني أعلن افتتاح مجلسكم هذا ضارعاً الى الله ان يكلل أعمالنا بالنجاح والسلام عليكم».
البداية الكبيرة
وكانت رئاسة صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن عبدالعزيز لمجلس الشورى قد أعطت للمجلس بعداً تنظيمياً وسياسياً كبيراً، وأصبح المجلس يشرف على وضع السياسات العامة للدولة وتنفيذها، فضلاً عن الاشراف التام على جميع أعمال الدولة وسن الأنظمة والاشراف على أعمال الأجهزة الحكومية.
وفي كل دورة جديدة من دورات تجديد المجلس كان الملك المؤسس - رحمه الله - يدفع بعمل هذا المجلس دفعات الى الأمام، ويؤكد على أهمية الدور الذي يقوم به هذا المجلس، في 1/3/1349ه قال الملك عبدالعزيز لأعضاء المجلس في خطابه ما نصه: لقد أمرت ألا يُسنَ نظام في البلاد، ويجري العمل به قبل أن يعرض على مجلسكم، وتنقحوه بمنتهى الحرية، على الشكل الذي يكون منه الفائدة لهذه البلاد.
وظل الملك عبدالعزيز يؤكد في كل مناسبة على أهمية الشورى كمبدأ إسلامي أساسي في الحكم في المملكة العربية السعودية، ففي مناسبة انعقاد المؤتمر الوطني الأول سنة 1350ه قال الملك عبدالعزيز في كلمة الافتتاح: «إننا نسأل التوفيق من الله لنا ولكم في جميع الأفعال، ونسأل العناية والهداية الى صالح الأعمال».
«إن الإنسان أحب ما إليه في حياته ان يجتمع مع صديقه، وأن يتجاذب وإياه أطراف الحديث، وبهذا يحصل التعاون، وتظهر الحقائق ويقع التناصح، وقد كان السلف الصالح يسير على هذا الطريق في أعمالهم، فقد كان أمرهم شورى بينهم، وكان من أمرهم ما كان، وكانوا على ضعف فصاروا الى قوة».
«إن الناس الذين لا نشك ان الله عالم بقلوبهم وأنهم أعداء بعضهم لبعض، كما قال الله تعالى: «تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى»، قد بلغوا بالشورى مراتب عالية في الدنيا. ونحن المسلمين أمرنا الله بالمشورة، أما السير على غير مشورة، مجلبة للنقص مجلبة للهوى».
واستمر العمل بمجلس الشورى كهيئة استشارية تنظيمية ضمن اجهزة الدولة حتى قيام مجلس الوزراء بالمرسوم الملكي رقم 5/20/1/4288 وتاريخ 1/2/1373ه، ثم نظام مجلس الوزراء عام 1377ه، والذي تولى معظم أعمال مجلس الشورى.
استمرار لم يتوقف
والحقيقة ان دور مجلس الشورى بوضعه السابق قد تقلص بعد قيام مجلس الوزراء الذي تولى أغلب مهام وأعمال مجلس الشورى، ومع ذلك بقي مجلس الشورى ضمن اجهزة الدولة يزاول اعمالاً محددة مثل مراجعة بعض الانظمة ومناقشة قضايا محددة تحال اليه. وفي محاضرة للدكتور عبدالله نصيف عن مسيرة الشورى في المملكة بتاريخ 24/6/1417ه، ذكر ان والده قد استدعي قبل وفاته لإحدى جلسات المجلس لمناقشة موضوع الحج والسيارات ونقابات الحجاج وكان ذلك في سنة 1382ه ويذهب الأستاذ أحمد جمال في حوار اجرته معه جريدة عكاظ في 23/4/1395ه، وهو عضو مجلس شورى سابق، ذكر ان المجلس توقف تلقائياً بتناقص الأعضاء بالوفاة او التقاعد.
ومن هنا نجد ان الشورى لم تتوقف في نظام الحكم السعودي كما اسلفنا بل توزعت على عدة جهات في اجهزة الدولة المتعددة.
ويشير الأستاذ علي بن محمد آل مشبب في كتاب «مجلس الشورى بين الماضي والحاضر» الصادر عن مجلس الشورى الحالي بأنه لا يوجد قرار رسمي في وثائق الدولة ينص على ايقاف مجلس الشورى، غير ان نظام مجلس الوزراء الصادر بالمرسوم الملكي رقم 38 وتاريخ 22/10/1377ه الموافق 11/5/1958م، أشار الى إلغاء أي قرارات أو مراسيم تتعارض معه. حيث نصت المادة «50» من نظام مجلس الوزراء الصادر عام 1377ه على الآتي:
يلغي هذا النظام نظام مجلس الوزراء الصادر بتاريخ 21/7/1373ه وجميع الأنظمة والقرارات الأخرى التي تخالف احكامه وكل حكم آخر يخالفه»، ويفهم من هذه المادة ان نظام مجلس الوزراء الصادر عام 1377ه، ألغى نظام مجلس الشورى الصادر عام 1347ه وتعديلاته، لتعذر الجمع بين احكام النظامين. ومع ذلك بقي مجلس الشورى ضمن تشكيلات اجهزة الدولة، واستمر في مزاولة أعماله حتى ظهرت الحاجة الى اعادة تطويره وتحديثه بما يتناسب مع التطورات التنموية والحضارية للدولة. واستمرت العملية الشورية قائمة من خلال الاجهزة الاستشارية المتنوعة والمتخصصة التي تعاون مجلس الوزراء في بعض الأمور والقضايا. ويؤكد قرار مجلس الوزراء رقم 130 بتاريخ 19/10/1378ه على استمرارية عضو مجلس الشورى في عمله، حيث اشار القرار الى الموافقة على استمرار عضو مجلس الشورى في عمله من تاريخ تعيينه الى حين صدور الأمر بتشكيل الدورة التالية، ومن ثم جاءت الفقرة الثانية من الأمر الملكي رقم أ/91 بتاريخ 27/8/1412ه، بإصدار نظام مجلس الشورى لعام 1412ه لتؤكد على وجود مجلس الشورى كتنظيم رسمي ضمن أجهزة الدولة، حيث نصت على أن يحل هذا النظام محل نظام مجلس الشورى الصادر في عام 1347ه، وهذا دليل على ان نظام المجلس الصادر عام 1347ه لم يصدر أي قرار بإلغائه.
استراتيجية الانطلاق
كان خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز عندما اتخذ قراره بإعادة مجلس الشورى في هيكله التنظيمي الجديد على وعي بذلك بالتاريخ الشوري الذي قاده الملك المؤسس، ودعا اليه ورعاه بنفسه حتى وفاته رحمه الله. ومن هنا كان اهتمام خادم الحرمين بتجديد دماء مجلس الشورى واحياء اهدافه الأساسية التي ارساها الملك المؤسس مستفيداً من تجربة المراحل التي مر بها المجلس وعاشها خادم الحرمين - حفظه الله - بنفسه في عهود من سبقوه.
ومع ذلك فإن قرار الملك فهد بن عبدالعزيز بإحياء مجلس الشورى في عهده الزاهر لم يلغ دور المجالس الاستشارية والهيئات، بل أكد حفظه الله على سياسة الباب المفتوح لكل افراد المجتمع ولكل الناس دون اختيار.
لقد جرت العادة الملكية للقيادة السعودية العليا ومنذ تأسيس المملكة وحتى اليوم على تخصيص يوم في الاسبوع لمقابلة العلماء والمشايخ من أهل العلم للتشاور معهم وإبداء الآراء حول بعض القضايا التي تهم المجتمع السعودي. وهذا ما يؤيد وجود الشورى كنمط في اسلوب القيادة السعودية. وقد استمرت هذه العادة الملكية في عهد خادم الحرمين الشريفين - أيده الله - حيث خصص يوماً في كل اسبوع لمقابلة العلماء والمشايخ من أهل العلم والتشاور معهم حول بعض القضايا وابداء الرأي فيها لاتخاذ افضل الحلول.
وخادم الحرمين الشريفين - أيده الله - يملك من القدرة القيادية والمهارة الإدارية والحنكة السياسية ما جعل العلماء والسياسيين والمحللين في العالم العربي والعالمي ينظرون لقيادته بعين الإعجاب، وأثبت لمن راهن على مقدرة القيادة السعودية تجاوز الأزمات التي مرت بها، بأنها بفضل من الله ثم ما وفرته القيادة الحكيمة من إمكانات مادية وسياسية قادرة على مواجهة الطوارئ والعقبات بحكمة ودراية، مما جعل للمملكة العربيةالسعودية ثقلها السياسي بين الدول.
ومع هذه المقدرة القيادية والمهارة في صنع القرار في حالة المخاطرة وغيرها فإن الملك فهد بن عبدالعزيز يؤثر في بناء قراراته بالمشاورة والمناقشة وخاصة في القرارات والمواضيع التي تهم المواطنين ومصلحة البلاد، وكان آخرها عندما وضع نصب عينيه - أيده الله - عزمه على استكمال المرحلة التطويرية والتحديثية للأنظمة وما يتبعها من أجهزة تنفيذية، بعد أن انتهت الدولة من بناء واستكمال المرحلة التنموية.
ويروي المقربون من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - أيده الله - انه كان كثيراً ما يستشهد بالآية الكريمة «فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك، فأعف عنهم، واستغفر لهم وشاورهم في الأمر، فإذا عزمت فتوكل على الله، إن الله يحب المتوكلين». «آل عمران 159».
وكان حفظه الله يقول ان هذه الآية الكريمة تلخص فلسفة الإسلام في تعامل الحاكم مع شعبه وحكومته، كيف لا وقد انزلها الله من فوق سابع سماء على نبيه صلوات الله وسلامه عليه. ان الله سبحانه وتعالى يأمر نبيه سيد الخلق صلى الله عليه وسلم لا باللين والتسامح فقط بل بالاستغفار لهم عندما يخطئون، ومع ذلك فهو لا يعفيه من عدم مشاورتهم في الأمر، فعليه المشاورة ثم التوكل على الله، ومن يتوكل على الله فهو حسبه.
لهذا حرص الملك فهد بن عبدالعزيز منذ مبايعته ملكاً على البلاد على الشورى وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعندما فكر في انشاء وزارة تهتم بالشؤون الإسلامية والدعوة والأوقاف والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ومجلس الدعوة والارشاد في المملكة العربية السعودية اجتمع بأهل الرأي والعلم وعلى رأسهم سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - فأيده في ذلك.
تجديد الأشخاص والأفكار
وهكذا أصبحت الشورى في التاريخ السياسي والفكري والعقائدي لخادم الحرمين الشريفين دعامة أساسية في كل ما أقدم عليه من قرارات وما حققه من إنجازات.
وأصبحت الشورى بالفعل معلماً من معالم شخصيته القيادية لما اوجده من تطوير وتحديث في ال20 عاماً الماضية من عهده الزاهر، حيث اشرك بالفعل اكبر عدد من رجال الفكر والرأي والعلم المؤهلين في اتخاذ القرار من خلال مجلس الشورى الذي تتجدد الدماء والافكار والأشخاص فيه في كل دورة جديدة له.
لقد عرف خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز منذ طالع شبابه بالحنكة الإدارية، وشهد له بذلك اخوانه الملوك الذين عمل تحت قيادتهم، ومن هنا كان ارتباط الإدارة بالشورى في فكر خادم الحرمين الشريفين. وقد سار - حفظه الله - على هذا المنهج طوال العمل في المراحل التنموية للبلاد.
وبإنهاء البنية الأساسية يمكن القول بأنه قد تم بدء مرحلة تحديث الاجهزة الحكومية والإدارات والأنظمة. وقد أولى خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز هذه المهمة جل اهتمامه فأصدر توجيهاته الكريمة بإعادة تشكيل مجلس الشورى وإصدار النظام الأساسي للحكم ونظام مجلس الوزراء الجديد وإعادة تشكيل مجلس الوزراء ونظام مجالس المناطق ونظام التعليم العالي والجامعات، وهذه الأنظمة هي أنظمة قائمة ومتعارف عليها وما طرأ عليها ما هو إلا تطوير وتحديث بما يتواكب مع النهضة الثقافية والاقتصادية والاجتماعية للمملكة وبما يتواكب مع العصر الحديث في إطار الشريعة الإسلامية. وأبرزت هذه الأوامر الملكية الكريمة مدى اهتمام القيادة العليا في تأصيل الجانب العلمي والاستشاري والتخطيطي لسياسات المملكة على الصعيدين المحلي والدولي.
جعل خادم الحرمين الشريفين في عهده الزاهر القرار الملكي ينطلق في كل الظروف من الرؤية الإسلامية المستنيرة المؤيدة بالنصوص الشرعية، وآراء أهل العلم الشرعي بصرف النظر عن أي اعتبار آخر.
ومن خطابه التاريخي أمام مجلس الشورى في 13/9/1417ه استعرض خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - أيده الله - منجزات المراحل التنموية التي مرت بها المملكة، وتحدث عن أهمية الشورى منذ بدأها الملك عبدالعزيز وقال «في هذا الإطار جعل الملك عبدالعزيز رحمه الله مبدأ الشورى قاعدة في تدبير شؤون البلاد اتباعا والتزاما بقول الله تعالى في محكم كتابه العزيز «وشاورهم في الأمر» الآية.. وقوله عز وجل «والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم» الآية.. وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما خاب من استخار ولا ندم من استشار».
وعلى هذا المنهج المبارك سارت قيادة هذه البلاد فطبقت مبدأ الشورى وفق المفهوم والمنهج الإسلامي الثابت الذي جاء في كتاب الله الكريم وسنة رسوله المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام.. ووفق هذا المنهج صدر النظام الأساسي للحكم، ونظام مجلس الوزراء، ونظام مجلس الشورى، ونظام المناطق، وهي في مجموعها توثيق لشيء قائم وصياغة لأمر واقع.. وهي في مجموعها كذلك تهدف الى تحقيق ما نتطلع اليه جميعا من تعزيز مسيرة هذه البلاد، واستمرار تنميتها الاقتصادية والاجتماعية بما يحقق - بإذن الله - المزيد من الرخاء والأمن والاستقرار لشعبها وأجيالها المتتابعة».
وهكذا أصبحت الشورى اليوم في حكومة المملكة العربية السعودية ممارسة يومية من خلال عرض بعض القضايا على مجلس الشورى ودراستها وتمحيصها وإبداء الرأي الذي فيه مصلحة الرعية ثم رفعه الى ولاة الأمر.
ولا يزال خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - حفظه الله - يتابع إنجازات مجلس الشورى وتوصياته، ويوليه اهتمامه ورعايته وتوجيهاته الكريمة.
|
|
|