|
إنها بيعة مباركة
محمد رفيق خليل
|
في 21 شعبان من عام 1402ه خرجت جموع الشعب السعودي الشقيق لبيعة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز ملكاً للمملكة العربية السعودية، وقائداً تاريخياً كبيراً ذا تجربة سياسية وتنموية وإنسانية ضخمة، ، افتخرت به بلاده وتفاخرت به أمتاه العربية والإسلامية، ، فالملك فهد تحمل بحكمة واقتدار مسؤوليات تاريخية جسيمة، ، وكان لدوره فيها نتائج تعلقت بمسار التاريخ وتحولاته الكبرى، ، فهو من القادة والزعماء الذين لاحقهم التاريخ بأدوار، ، واختارهم لمهمات وتبعات الواحدة منها اخطر من الأخرى،
ونعيش هذه الأيام الاحتفاء بالذكرى العشرين لتلك البيعة المباركة، ، وفي الواقع لا يمكن اختزال انجازات وجهود وعطاءات هذا القائد التاريخي وطوال عقدين من الزمان في سطور أو صفحات قليلة، ، ولكن نكتفي فقط بومضات متفرقة من تلك المسيرة الكبيرة، ،
فنحن في مصر نتذكر دائما زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز التاريخية لها في 20 24 شعبان 1409ه وهي الزيارة التي استقبلها الشعب المصري استقبالاً غير مسبوق، ، وبترحيب فاق كل تصور، ، وصفه خادم الحرمين الشريفين في حديث أمام رؤساء تحرير الصحف قائلا: شيء لا يصدق هذا الذي قوبلت به من شعب مصر منذ اللحظة الأولى التي وضعت فيها قدمي فوق ارض مطار القاهرة وحتى هذه اللحظة التي اجلس فيها معكم الآن، ، نفس الترحيب نفس المشاعر، ، نفس كرم الضيافة المصرية الأصيلة، ، ان احداً لم يطلب من هذا الشعب الطيب الودود ان يخرج لاستقبالي، ، لقد كنت انظر في شرفات وأسطح العمارات الشاهقة فأجدها مكدسة بالرجال والسيدات والأطفال الذين يلوحون لي بأيديهم، ، كنت خائفاً ان يسقط طفل أو طفلة من شرفة شقة أو سطح عمارة، ، حقاً ان الترحيب الذي وجدته من شعب مصر ومن أخي فخامة الرئيس مبارك لم أره من قبل ، ، ولن أنساه ما حييت»،
وداخلياً استطاع خادم الحرمين الشريفين ان يبني النهضة السعودية الحديثة في توازن مشهود بين التطور الحضاري والعمراني والاقتصادي، ، والأخذ بكل أسباب وآليات العصر، ، وبين المحافظة على المبادىء والقيم الدينية والأخلاقية الأصيلة للمجتمع السعودي وحققت المملكة العربية السعودية إنجازات حضارية في كافة المجالات الإنتاجية والخدمية، ، حسب منظومة مدروسة من الخطط الخمسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ، استطاعت المملكة من خلالها تحقيق نهضة شاملة في قطاعات الصناعة والكهرباء والمحافظة على البيئة والقطاع الزراعي وتنمية موارد المياه والإسكان والنقل والمواصلات والاتصالات والاعلام والتعليم والخدمات الصحية والرعاية الاجتماعية، ، كل ذلك في زمن قياسي اذا قيس باعمار الدول والشعوب،
وضمن الانجازات الحديثة بالمملكة العربية السعودية التي سيكون لها مردود تنموي كبير في المستقبل المنظور، ، هو انشاء المجلس الاقتصادي الاعلى والهيئة العليا للسياحة وهيئة الاستثمار،
ولم تقف انجازات خادم الحرمين الشريفين عند حد الانجازات الاقتصادية والاجتماعية فحسب بل شهد عهده ايضاً انجازاً سياسياً كبيراً تمثل في اصدار النظام الاساسي للحكم ونظام مجلس الشورى ونظام المناطق ثم نظام مجلس الوزراء بعد ذلك، ، لترسخ كل تلك الانظمة سياسة باب الحكم المفتوح امام كل مواطن له شكوى وامام كل انسان له مظلمة، ، كما عمقت في نفس الوقت اصل ثابت من اصول المجتمع الاسلامي ألا وهو مبدأ الشورى، ، وبهذا استكمل الملك فهد الاطار السياسي للحكم، ، وجعل من المملكة العربية السعودية نموذجاً على ارض الواقع والتطبيق للدولة الاسلامية المعاصرة،
وعلى الصعيد الاسلامي حمل الملك فهد بكل امانة رسالة بلده وشعبه في خدمة الاسلام والذود عن قضايا المسلمين، ، فاذا تحدث اي عربي او مسلم عن انجازات خادم الحرمين الشريفين خلال تلك الفترة تقفز الى الاذهان مباشرة اكبر توسعة للحرمين الشريفين عبر تاريخهما الطويل، ، والعناية المتكاملة بجميع الاماكن والمشاعر المقدسة، ، مما وفر الراحة والطمأنينة للحجاج والمعتمرين والزوار من كافة ابناء العالم الاسلامي وعلى مدار العام، ،
كما كان لانشاء مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف صداه الروحاني العميق لدى المسلمين كافة حيث توفرت لهم ترجمات معاني القرآن الكريم بمختلف اللغات واللهجات، ، مما كان له الاثر المباشر في حفظ هوية المسلمين من الاستلاب والضياع، ، ومن اهم سمات عهد خادم الحرمين الشريفين ايضاً هو ما تميزت به المملكة العربية السعودية بمسارعتها لاغاثة المتضررين من الكوارث الطبيعية والحروب الاهلية التي اصابت العديد من الدول العربية والاسلامية، ، حيث كانت المملكة من اوائل الدول التي اعترفت باستقلال وسيادة جمهورية البوسنة والهرسك بعد انهيار الاتحاد اليوغسلافي وكان هذا الاعتراف في 15 شوال 1412ه الموافق 17/4/1992م وقادت المملكة حملة دبلوماسية واعلامية واسعة من اجل انقاذ مسلمي البوسنة مما لحق بهم من دمار وتشتيت، ، كما كانت المساعدات المادية والاغاثية التي قدمتها المملكة للبوسنة والهرسك اثرها الواضح والفاعل في تخفيف المعاناة عن شعبها المسلم، ، كما وقفت المملكة بكل حزم وصدق في دعم قضايا الصومال وافغانستان واريتريا وجمهوريات آسيا الوسطى، ، كما لم تساوم المملكة على مبادئها في نصرة كافة الاقليات المسلمة في كل ارجاء العالم،
وكانت المملكة العربية السعودية بقيادة الملك فهد وما زالت صمام امان ومعادلة حكيمة، ، ومرجعية صادقة في التوفيق العادل بين الاشقاء العرب، ، فجمعينا يذكر دور المملكة العربية السعودية في توقيع اتفاق الطائف الذي اوقفت الحرب الاهلية اللبنانية، ، ففي 22/10/1989 وقع هذا الاتفاق في مدينة الطائف وتحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز وتعتبر وثيقة الطائف التي اقرها النواب اللبنانيون اول صياغة دستورية لنظام لبناني يحول الصيغة اللبنانية من صيغة كيان الى صيغة وطن ونجح اتفاق الطائف في تحقيق هذا الهدف في حين فشلت مشاريع كثيرة سبقت الحرب الاهلية وسبقت الاستقلال في تحقيق صيغة الوطن اللبناني، ،
كما لعبت المملكة دورها البارز في اصلاح ذات البين بين الجزائر والمغرب، ، ودوراً ملموساً في انهاء قضية لوكيربي، ، ولا ننسى في مصر دورها في عودة العلاقات بين مصر وسائر الدول العربية عام 1987 وكذلك عودة مصر الى منظمة المؤتمر الاسلامي عام 1989،
كما لا يمكن لاي منصف وعادل إلا أن يذكر بكل تقدير دور المملكة العربية السعودية المحوري والهام في دعم القضية الفلسطينية، ، فالمملكة تعتبر فلسطين قضيتها الاولى قولاً وعملاً، ، وسجل التاريخ الكثير من المواقف السعودية الحاسمة في الدفاع عن المقدسات الاسلامية في فلسطين المحتلة، ، وآخر تلك المواقف مبادرتها بانشاء صندوقين لدعم الانتفاضة والاقصى، ، واوفت المملكة بكامل حصتها في هذين الصندوقين مما كان له الاثر المباشر في مساعدة الشعب الفلسطيني الاعزل في مواجهة سياسة الحصار والتجويع،
كما تسخر المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين كافة امكاناتها السياسية والدبلوماسية لخدمة القضية الفلسطينية في كافة المحافل الاقليمية والعالمية وكذلك للتأثير على القوى الدولية الفاعلة من اجل تطبيق مقررات الشرعية الدولية التي تؤكد على ضرورة قيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشريف،
سفير جمهورية مصر العربية لدى المملكة العربية السعودية
|
|
|