|
الفهد الأمين.. ونصف قرن في مسيرة الإنجاز والريادة
بقلم الدكتور: عبدالله بن عبدالعزيز بن معمر
وزير الزراعة والمياه
|
.. يسجل التاريخ الحديث للمملكة العربية السعودية في صفحات ناصعة في البناء الوحدوي الوثيق. القائم على التلاحم المتين سواء فيما بين أفراد وفئات المجتمع السعودي ككل، أو فيما بينه وبين قيادته المخلصة الأمينة، مما يعطي القدوة ويرسم المثل في تاريخ بناء البلدان والشعوب.. فقد تحقق وبداية منذ قرن من الزمان لمعظم شبه الجزيرة العربية وحدة قائمة على البر والتقوى.. أساسها عقيدة التوحيد الصافية. ومنطلقها الرحب الشريعة السماوية السمحة بما تحمله من مبادئ أصيلة في الأخوة والرحمة والمودة والمروءة والوفاء والإيثار، منتظمة أشرف الوسائل لأنبل الغايات وأسماها.. فجاءت بحمد الله هذه البلاد على يد مؤسسها وبانيها جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل ال سعود رحمه الله وبمتابعة من أبنائه البررة الذين حملوا الراية بعده، الملوك: سعود وفيصل وخالد غفر الله لهم جميعاً .. جاءت هذه المملكة درة مضيئة باشعاعات الخير وإشراقات النور..تهديها للعالمين العربي والإسلامي من نفحات الحرمين الشريفين ومعمقة أقوى الصلات بأشقائها العرب والمسلمين.. وأوثق روابط المحبة والسلام بمختلف الأمم والشعوب في أرجاء المعمورة.
.. لقد توالت على هذه المملكة الفتية خطوات تأسيسية وبنائية وتطويرية في مختلف عهود قادتها العظام السابقين رحمهم الله وكان للفهد الأمين خادم الحرمين الشريفين (حفظه الله) دور قيادي وريادي طويل في تطوير وتشكيل نسيج هذه المملكة.. فمنذ أكثر من نصف قرن من الزمان أنيط به العديد من المهام الرسمية في الداخل والخارج مشاركاً مع والده وإخوانه الأماجد، وانطلق بعد تقليده منصب وزير المعارف عام 1373ه يطور وبعزيمة الشباب وهمته الوثابة وبمعاونة من رجاله المخلصين مسيرة التعليم ويدفع بها إلى الأمام في نهج حديث وموسع انطلقت عبره قوافل النور والعلم والعرفان إلى آفاق رحبة، تطرد الجهل وتحاصر الأمية وتبني الشباب السعودي وتصقله تأهيلا علميا رفيعاً يؤهله للمشاركة في البناء ويعده لتحمل مسؤولياته في تقدم وتطور البلاد بعلم ودراية فانتشرت دور العلم وتزايدت المدارس بمختلف مراحلها وتنوع تخصصاتها وشيدت المراكز والمعاهد العلمية وقامت صروح الجامعات وأخذت تتكامل وتتوسع في رعاية دائمة وإشراف متواصل منه حفظه الله في مختلف مواقعه الرسمية.
.. ثم تولى الفهد رعاه الله مهام الأمن وإدارة شؤون الحكم المحلي في هذه المملكة المترامية الأطراف منذ عام 1382ه، فكان مع معاونيه من إخوته الأعزاء ومساعديهم العاملين رجل الأمن القوي ومضى بخبرته وحنكته يرسخ الأمن ويوطد دعائمه ويغرس بذرات الخير في مختلف قطاعاته لتعطي الثمار أمناً وارفاً وأجيالاً متعاقبة في الشباب المؤهل في مختلف التخصصات الأمنية من المدارس والمراكز والكليات الأمنية.. إلى جانب البعوث الخارجية التي أمدت ولا تزال تمد وزارة الداخلية بكافة أجهزتها بالشباب السعودي المسلح بقدرات عالية وتقنيات متقدمة تعمق جذور الأمن وتحقق السلامة وتقضي على الجريمة وترفع من مستوى الأداء في كافة القطاعات الأمنية.
..وتتضاعف الأعباء وتتزايد المسؤوليات على شخصه الكريم بإسناد منصب النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء إليه إلى جانب قيامه بأعباء منصبه وزيرا للداخلية، وعند ذاك يبرز دوره وجهده الكبير في تنفيذ برامج خطة التنمية التي كانت بحق نقطة التحول في البنية الاقتصادية للمملكة، وبعد استشهاد جلالة الملك فيصل وتولي جلالة الملك خالد رحمهما الله يصبح الفهد ولياً للعهد ونائباً أول لرئيس مجلس الوزراء في عام 1395ه فينهض بكثير من الأعباء الجسام خير معين ومساند لأخيه الملك خالد وتنطلق مسيرة النهضة الشاملة في البلاد بوتيرة أسرع ومساحات أكبر وإمكانات أكثر وإنجازات وقفزات باهرة شاملة القطاعات التعليمية والأمنية والزراعية والصناعية وغيرها مع تنويع قاعدة الاقتصاد في مجالات إنتاجية متعددة إلى جانب انتهاج سياسة خارجية حكيمة ناضجة كانت جامعة للشمل العربي والإسلامي وموثقة لعلائق وروابط الإخاء والسلام مع دول العالم أجمع مما أصبحت معه المملكة تتمتع بمكانة مرموقة ومصداقية مقدرة لمدى مختلف الدول.
..وبوفاة الملك خالد رحمه الله بتاريخ 21 شعبان 1402ه تسلم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز زمام الحكم في المملكة مستمرا في حمل الأمانة، مترسماً الخطى الواثقة ومشبعاً بالروح الطموحة لأسلافه العظام فانطلقت مسيرة النماء والازدهار في المملكة متجاوزا في كثير من البرامج خطط التنمية بخطى متسارعة استطاعت المملكة عبرها وخلال العشرين عاماً الماضية في عهده الميمون أن تحقق سواء عن طريق القطاع العام أو القطاع الخاص المتنامي والمدعوم من الدولة وباستخدام جميع الموارد المتاحة وتنميتها وتفعيل الأداء في مختلف المواقع مستويات عالية على مختلف الصعد في الداخل والخارج وذلك من خلال مشروعات وبرامج تتسم بالتنوع والشمول والتوازن، على أن هناك من الإنجازات الكبيرة التي تحققت للمملكة على يد خادم الحرمين الشريفين ما لا يمكن لأي متابع للتاريخ أن يتجاوزها، فإضافة إلى ما تحقق من بناء الفرد السعودي ورفع معدلات الإنتاج المحلي الزراعي والصناعي ودعم قطاعات الجيش والأمن والتعليم والقضاء والصحة والطرق والاتصالات والموانئ والمطارات والكهرباء والرعاية الاجتماعية ودعم ورعاية القطاع الخاص وتوسيع نطاق خدمات صناديق التنمية الصناعية والزراعية والإسكانية، فإن هناك أعمالا ومنجزات كبيرة رسخت دور المملكة على الصعيد الاقليمي والعربي والإسلامي والدولي.. إلى جانب المشاريع الجبارة في توسعة الحرمين الشريفين ومشاعر الحج ومجمع طباعة المصحف الشريف وإقامة العديد من المراكز الإسلامية في مختلف أقطار العالم ودعم العمل الإنمائي الإسلامي ومد يد العون السخي لخدمة القضايا الإنسانية في العالم عن طريق المنظمات والهيئات والصناديق والهيئات العالمية، ولا ينسى التاريخ وقفات خادم الحرمين الشريفين الشجاعة في نصرة دول الجوار والذود عن حمى الوطن وتسخيره كل الإمكانيات في سبيل حماية الوطن وسلامة أبنائه، كما يأتي في قمة وصدارة أعمال ومنجزات خادم الحرمين الشريفين رعاه الله قراراته الحكيمة بتطوير نمط الحكم بإحداث نقلة نوعية في أسلوب الحكم بإصدار الأنظمة الثلاثة عام 1414ه وهي النظام الأساسي للحكم، ونظام مجلس الشورى، ونظام المناطق بما لها في الأطر النظامية وآليات التنفيذ المرسومة.. وإلى جانب إصدار وتحديث العديد من النظم التي توفر الأجواء الصحية المناسبة للعمل في مجالات متعددة لنظام المطبوعات، ونظام التأمينات الاجتماعية، ونظام المرافعات، ونظام المحاماة وغيرها مما يرسخ الأسس النظامية والقواعد الثابتة لمزاولة الأعمال بكل وضوح وجلاء أمام المواطنين وتعاملهم مع القطاعات الحكومية المتخصصة.. وكل ذلك يسجل لمقامه الكريم وإخوانه المخلصين الأوفياء وعلى رأسهم صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني وصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام حفظهم الله وأعانهم .
..وبعد.. فإنه لن يستطيع أي كاتب أن يستوفي أو يستعرض ولو بإيجاز في مثل هذه العجالة مفردات التنمية وشتى مجالاتها الحيوية التي تحققت للمملكة في الداخل أو المآثر التي خلدت باسم المملكة في الخارج في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز وفقه الله وأمده بمزيد الصحة والعافية ولكن حسبي أن ألمح هنا ومن موقعي كوزير للزراعة والمياه إلى بعض ما تحقق واستكمال في عهده الزاهر من مشاريع مائية جبارة (1355 مشروعاً في أنحاء البلاد) لتوفير مياه الشرب مادة الحياة الأساسية للمواطنين في المدن والقرى والهجر ومن مختلف المصادر سواء كانت مياه الآبار الجوفية المصحوبة بعمليات تنقية وتحلية أو من مياه البحر المالحة بعد تحليتها عبر العديد من محطات التحلية على ساحلي المملكة الشرقي والغربي بما طاقته الإنتاجية ثلاثة ملايين متر مكعب يومياً بالإضافة إلى 30% من إجمالي الطاقة الكهربائية المستهلكة التي تنميها تلك المحطات إلى جانب إنشاء ما يقارب مائتي سد لتغذية الطبقات الحاملة للمياه والمساعدة في توفير مياه الري ومياه الشرب وبطاقة تخزينية تزيد على ثمانمائة مليون متر مكعب من المياه وما صاحب ذلك من تنمية القطاع الزراعي نباتيا وحيوانيا بما ساهم في توفير نسب عالية من الاحتياج المحلي وتجاوزها في البعض الآخر من المواد الغذائية الأساسية ورفع نسبة إسهام الإنتاج الزراعي في الناتج المحلي للبلاد ودعم الاقتصاد الوطني.
.. وفي الختام أسأل الله تعالى أن يمن على خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز بمزيد من الصحة والعافية وأن يبارك في جهوده وجهود إخوته الأماجد وعلى رأسهم صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني وصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام وإخوتهم الكرام وأن يديم على الأسرة الكريمة وعلى بلادنا الغالية وشعبنا الوفي الكريم الأمن والاستقرار وأن يجعل الجميع ممن أثنى الله عليه في قوله تعالى :« الذين إن مكنّاهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهواعن المنكر ولله عاقبة الأمور» وأن نكون جميعاً ممن يستذكر دائما قوله جل وعلا : {واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون}.
|
|
|