|
الملك الطموح
بقلم: فهد بن عبد العزيز الكليب
|
إن الكتابة عن الملوك الذين سموا بالملك من منطلق كونه مسؤولية مضاعفة وأمانة ثقيلة وإشفاقاً بالأمة والشعب لهو من المجازفة الكبيرة التي يتهيب منها ولها القلم وتشيع تجليات كثيرة ومتناثرة أمام الكاتب فماذا عساه يكتب؟ وكيف يكتب؟ وإذا كتب بماذا يبدأ؟ وبم يختم؟!
أسئلة وأسئلة تنصب هنا وهناك خاصة إذا ما كان الحديث دائراً حول شخصية الرجل الأول في المملكة العربية السعودية.. خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود العاهل السعودي الفذ والزعيم العربي والقائد الإسلامي الذي يحظى بحب واحترام وتقدير الملايين الذين وقفوا مدهوشين بجوانب شخصيته القوية الآسرة، فعندما يطوف الكاتب المنصف بشواهد حية من تجربة تلك الشخصية الباهرة وأعماله ومواقفه الإنسانية المتعددة، وانجازاته الحضارية المتجددة خدمة لوطنه وشعبه وأمته العربية والإسلامية فحياة الفهد منذ نضجه المبكر حافلة بكل ما تحفل به حياة الرجال الأمناء الكرماء من أبناء الملوك العظماء الأشاوس على الرغم مما اعتراها وتخللها من الأحداث والتقلبات السياسية والظروف والتحديات إلا أنه وبوعي مبكر وبعد نظر وتمرس في الحياة ودراسة لوحي الزمان ودروسه المستفادة كان ولا يزال يحفظه الله كالطود عالياً لم تتزعزع له قناة أو تفتر له عزيمة ولم تضعف له حماسة حيث ظل وما يزال يعطي بسخاء من فيض عطاءاته انجازاً يتلوه انجاز يتعطر بعطر اسمه نماء وتطوراً حضارياً للوطن وأبنائه على طول مساحة هذه المملكة المترامية الأطراف وفي مختلف مناحي الحياة.
والملك فهد اليوم هو أحد أبرز أعضاء أبناء الأرومة في البيت السعودي الكريم وأحد أبناء الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود ومن منا لا يعرف عبد العزيز وحسبنا فخراً أن يكون رمزاً لوحدتنا ومبعثاً للحمتنا وبطلاً لمسيرتنا التي لا نزال ننعم بها حتى يومنا الحاضر.. وحسبنا أن نُعرَف به، لا أن نُعرّف به والفهد يمثل بعداً متأثراً بنهج وشخصية والده الملك المؤسس عبد العزيز في المحافظة على أصول النهج والمنهج الثابت والأسس الإسلامية الراسخة وتأصيلهما قولاً وعملاً شرعاً وتنفيذاً في النظام الأساسي للحكم الذي أعلنه واتخذه وسار عليه في شؤون الدولة كلها وقد أعلن الملك فهد مراراً وتكراراً وثيقة ثبات مبدأ وصادق اتجاه بأن ذلك النهج ليس محلاً للمزايدات أو التنازلات مهما كانت الظروف والتحديات وتلك هي الادارة الفعلية والقيادة الشجاعة والعزيمة النافذة والصادقة والمتمثلة باستقراء تحليلي لشخصية الملك فهد بانه يقف على الكثير من الملامح والدوائر والمنطلقات التي قل أن توجد إلا في القليل من الساسة والملوك بل سيجد من الصفات القيادية والانسانية ما يجعل ميزان التفوق المنصف يرجح جانب شخصية الملك فهد دون غيره لمجموعة الشمائل المتعددة التي يتمتع بها دون غيره والتي لها ملمح خاص ويكفيه فخراً وسمواً أنه القائد الذي أطاح بكل الألقاب التبجيلية التعظيمية ووفق إلى اختيار لقب يعلو على كل لقب ألا وهو لقب خادم الحرمين الشريفين والذي لم يكن في معناه ومغزاه في فكر الفهد الا تشريفاً أسمى من كل الألقاب والنداءات، وتكليفاً ملزماً وملتزماً يناط به الحس المؤثر والمتأثر حيث اختار دور «الخادم» الذي نذر نفسه ووقته وجهده وماله خدمة استشرافية للحرمين الشريفين رعاية وعمارة وانفاقاً حيث يمثل هذا اللقب في حقيقته التزاماً روحياً يلتزم من خلاله حامله بأكثر مما يعطيه، وذلك أن الخدمة في موقع القدرة هي الزام أكثر منها التزام. لذا فلا غرو اذا ما شهد الحرمان الشريفان أكبر توسعة لهما في عهده يحفظه الله على مر التاريخ الإسلامي ثم هو بعد ذلك ملك المملكة العربية السعودية، وواحد من أبرز القادة المسلمين في العصر الحديث بما تحمله شخصيته الفذة من قوة وثبات وثقل فاعل ومؤثر على كافة الجهات والمحاور الخليجية والعربية والإسلامية والدولية. وهو من القادة الذين يحملون هموماً تتعدى نطاق بلاده ووطنه لتجده يعيش ويتعايش مع هموم العالم العربي والإسلامي، وعلى أرض الواقع تجد له اسماً وحضورا أولياً لم يسبقه إليه أحد بتفاعل ومشاركة وجدانية ومعنوية ومادية من منطلق الواجب الذي ندب إليه ديننا الإسلامي الحنيف.
كما أن المتأمل إلى نهج خادم الحرمين الشريفين ليجد على المستوى المحلي منظومة مثالية تمثل رابطة للهمة الوطنية لم تصنعها الشعارات الزائفة أو الأبواق الإعلامية الخادعة بل وبكل بساطة تقف على واقع معاش ومشاهد لبيت سعودي كريم يجمع ولا يفرق، راع ورعية، ملك وشعب، ثنائي يمثل توأما لم ولن ينفك عراه يضرب أروع الأمثلة على التقدير والاحترام المتبادل بين القيادة والقاعدة.. ملك قد حاز من الأمجاد مجداً يتجدد دائماً وأبداً وبوعي دائم ومتواصل بثقته بشعبه وثقة شعبه به. ولقد حدد يحفظه الله رؤية خاصة تجاه المواطن في هذه البلاد بعد تسلمه لمقاليد الحكم في هذه المملكة في 21 شعبان 1402ه الموافق 13 يونيو 1982 حيث قال: «إنني أشعر بعظم المسؤولية وثقل الأمانة التي شاء الله سبحانه وتعالى أن أحملها راجياً منه جل وعلا أن يعينني على حملها وانني أعاهد الله ثم أعاهدكم بأن أكرس كل جهودي ووقتي من أجل العمل على راحتكم وتوفير الأمن والاستقرار لهذا البلد العزيز، وأن أكون منكم يؤلمني ما يؤلمكم ويسرني ما يسركم..».
وقد وفى الفهد وصدق بهذه الرؤية إذ قاد الوطن والمواطن، إلى المزيد من الأمن والاستقرار والنماء الحضاري وتحقق بفضل الله على يديه الكثير من الانجازات الحيوية والحضارية الوطنية على كل الجوانب المختلفة.
لقد أكد الملك فهد في نظرته المنهجية للتنمية وهي نظرة الخبير العارف والمستشرف لمستقبل دولته العصرية إلى ضرورة أن يسير التطور في طريق لا يعرف المعوقات التنموية التي تصيب القرارات الارتجالية، فأوصل بلاده بحمد الله ثم بفضل سياسته الحكيمة وبعد نظره الى النضج في بناء الإنسان السعودي أولاً. وها هي النتائج التي تكشف عنها الأرقام الاحصائية بما آلت إليه مخرجات تلك النظرة والرؤية التي قادها الفهد بالآلاف من الكوادر السعودية الشابة والمؤهلة تأهيلاً علمياً وتكنولوجياً والتي تحمل بين تطلعاتها طموحاً يقوده الفهد بكل كفاءة وجدارة واقتدار وفي كل مناحي الحياة، فأصبح لدينا من الامكانيات البشرية ما يمكننا اليوم من خوض أي تجربة جديدة في مجال التنمية والتطور والبناء وشخصية الملك فهد بن عبد العزيز شخصية طموحة بكل المقاييس وهذا الطموح باعث ساهم في تكوينه مجموعة من العوامل وفق ثبات مبدأ ورسوخ في قدم، والقريب جداً من خادم الحرمين الشريفين يلمس في شخصيته القوة والمضاء على انفاذ ما يرى فيه تحقيق المصلحة العامة مهما كانت الحوائل والعراقيل والصعاب يساعده على ذلك رؤيته الصائبة والثاقبة للأمور وخبرته ودرايته التي صقلتها التجارب والأيام والأعمال التي تقلدها والمرونة البارعة والصبر الطويل والعزم الأكيد حين تجب المصلحة العامة وليس بأدل على ذلك من رعايته لاقامة وتأسيس أول جامعة في المملكة العربية السعودية وكيف أمضى عزمه وبلور فكره وجمع طاقته لتحويل ذلك الحلم إلى واقع ملموس ومشاهد على الرغم من شح الموارد آنذاك وقلة الكوادر والكفاءات المتخصصة والمدربة ولقد كانت هذه الجامعة فكرة تتبلور في ذهنية الفهد الواعية والمتطلعة كاستجابة مبكرة للنهضة التعليمية التي شهدتها المملكة منذ قيامها وانطلاقتها المنظمة والتي توجت تولي خادم الحرمين الشريفين عام 1273ه مسؤولية أول وزارة للمعارف وفي ذلك العام وعقب الجلسة الأولى من جلسات مجلس الوزراء أدلى حفظه الله بحديث قال فيه: «سوف نشرع قريباً في انشاء الجامعة السعودية، التي أصبح مفروغاً من أمرها وسوف تكون هذه الجامعة من أقوى دور العلم والثقافة وستكون شيئاً يليق ببلادنا التي شع منها نور الإيمان والحضارة».
وقد اهتم الملك فهد بعد اضطلاعه بمسؤولية وزارة المعارف اهتماماً بالغاً بالتعليم بجميع مراحله وتخصصاته وأولاه رعايته وعنايته الخاصة، فقد أدرك بثاقب نظرته انه هو المنطلق السليم لكل أمة تتطلع إلى المجد والرقي والازدهار فكان التوسع الحثيث في افتتاح المدارس والمعاهد الى جانب ابتعاث اعداد متتالية من الطلاب الى الخارج للدراسة في مختلف التخصصات. واليوم نجد الحصيلة من مخرجات فكر الفهد وعلى أرض الواقع التعليمي المشاهد في تلك الأرقام الاحصائية من مخرجات التعليم على مختلف أنواعه ومراحله يمثل نجاح التجربة الرائدة لفكر ونهج الملك فهد بن عبد العزيز وأصبحت فكرة الفهد في انشاء أول جامعة وهي جامعة الملك سعود تتنامي إلى أن أصبح التعليم العالي هدفاً وغاية دعمها فكر فهد وشجعها حتى أصبح لدينا اليوم ثماني جامعات سعودية تقوم في انحاء متفرقة من مساحة هذا الوطن المعطاء. كما أن مشروع التوسعة الكبرى للحرمين الشريفين يعد شاهداً حضارياً واسلامياً حياً على الأعمال الجليلة القدر التي أمضاها الفهد. فكان وهو يطلع على البدايات الأولى لمراحل تلك التوسعة الكبرى وهو ينظر الى التصاميم والخرائط والمصورات المقترحة لتلك التوسعة العظيمة أمام عدد من المهندسين والخبراء البارعين كان الجميع مدهوشاً من تلك اللمسات الفنية التي كان الملك فهد يضعها ويقترحها حتى أنه ليلمس تفاصيل التفاصيل التي غابت عن ذوي التخصص الفني، ويضع يحفظه الله وبرؤية ثاقبة وبعد نظر التعديلات المناسبة حتى يتأكد تماماً من خروج العمل بالشكل المناسب من جميع الجوانب الفنية. وتلك التوسعة الجبارة المتمثلة في توسعة المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف والتي نراها اليوم لم تكن لتكون لولا توفيق الله عز وجل أولاً ثم الايمان العميق الذي يعمر قلب خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز والنية الصادقة والعزيمة النافذة المنطلقة إلى احتساب الأجر والمثوبة من الله عز وجل ليس إلا، خدمة للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها فعد ذلك العمل بحق من أبرع الأعمال التي سجلت بمداد من نور لخادم الحرمين الشريفين والتي سوف يسجلها التاريخ على مر الأجيال جيلاً بعد جيل.
ولم يكن الملك فهد يوماً في منأى أو عزلة انعزالية عما يجري في العالم بين جيرانه واخوانه خليجياً وعربياً واسلامياً أو حتى على المستوى الانساني الدولي.. بل كان فكره منفتحاً على العالم بأسره وفق ثوابت متوازنة تنظر الى الحدث وتتأمله وتتفاعل معه حسب أهميته وتأثيراته ومؤثراته فان كان واجباً نجد المشاركة الوجدانية والمعنوية والمادية الفورية ويسجل لها حضوراً مميزاً لا يسبقه اليها أحد وقوفاً والتزاماً أدبياً في المحن والكوارث والأزمات وان كان تعدياً ومغالطة للوقائع والأحداث مساساً واستهدافاً لهذا البلد وأبنائه، فالتعامل هنا في نهج وفكر الفهد يكون بالحقائق الماثلة بالشواهد الحية التي لا تقبل التزييف أو التضليل مهما كانت الضغوط والتحديات وفق حكمة القيادة وحنكة التصرف الحضاري فما ينفع الناس يمكث في الأرض اما الزبد فيذهب جفاء وأصابع اليد ليست على مقياس واحد كما يقول المثل الذائع.
ولعل ما سيثبت في الذاكرة المسجلة لانجازات خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز تلك الوثيقة الجديدة لوطن جديد والقائمة على اصدار الأنظمة الجديدة والمتمثلة في النظام الأساسي للحكم ونظام مجلس الشورى ونظام مجلس الوزراء ونظام المناطق وقد جاءت هذه الأنظمة مواكبة لذلك التطور الكبير والنماء الحضاري المتسابق والمتسق ببعد التجربة الفذة التي قادها الفهد ورجاله المخلصون من أبناء هذا الوطن الكريم، والتغير في نمطية المشاركة الفاعلة لنخبة من العقول والكفاءات الوطنية المؤهلة في مجلس الشورى والمجالس الاستشارية في المناطق، بهدف ترسيخ وتعميق مشاركة المواطن بالرأي والمشورة جنباً إلى جنب مع المسؤولين القياديين، وبما يخدم مصلحة الوطن والمواطن على حد سواء. واتخاذ القرار الذي يصب في المصلحة العامة للوطن والدولة وقد رأى الكثير من المراقبين والنقاد والاعلاميين بان مغزى صدور الأنظمة الأربعة في المملكة بأن خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله كان في فكره ذكياً وحكيماً حتى في مناسبة التوقيت فهو أراد أن يفسح المجال رحباً أمام ارادة التحديث والاصلاح السياسي والاجتماعي والاداري والاقتصادي، وأراد بوعي لامح منه أن يطرح ارادة وطنية تمثل مرحلة مهمة بعد مرحلة طويلة من الاعداد والخطيط التنموي المتناسق واكتمال البنية التحتية الطموحة وهذه الارادة الملكية التي حققها تستهدف بالمقام الأول استكمالية العمل الوطني وبناء القاعدة المثلى لكل ما فيه خير الاجيال القادمة من أبناء هذه المملكة ولجعل المسؤوليات الوطنية مشتركة بين الدولة والمواطن فالجميع على ثغرة تتطلب العمل الجاد المخلص والأمانة بما يحفظ ويحافظ على مكتسبات هذه المسيرة المباركة أن منظومة تلك الأنظمة الحضارية الأربعة جاءت لتشكل هيكل بناء حضاري وفكر متكامل لتعيش المملكة قيادة وقاعدة واقعاً فريداً من التلاحم التشاركي الفاعل وبتشكيل منظم ومدروس للارتقاء بكيان الوطن.. تلك هي رغبة الفهد الأكيدة من وراء تحقيق تلك الأنظمة وتجسيدها على أرض الواقع لتكاملية اهتمام خادم الحرمين الشريفين بالانسان السعودي كأساس لعملية البناء والتنمية والتي ظلت وما زالت محافظة على قيمة من أسمي ما يتمتع به المواطن وهو حريته المكفولة.
واذا كان مجلس الشورى في فكر ورؤية الفهد هو خطوة طموحة على طريق الديمقراطية المستوحاة من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، عملاً بقوله تعالى: «وأمرهم شورى بينهم». وهو عون للدولة لتحقيق خير الوطن والمواطنين والنظام تحديث لما هو قائم أصلاً وفهد بذلك المجلس والنظام يكمل مبادراته الواعية والمتطلعة الى آفاق العصر المتغير ويجعل من بلاده السعودية نموذجاً يحتذى للدولة الإسلامية العصرية.
|
|
|