شهدت بداية القرن الخامس عشر الهجري نهضة لم تشهدها البلاد من قبل، وتعددت الانجازات، العلمية والفنية والادبية الثقافية، وانتشرت في اماكن متعددة من البلاد. ولا نستطيع في مقال سريع كهذا ان نحيط بكل شيء منها، لكننا سنقارب بين بعضها في مجال الثقافة العامة. وبنظرة سريعة تغنينا عن التفاصيل ننظر الى المنجز الصادر من الكتب الثقافية المتعددة الاتجاهات، فنجد الكم الهائل من المطبوعات الصادرة في عهد خادم الحرمين الشريفين قد فاق ما انجز في العقود السابقة باضعاف مضاعفة، ولم يأت ذلك من فراغ، فلولا التشجيع المادي والمعنوي الذي يجده المؤلف والناشر من حكومته الرشيدة، وانتشار سوق الكتاب، على اعلى المستويات العالمية، ما تم هذا التوسع في النشر الثقافي والعلمي الثقافي. كما نجد التوسع في المجال التعليمي في الجامعات، والاعداد الهائلة من الطلاب والدارسين في جميع التخصصات، بفضل الدعم المادي والمعنوي الذي يجده الطالب، ولن يجده في اي مكان آخر. وان وجود مبان بهذا الحجم في الجامعات دليل على التقدم الذي ادركته الدولة في هذا العهد، فالمدن الجامعية انجازات قائمة بذاتها، استطاعت استيعاب ما تستطيع استيعابه من الطلاب، فلو لم تكن هذه المدن معدة لهذا الغرض لتضاعفت المشاكل الطلابية التي تواجهها الجامعات في اوقات القبول والتسجيل. كما ان تشجيع المؤلف وشراء بعض ما ينتجه جعل الكتاب في متناول الجميع، في كل مكان. وقد تواكب ذلك مع ظهور الطبقة المثقفة في البلاد، فتوسعت دائرة الثقافة الخاصة بوجود الصالون الادبي، الذي اعاد التراث الادبي القائم في المنتديات الادبية، وتشجيع الدور الثقافي في المنتديات الصيفية، ومكان التجمع السكاني الثقافي في دور بعض الموسرين، والمهتمين بالشأن الثقافي، وإحياء الدور العربي في مناقشة الفكر على مرأى ومسمع من الجميع، وتحولت الجنادرية من سباق تراثي للهجن الى ملتقى ثقافي عالمي، وقامت النوادي الادبية بدور فعال في النشر الثقافي، من محاضرات وندوات وورش عمل على مدى العام وشاركت الهيئات العامة والخاصة في طباعة ونشر العديد من الكتب الثقافية، وواكب ذلك دخول التقنية الحديثة وتعميمها على الدور الثقافية والاستفادة منها في البحث العلمي وحضور المعلومة من مصدرها مباشرة دون قيد او شرط. ولم يعد المثقف بحاجة الى السفر للنشر، فقد هيئت كل السبل امامه لممارسة نشاطه في الداخل كما هو في الخارج، واحسن بكثير في بعض الحالات، وان القلم ليعجز كما قلت في بداية الحديث، وما هذه إلا بعض الانجازات ذكرناها على عجل.
|