في عمل روائي يستري الذكريات الأليمة يطل القاص والروائي عيسى مشعوف الألمعي على القارئ بعمل روائي جديد يسمه بعنوان: (ضعيف الله) حيث نراه وقد دوَّن مفردات خطاب الإنسان البسيط الذي يحاول ما وسعته المحاولة تحويل هذا الكم الهائل من العذاب والشقاء إلى شعلة من البوح الوجداني المُعبِّر.
وتُعد هذه الرواية لعيسى الألمعي امتداداً لعملية القصصيين: (قفص الإنسان - 1426هـ) و(الناس - 1426هـ)، فقد وضع الكاتب نصب عينيه معاناة الإنسان البسيط ذلك الذي يمتلك أصل الحكاية وفصلها، ليقدمها للمتلقي دون رتوش أو إضافات.
(ضعيف الله) رواية حملت إضافة إلى همّ بطلها (جابر) هموم الأرض القصية، بين تلك الجبال الشاهقة التي تدور تفاصيل معاناة أهله على نحو ما فعلت الحياة بابن القرية (ذات الحلي) التي ظلت تعاند سياط الجلاد المتمثل في الظمأ، حيث جاء الاستهلال في الرواية على هذا النحو من الشوق لدى (جابر) بأن يعم فيض الحياة كل شيء القرية، البئر، الجبال، وحياته التي امتلأت شقاء وعذاباً لا يمكن لأي إنسان تحمُّل أوزاره وتبعاته.
رواية (ضعيف الله) تأتي على هيئة لوحة استرجاعية لحكاية معاندة وقاسية، حيث تتقاطع معاناة (جابر) مع شخوص آخرين على نحو (محلية) و(غالب القصير) و(معيض الغبي) و(خالد الملتزم) و(حسان السوري) حيث يؤزم هؤلاء مشهد الحياة في القرية الحزينة.
حزن المدن لا يختلف كثيراً عن حزن القرى إلا أن الفوارق تظهر عادة حينما يعمل الإنسان عقله على نحو ما اختطه البطل لحياته حينما وجد أن الهرب هو أسلم طريقة في مواجهة قسوة الحياة المتمثلة في البطالة التي ذكرها صراحة وبشكل غير موارب حتى إن الكاتب الألمعي أهدى روايته إلى جميع العاطلين الذي يتمرغون بالبطالة.
الرواية كما أسلفنا ذات طابع استرجاعي عني البطل في مد جسور التواصل مع صوره القديمة المبعثرة حيث يقف عند كل منعطف يرى أنه مفيد لدعم صورته الكبيرة حيث تصبح الوظيفة هي المحرك الأساس في بناء الحكاية بل نراه وقد حشد الكثير من الخلفيات المؤثرة على نحو ما يبثه من صور البطالة والفقر والعوز، حتى إنه أسسس لهوية الحزن والألم أرضية صلبة على نحو سرده لتفاصيل حياة الضياع بين المقاهي الشعبية القديمة.. (على طريق محايل عسير السريع).
البُعد المؤثر في الرواية يكمن في جاذبية المكان الذي أضفى على الأحداث جدلاً معرفياً يوآخي بين الأرض وأهلها الحزانى، حتى إنك لترى دون عناء أن القرية (ذات الحلي) وقد أضحت مهداً للكثير من الحكايات التي تساوقت على نحو فريد يؤكد أن لدى الكاتب عيسى ما يقوله عن تلك التخوم القصية في عمق الحياة المعاندة لسياط الجلاد الذي لا يفرق بين ما هو جمالي يستحق الحياة وبين قبح أولى به أن يغيب.. رواية (ضعيف الله) أخذت جانباً مهماً من جوانب بناء الرواية السيرية حيث تمحورت حول حكاية (عامر) بالدرجة الأولى مما جعل عنصر السرد يصبح واعياً وحصيفاً وغير قابل لأن يقترف مزيداً من الانثيالات واللواعج الوجدانية، كما أن الأبطال الآخرين في العمل ظلوا على الحياد لأن الكاتب زج بتجربة (عامر) الكاملة وغير المنقوصة حينما انبرى في وصف العديد من القيم الإنسانية المفرطة في حساسيتها، مستشعراً أن تجربة هذا الشاب هي مثال حي لما قد تؤول إليه بعض الممارسات اليومية التي لا تفضي إلا لمزيد من العقد والوساوس.. وهذا ما فعله الروائي عيسى مشعوف الألمعي حينما وصف لنا حال (ضعيف الله) عامر وصفاً دقيقاً يمكن أن يكون إسقاطاً حياً لثقافة الانتظار والبحث عن أمل عابر في محطات قطار السعادة المتوقف على تخوم الحياة القصية.
إيماءات:
- الهروب الأبيض (قصص).
- ظافر الجبيري.
- منشورات النادي الأدبي بالرياض.
- المركز الثقافي العربي- بيروت.
- تقع المجموعة في نحو (125 صفحة) من القطع المتوسط.
* * *
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب 5217 ثم أرسلها إلى الكود 82244