الباحة - الثقافية - علي آل صمدة
في هذا الحوار.. تطالعكم الثقافية بالدكتور سعيد يقطين.. متحدثاً ومثرياً ومثيراً.. ومعلقاً على مدى انتشار الروايات السعودية في عالمنا العربي ولعل رجاء عالم وعبد خال والمحيميد من أبرزهم.
بين جنبات هذا الحوار.. يفصح الدكتور يقطين عن مساحة الود التي يكنها للباحة إنساناً ومكاناً.. خاصة بعد أن زارها ضمن المشاركين في ملتقاها الأدبي الثقافي الثالث مؤخراً حول الرواية السعودية.. كما تجدون في أطراف هذا اللقاء إلماح الدكتور يقطين إلى أن الرواية ديوان العرب القادم.. مبدياً إعجابه بما طرحته الناقدة نورة القحطاني من تأصيل لمبدأ ثقافة الخوف في الرواية السعودية، حيث نوه أيضاً بإشكالية اختلاط السيرة الذاتية مع الرواية من خلال التخييل الذاتي..
كيف وجدت الباحة من حيث: السكان والمكان، وما الذي أضافه ملتقى الرواية (مقاربات في الشكل) الذي نظّمه نادي الباحة الأدبي؟
- أنا مسرور في زيارتي للباحة لأنني اكتشفتُ فيها طبائع ومناظر خلابة وكوني أول مرة أزور هذه المنطقة وما تحتويه من طبيعة خلاب ساحرة وأدهشني كثيراً خصوصيتها المناخية الجغرافية وطيبة أهلها وفيها مميزات تشدُ المثقف إليها فعلاً يرى فيها بلداً طيباً وهناك تقاليد أدبية جميلة وأتمنى أن تستمر بين الدول العربية لأنها تعمق الصلة بين الناس وتجعل التواد أساس في العلاقات الإنسانية وأضاف د. يقطين بالنسبة لعنوان ملتقى الرواية الذي نظمه أدبي الباحة فهو يتمحور حول الشكل في الرواية السعودية ومن وجهة نظري أنه هامٌ جداً من عد نواحي لأن كثير من الناس يصادرون بعض الروايات ويحكمون عليها مسبقاً لما تطرحه من موضوعات وما تثيره من قضايا تتصل بما تحمله من أفكار وربما لا يختلف معها الآخرون ولكن أهم شيء في الرواية وهذا التصور الذي أدافع عنه دائماً ليس هو ما تطرحه من أفكار ومضامين فقديماً قال الجاحظ أن المعاني مطروحة في الطريق ونفس الشيء يمكن أن أقول إن القصص مطروحة في الطريق لكن أهم شيء في الرواية ليس القصة أو المادة الحكائية ولكن طريقة الشكل أو التعبير الذي تقدم لنا من خلاله الرواية لأن هذا ما يميز روائياً عن روائي وبطبيعة الحال هو يهتم ببناء عمله وشكله فإنه يكون أمتع من جهة وأفيد على مستوى الدلالي والفكري لأن عندما تتحقق المتعة على صعيد الشكل فبكل تأكيد ستتحقق المتعة على مستوى الأفكار وعلى مستوى المضامين التي تُقدَّم إلى القارئ ليس من وجهة نظر خارجياً لكن تجعل القارئ من خلال العالم الذي يقدمه الروائي يتلمس خصوصية المجتمع وهذا ما يقوم به الروائي المتميز وجاء الملتقى في الرواية السعودية من ناحية الشكل بعد الجلبة التي أثارتها العديد من الروايات هنا في المملكة والاتساع الكمي الهائل الذي تحقق على صعيد الإنتاج كل ذلك يدفع إلى توقف نقدي فيه حوار بين الروائيين والنقاد والدارسين من أجل الوصول إلى أفكار دقيقة فيها بحث طويل وتأمل وتقدير للمجهودات التي أنجزت بدون مصادرات وبدون أفكار مسبقة وهذه الملتقيات حين تأتي في هذا الوقت تضع الأمور في نصابها والهدف الارتقاء بلغة الرواية بالإبداع إلى معانقة قضية الإنسان والتعبير عن خصوصيته وبذلك يمكن أن تحتل الرواية السعودية موقعها في خارطة الرواية العربية ولِمَ لا يكون لهذه الرواية حضورها على الصعيد العالمي أيضاً؟! والأسماء التي حفل بها الملتقى من نقاد وروائيين ودارسين لعبت دوراً مهماً في تنوع وتتويج وتثمين هذا المجهود وفي جعل الأمور في الموقع الذي ينبغي أن تحتله بعيداً عن التسرع وبعيداً عن الأفكار الجاهزة.
هل ما زالتْ مستمرة مقولة (إن الشعرَ ديوانُ العربِ)؟ في ظل تنامي عدد الروايات العربية؟
- حتى قديماً لم يكن الشعر ديوان العرب فقط! وهذه المقولة صحيحة وذاعتْ وانتشرتْ ولكن كان هناك ديوان آخر في التراث العربي القديم وأنا دافعتُ عن ذلك في عددٍ من كتبي (قال الراوية) أبرزت فيه أن الديوان العربي لم يكن وحيداً كان وهناك ديوان آخر هو (الخبر) والخبر الذي يقوم على أساسه السرد وظهر لي أن الثقافة العربية على المستوى الأدبي هيمن فيها صوتان: صوت الشاعر وصوت الراوي فالراوي العربي منذ الأسمار التي كانت في العهد الجاهلي إلى المجالس التي كانت إبان تشكل الدول والعواصم العربية إلى الراوي الشعبي الذي كان في حلقات وفي الساحات العمومية مع أبطال المقامات التي تبين نموذجاً لهذه الفضاءات ثم بعد ذلك النصوص السردية الكثيرة التي تركها العربُ تؤكد أن الشعر لم يكن ديوان العرب مطلقاً بل إن الشاعر كان جزءاً أساسياً من ثقافته التي كان يلح عليها النقاد هو أن يكون عالِماً وملِماً بالأخبار لذلك سنجدُ أن جزءاً كبيراً من الشعر العربي في رأيي قائماً على بعدٍ سردي فالشاعرُ منذُ أن يخرج ليقف على الأطلال ويتحرك في الفضاء وينظرُ الساحات (الفضاء الوسع) يصفُ كل شيء فهو راوٍ ولكنه وظّفه الشعر لكي يصف ويسرد ويبكي ويتباكى فهو في كل ذلك لم يكن يعبر عن ذاته لكنه يعبّر عن رؤية شاملة هي الرؤية التي يستوعبها الخبر، فالرواية الغربية من بين النصوص التي اعتمدوا عليها وشكلها هو السرد العربي لذلك سنجد عندما تُرجِمَتْ (ألف ليلة وليلة) في أواخر القرن السابع عشر بداية الثامن عشر له صدى لدى المفكرين والكتّاب والفلاسفة والموسيقيين إلى درجة أن سموها (الليالي العربية) وصارتْ محفزاً ومنشطاً لكثير من الروائيين سواءَ من أوربا أو في أمريكا الجنوبية إلى النصوص العربية السردية خصوصاً كتاب ألف ليلة وليلة فذلك الراوي قديماً شفوياً وصار مع الروائي يكتب الكتابة وبالتالي مثله مثل الراوي القديم الذي ينقل وينظر الأخبار من الثقافة العربية والإسلامية والقصص ومن أيام العرب ويتفاعل مع المحيط الاجتماعي وقد يخترع قصصاً وأخباراً ولكن يحاول من خلالها أن يتفاعل مع المجتمع ويقدمها لنا من منظور سردي ويمكن القول إن ذلك الراوي القديم الذي كان يستعمل البعد الشفوي الروائي يستعمل الكتابة لكنه هل وصل الروائي العربي إلى المستوى الذي كان عليه الراوي القديم؟ هذا هو السؤال الذي يمكن أن نتداوله في ملتقياتنا لأجل نحكم مقولة (أن الروايةً ديوانُ العرب).
هل ظهور الرواية العربية.. يمكن أن تتزعزع مكانة الشعر وتأخره عن انتشار الرواية بدليل اقتحام رواية (بنات الرياض) نموذجا لهذا الانتشار؟
- في الواقع حتى في الغرب اعُتِبرتْ الرواية التي تكتب من المنظِّرين الذين نظَّروا للرواية في العصر الحديث كانوا يقولون (إن الرواية هي مرحلة العصر الحديث وملحمته) ففي المجتمعات القديمة قد احتاجتْ إلى الملاحم التي فيها صراع بين الخير والشر ورغبة الإنسان في التحرر من سيطرة الكائنات التي كان يتخيلها ويعطيها أساساً لهذا الكون فالرواية الآن أصبحتْ الشكل التعبيري الذي يعبرون بصورة أدق عن حياة الإنسان لأنها تبنى على اللغة البسيطة ولا تحتاج إلى تلك اللغة الشعرية القائمة على أوزان أو على سجع.. وتتفاعل لغة الناس وتسعى لتعبير عن حياتهم اليومية فلا بد أن ترتبط بشروط حديثة ظهور المدينة ووسائل الإعلام ووسائل النشر ارتبطتْ بالمجتمع وانتقل إلى مرحلة أخرى تشكلتْ في العصر الصناعي وتم تجاوز الأشكال السردية القديمة والحكايات العجيبة للسرد الشفوي بدل أن ينظر ذلك الراوي الشعبي الذي يروي حكاية ويتم تداولها وكل واحد يضيف لها شيئاً دون في النهاية أن تعرف من القائل؟ فمع الرواية أصبح لدينا أديب له اسم وموقع يتخيل ويتفاعل مع الواقع ويعبر عنه فالرواية صارتْ أكثر جماهيرية ولا يمكن أن يكتبها الأديبُ، بل المحامي والطبيب.. وفي أوروبا واحدة من أهم الجوائز في فرنسا (الكن كورد) للرواية وهي تقام سنوياً وفي إحدى جوائزها نالها شخص بائع جرائد وهذ دليل على أن الرواية عي تعبير عن المجتمع تثيره الجزئيات والتفاصيل ويسعى إلى إشراك الناس في معرفتهم بالمجتمع أما الشاعرُ فيشرك الآخرين في أحاسيسه وانفعالاته مع العالم الشخصي بينما الشخص العادي لا يشرك الآخرين لكنه قابل لأن يتفاعل مع الإنتاج الذي يقدم له شخصاً آخر هو الشاعر أو هو الروائي ما دام ذلك الشخص لم ينجح في التعبير عن أحاسيسه وانفعالاته، فالرواية أصبحتْ تغذي هذه الأحاسيس وهذه المشاعر وبدأ الشعرُ يتقهقر وكل عصرٍ يخلق له أدواته اليومية للحياة ويخلق له أشكاله التعبيرية الجديدة كتطور الهاتف إلى المحمول والآن مع الإنترنت، فالرواية تتعدى البعد الكتابي إلى الثقافة البصرية بمعنى أن الرواية قابلة أن تقرأ على الشاشة وستوظف علامات أخرى غير العلامة اللغوية ستوظف الصورة والصوت وسيكون البعد فيها بصرياً وبذلك وهذه الأدوات يكشف أحاسيسه وتجعلها قابلة لأن تتحقق من خلال هذه الوسائط.
وماذا يا دكتور سعيد حول اختلاط الرواية مع السيرة الذاتية، ومِنْ الصعب على القارئ.. استكناه جنسها؟
- الرواية العربية لم تتطور ما لم تتطور الأنواع الروائية فلا يكفي أن تكتب رواية لأقول أنك روائي!! فمثلاً لو كُتِبَ رواية تاريخية لا بد أن نحاسبه ونقول له: إنك على مستوى الشكلِ لم تحترم قواعد الرواية التاريخية ونفس الشيء عندما يكتبُ السيرة الذاتية نقول له: هل التزمت فعلاً بهذه القواعد؟! لأن الروائي في عالمنا العربي - وهذا نشاز بالمقارنة بالرواية الأوربية - يقول إنني أكتبُ رواية فقط لذلك فهو يمكن أن يوظف بنيات من التاريخ وأشياء من السيرة الذاتية دون أن يؤكد أنه يكتب وفق قواعد هذا النوع أو قواعد النوع الآخر لذلك هذه الظاهرة ليست موجود عند الروائيين السعوديين والمغاربة، بل كثير من الناس يكتبون فقط سيرة ذاتية وبما أنه لا يجرؤ على كتابة سيرة ذاتية بمواصفاتها التي يتطلبها المجتمع فإنه يدخل أشياء خيالية ويقول إنه لا يكتب سيرة ذاتية بل أكتب رواية؟! وهذا بطبيعة الحال يؤدي إلى نوعٍ التباس بمعنى أين حدود الذاتي وحدود الواقعي وصار المفهوم شائعاً في المغرب وهو (التخييل الذاتي) والمقصود يكتب سيرة ذاتية ويدخل عليها عناصر خيالية متخيلة ويقول إنها رواية فلا بد أن نضع حدوداً لتفريق بين الرواية والسيرة الذاتية وإلا إي شخص عنده قصة حياة ويقدمه قصة حياته ولكن سنحاسبه على أساس ماذا؟! على أساس أنه يكتبُ رواية أو سيرة ذاتية؟! فهذا الخلط يبدو لي أنه مؤقت وأنه في وقت ما سيتم تجاوزه لأنه في النهاية سيظهر لنا من هو الذي حاول أن يكتب سيرة ذاتية ولكنه حاول أن يوهمنا بأنه يكتب رواية ومن يكتب رواية فعلاً! لأن من يكتب عن سيرة ذاتية سينضب كل ما لديه من قصص وسيكون عمله عملاً وحيداً وبالتالي لا يمكنه أن ينتج ثلاثاً أو أربعاً من الروايات وهذا ما وقع فيه كثير من المغرب كتبوا السيرة الذاتية الروائية ولكن كان هذا النص الأول والأخير لأنه لا يمكن أن يخترع حياةَ أخرى! فإذا نجح أن يخترع حياةَ أخرى فنقول أنه روائي فعلاً فإذا ظل أن يأخذ من رصيد حياته الخاص فهذا الرصيد ممكن أن سينفذه في العمل الأول الذي كتبه.
دكتور: سعيد.. هل لدينا أزمة نص أم أزمة نقد؟
- أنا لا أصل بالأمور إلى مسألة لأزمة! لكن تحول إبداعنا النصي وإبداعنا النقدي هو بطيء وبطيء جدا! وذلك راجع لأسباب كثير وكثيرة جداً. وختم يقطن حوارنا الشيق معه حول تعدد المدارس النقدية الحديثة ودلل بقوة البحث الذي تطرقتْ إليه الباحثة نورة القحطاني حينما أوردتْ مدرسة (ثقافة الخوف) من خلال تتبع مفردات الخوف وتجلياته في روايتين سعوديتين منها الفردوس اليباب لليلى والقارورة للمحيميد.