لا أعرف لماذا نربط التجديد بالأجيال الجديدة أوالشابة، وهل هذا يعني أن الأجيال الأقدم ليس لها في ذلك من شيء؟ أو أن نتاجها هو نتاج مستهلك.
الواقع وعلى مستوى التجربة التشكيلية في المملكة فإني أرى أنها بشكل عام ومن خلال معظم رموزها هي تجربة شابة لا تنقصها الجرأة، تبحث عن جديد وعما هو مغاير، ويتمثل ذلك على مستوى الأجيال جميعها ابتداء بالجيل الأول وأسمائه وليس انتهاء بمن تلاه.
لاشك أننا تابعنا بعض المستجدات على مستوى التجربة من خلال العروض العديدة الأخيرة، لكن الأسماء الأولى كانت لها محاولاتها المبكرة نحو الأخذ بالتجديد وعدم الركون لما هو يحاكي أو يماثل، وأذكر على سبيل المثال الفنان الراحل عبدالحليم رضوي فهو منذ بدأ العرض وسعيه دؤوب لتقديم ما هو أحدث وأصيل أيضاً.
عدد من الأسماء التالية كانت تسعى للبحث فيما هو أكثر تمييزاً وبالتالي كانت مساعي عدد من الفنانين في تحولاتهم الفنية نحو تلك الروح التي تستلهم بدل أن تنقل أو تكرر.
الفنانة منيرة موصلي ومن خلال عروضها العديدة كانت تطرح أفكاراً تجديدية من خلال صيغ مجردة تحمل تعبيراتها وخاماتها وتقنياتها، واستعادة لبعض المشاركات الثمانينية فإن عملها الفني تحول إلى خامة جديدة وألوان متنوعة وصيغة غير مألوفة هي مزيج من التعبير والعفوية المقننة الخاضعة لأسس اللوحة وعندما استغرقت في هذا التوجه وظّفت خاماتها وموادها لتحقيق نتيجتها الجديدة، هي في هذا السياق اشتغلت على أفكار مختلفة بينها الجداري واستعادة أعمال الواسطي واستعارة مفردات ذات دلالة تاريخية، وغيرها ساعية إلى تأكيد العلاقة الفنية بالحياة ومتغيراتها وبالإنسان في جوانب متعددة من علاقته بالإنسان، كانت تتجه لذلك بصيغ تسعى من خلالها تحقيق فكرتها الفنية، وأعمال هذه الفنانة الرائدة يغلب فيها الطابع الإنساني فهي شديدة التعاطف مع القضايا القومية والأحداث، وما يمس الإنسان في أي من أرجاء المعمورة.
الفنان بكر شيخون وهو ممن بدأوا أواخر الستينات حيث تخرج من معهد التربية الفنية خاض صيغ جديدة مكنته من الوصول إلى مساع فنية للتحول من اللوحة المعلقة إلى العمل النحتي إلى الفكرة وفنون المفاهيمية وصيغها، فعمله السلم المقلوب في بينالي الشارقة ومعارض أخرى يحمل دلالة التحديث والسعي لمواكبة المتغير الفني على مستوى العالم العربي على الأقل وهو عندما واصل التجربة بأعمال أخرى تطرح فكره المفاهيمي فإنه يقدمها ضمن السياقات الجديدة التي تقدمها البيناليات المشجعة على ذلك.
فنانون آخرون مثل د. صالح الزاير الذي يتبنى العمل الخزفي ووفق أفكار يوظف فيها الصوت بجانب العمل فهو في آخر العروض التي قدمها في الرياض ضمن معرض أعمال ثلاثية الأبعاد يسعى لطرح فكرة تضيف العرض التلفزيوني كما كانت من قبل بعض أعماله التجسيمية التي تألفت من قطع مختلفة لها من جانب هيئتها الإنسانية وتعبير عنها.
أسماء أخرى من جيل لاحق بينها الفنان مهدي الجريبي الذي سعى للتعبير عن اختلافه وتوجهه نحو الخامة والصيغة لعمل يتجه للفكرة الفنية وخروجاً عن إطار اللوحة الصباغية التي تعامل معها مبكراً، وإحالتنا بعض تجريباته إلى الارتباط الضمني بذاكرة الفنان عندما أحالنا في أحد عروضه إلى ذاكرة طفولية.
حالة من التجديد شاركت فيها كل الأجيال وسعيا للتغيير لم يجد من يشجعه سوى القلة من الجهات التي دعمت على سبيل المثال مشروع الجريبي أو فيصل السمرة الفنان الذي خضعت أعماله إلى تحولات سريعة نحو أعمال المفهوم أو الفيديو أو غيرهما مما يضعه في سياق أكثر التشكيليين السعوديين تجاوزا للسائد وأشير إلى المنصورية للثقافة والإبداع التي لم تزل الجهة الأكثر سعياً لدعم التجارب الجديدة سواء الشبابية أو من الجيل الأسبق.
أسماء عديدة أخرى تتجه بأعمالها إلى الحداثة الفنية والسعي للتغيير وفق مفاهيم مختلفة جميعها تتبنى فكراً تجديدياً لم تزل إضافة في ساحة ثرية بالأسماء والمحاولات الجادة، وهي لا تقتصر على الأجيال الشابة أو الجديدة لأننا سنجد الفنانين الأكثر خبرة لديهم القدرة على خوض تجارب تحديثية أردنا الإشارة إلى قليل منها.
الدمام
aalsoliman@hotmail.com