قال لي وزير ثقافة سابق بصوت مرتعش: يحلو للناس التحدث عن تأثير كرسي الوزير على الوزير، ويزعمون أنه يجعله ينسى مبادئه وأهله وطفولته ومسقط رأسه، فيصبح هدفه الوحيد الحفاظ على الكرسي وأمجاده ومغانمه، ولكنّهم لا يتحدثون عن تأثير كرسيّ الوزير على الناس مع أن التأثير الأول يكشف حقيقة شخص واحد ويدين فرداً واحداً بينما التأثير الثاني يكشف مجتمعاً ويدين قبائل من المرائين.

عندما كنت أقعد على كرسي الوزير، كانت الصحافة تراني عبقريّاً قلما يجود الزمان بمثله. وما إن تركت كرسي الوزير حتى صار اسمي صالحاً لأن يذكر في صفحة الوفيات فقط ولمرة واحدة.

عندما كنت أقعد على كرسي الوزير، كان الناس يتسابقون على خدمتي، ولكن كرسي الوزير عندما هرب مني أصبح الناس أنفسهم يتأففون إذا حاولت خدمتهم، ويتلفتون فيما حولهم آملين ألاّ يكون ثمة شاهد على ما يحلّ بهم من هوان.

عندما كنت أقعد على كرسي الوزير، كانت الأديبات موشكات على أن يغمى عليهن بسبب رجولتي النادرة ووسامتي وجاذبيتي الآسرة الساحرة، وما إن تخلى عنيّ كرسي الوزير حتى صرت سمجاً لا يعرف حدوده وقرداً يظن أنه غزال.

عندما كنت أقعد على كرسي الوزير، كنت محروماً من السهر ليلة واحدة بمفردي، وأحتار كيف ألبيّ الدعوات، ولكني عندما طار مني كرسي الوزير صرت لا أتلقى دعوة حتى ولو إلى حفلة ختان. عندما كنت أقعد على كرسي الوزير، كانت الصحف والمجلات تتسابق على الفوز بحديث من أحاديثي، وتتباهى بنشر صوري، ولكني عندما هجرني كرسي الوزير صارت تلك الصحف والمجلات نفسها تتهرب من نشر حرف عني، ولن تنشر نبأ وفاتي إلاّ بوصفه إعلاناً باهظ الأجر. عندما كنت أقعد على كرسي الوزير، كانت زوجتي تحمد الله باستمرار لأنه وهبها أفضل زوج في العالم، وما إن تلاشى كرسي الوزير من حياتنا الزوجيّة حتى صارت تحسد المطلقات والعوانس.

عندما كنت أقعد على كرسي الوزير، كان أولادي يتفاخرون أمام أصدقائهم بأني أبوهم وبأنهم أبنائي، ولكنهم عندما طردت من كرسي الوزير شرعوا يتحدثون عني كأني ميت تأخر دفنه.

عندما كنت أقعد على كرسي الوزير، كنت مهاباً ذا سطوة، وما إن أضعت كرسي الوزير حتى تكاثرت الكلاب النابحة عليّ بشراسة، ولا عزاء لي سوى أن الذباب وحده لم يتبدل، ومازال يحطّ عليّ بلهفة كأني طبق عسل.