يستشرف الشاعر رائد الجشي من خلال ديوانه "شظايا عشق" حقيقة الوجود الإنساني الذي بات فيما يبدو في مهب الريح، إذ ندرك جلياً في هذه المقاربة حول قصائد هذا الديوان أن الحالة الإنسانية هي التي تحضر بقوة وتسيطر على منافذ الرؤية للشاعر ورؤاه، حيث يسكنه الحنين إلى بناء معادلة جمالية تورق أشجارها في القلب والعقل معاً.
فالشاعر الجشي ينزع في قصائده إلى بناء هذه الرؤية، إلا أنه لا يتخلى عن هدوئه والبحث عن جدل مقنع يقيم فرضيات العلاقة بين الإنسان ومن حوله من خلال تحريك البناء الوجداني الذي يسكنه ويؤسس فكرة الشاعر حينما يتمثل الأشياء.
فحينما يتصدى الشاعر إلى العلاقات الاجتماعية بين أطياف المجتمع من خلال قصيدته "حين تكون القصيدة أنثى" يستشعر الجشي أهمية وفاعلية إدانة الواقع الاجتماعي الذي يتهم بأنه هو من قوّض هذه الأبنية المعنوية بين الناس لا سيما بين الشاعر ومن يحب ويألف:
"وحين تكون القصيدة
أنثى
أكون المداد
أكون الضياء
وحين تكون القصيدة (أنت)
أكون الغرام النزيف الشهيد"
فالقصيدة إرهاصة أولى لبناء علاقة متوترة بين الشاعر ومحيطه لا سيما حينما يثور الشاعر على الأحلام المؤجلة في قصيدته "ماء على الماء" حيث يستشعر الجشي أن الماء المتمثل في الخليج لا بد من مناجزة إرهاصاته المتفاقمة ضد الجمال الذي يراه الآن مرتهناً للنزوة والصدفة والتحول المادي الصرف.
فالشاعر يثق بالحوار الهادئ والجدل الواقعي حينما يختزل في القصائد هم الإنسان الذي يسكنه الوعي ويبدد قتامة الأشياء ببوح جمالي يُقِيل عِثَار الرؤية من مهاوي التردي وهذا ما سعى إليه في هذه التجليات.
ديوان شظايا العشق تضع القصائد واحدة تلو الأخرى في مهب رياح الوجد واللوعة .. شأنها بذلك شأن الكثير من القصائد منذ المتنبي إلى زمن رائد الجشي، فالقصيدة درجت على تمثل اختزالاتها الآنية للتجربة برؤية أليمة تشحذ همم الخلائق أن يكونوا أكثر إنسانية وأكثر جمالية في التلقي والتأمل للحياة.
فقد عهد الشاعر إلى أن يستشعر الفارق الواضح بين القصيدة وبين المجتمع فلا يجد غير الأنثى وسيلة لأن تعبر الرؤية، فالمرأة هي رسول القصائد وسفيرة النوايا المجنحة .. تلك التي قد لا تجد في الغالب الأعم آذاناً صاغية، حيث بات الزمن غير آبه بالشعور وبالمشاعر لكن الشاعر ظل على أمل ووعد بأن تتحول الحياة نحو الجمال حتى وإن ضاقت الدروب بالشاعر وقصائده.
لا بد لنا من التأكيد أو الافتراض اليقيني بأن على القارئ لديوان "شظايا عشق" أن يستشعر حالة الوعي الحاد في الديوان، إذ جاءت كل قصيدة من القصائد على هيئة بيان إنساني خالص يسعى إلى المكاشفة لكنه لا يجابه أو يصادم على غرار بعض القصائد التي تثور لمجرد الثوران، فالشاعر الجشي في هذا الديوان ظل وفياً لنظرة الوعي وتلمس الحلول بأكثر الوسائل رقياً لأنه لا يمتلك سوى الشعر، وسلاح الشعر لديه جمالي؛ يعالج ولا يجرح:
مري على ما تبقى من جراحاتي
طيفاً من الحلم يا أحلام آهاتي
يا قصة البوح في تاريخ مملكتي
وبدعة الحب في لحني وأبياتي
رحلة القصائد إذن مزيج بين خضل مودة وعاطفة وتنوير إنساني واع يدرك أن قوس الشعر لا يزال فيه منزع، فهاهو يصوبه نحو فؤاد الحقيقة لتتناغم المقولات مع الرؤى، مكونة هذا المزيج الشعري الجميل.
إشارة:
شظايا عشق (ديوان)
رائد أنيس الجشي
أدبي المنطقة الشرقية (ط1) 2009م
يقع الديوان في نحو 120صفحة من القطع المتوسط
لوحة غلاف الديوان للفنان عبدالعظيم الضامن