ورد إلي بالبريد الشبكي سؤال عن فاعل الفعل (منع) الوارد في قوله تعالى ?قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِين?ٍ (12) سورة الأعراف، وجملة الإشكال عند السائل تدور حول إمكان مجيء الفاعل ظاهرا، ثم حيرة السائل في تقدير الفاعل إن كان ضميرا، أيقدر ب(هو) أم يقدر ب(أنت)؟ وعلى الرغم من مخالفتي للقدماء في طريقة إعراب جملة الاستفهام أجبته بما لعلهم يجيبون به، فبينت أن فاعل هذا الفعل لا يمكن أن يكون ظاهرًا؛ لأن (ما) سؤال عن الفاعل، وإنما تعرب مبتدأ لتصدرها وتقدمها على الفعل، وبينت أن الضمير يجب أن يكون (هو) ليعود إلى (ما) فيربط جملة الخبر بالمبتدأ، ولا معنى لتقديره بالضمير (أنت)؛ لأن المخاطب ليس فاعلاً للفعل (منع) بل هو مفعول به، وآية ذلك اتصال ضميره (ك) بالفعل، ولا يكون الفاعل والمفعول لشخص واحد إلا في الأفعال القلبية مثل (أظنني مهتما بأمره). وكان يمكن أن ينتهي الأمر إلى هنا، ولكن السائل عاود المراجعة برسائل متعددة ففاجأني بأنه قرأ لمن يقدر الفاعل بالضمير (أنت)، وهذا نص رسالته "هذا اقتباس من إعراب الدكتور مسعد زياد لقوله تعالى:{ما منعكَ ألا تسجدَ} وقد قدّر الضمير ب(أنت) وقال بوجوب استتاره: (ما: استفهامية في محل رفع مبتدأ، منعك: فعل ماض وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: أنت. والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب مفعول به. والجملة الفعلية في محل رفع خبر)". ثم ذكر الموقع الشبكي الوارد فيه الإعراب.
http://www.drmosad.com/index35.htm
وكتبت ردّاً إلى السائل بينت فيه أن قول الدكتور مسعد وهمٌ في إعرابه، ثم عاود السائل يريد استفتاء كتب التفسير وأعاريب القرآن، وتبين بالبحث أن مثل هذه المسألة السهلة تكاد لا تستوقف أصحاب تلك الكتب على طولها، وبالبحث وجدت من المحدثين من وقع في الوهم أيضًا، وهو قاسم حميدان دعاس في كتابه (إعراب القرآن الكريم) الذي نشرته دار المنير دار الفارابى في دمشق، سنة 1425م، وهذا نص ما جاء عنده" "قالَ" الجملة مستأنفة "ما مَنَعَكَ" ما اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، منعك فعل ماض ومفعوله وفاعله أنت والجملة في محل رفع خبر").1: 352)، وربما اعتمد الدكتور مسعد على دعاس في إعرابه. وأما القدماء فوجدت مكي بن أبي طالب القيسي قد بيّن الإعراب بوضوح في كتابه (مشكل إعراب القرآن)، تحقيق: حاتم صالح الضامن، نشرته مؤسسة الرسالة في بيروت، 1405م، قال:"قوله ما منعك ألا تسجد، ما استفهام معناه الإنكار وهي رفع بالابتداء وما بعدها خبرها وأن في موضع نصب بمنعك مفعول بها ولا زائدة والتقدير أي شيء منعك من السجود ففي منعك ضمير الفاعل يعود على ما" (1: 284).
وهذا الذي وجدته من وهم من يعربون القرآن من المحدثين هو ما دعاني للكتابة ليتبين للقارئ أنّ نشر الكتاب لا يكفل له الدقة أو الصواب، والخطأ مذموم في الكتب السائرة؛ ولكنه محرم في إعراب القرآن ما لم يكن المعرب له رأي تسنده الحجة.
الرياض