قبل أسبوع كنت في نقاش مع زميلات لي حول موضوع مقترح من إحدى الباحثات، تحدثنا خلاله مع الباحثة حول أهمية تجنب النسخ واللصق كي تكون دراستها أكثر قيمة، فاعترضت بقولها إن كتاباتها ليست من هذا النوع، على أساس أنها بحثت بنفسها ونسبت المعلومات إلى مصادرها!.. وفي حديثها هذا تكمن المشكلة في ثقافتنا العربية، حيث أصبحنا لا نعي ماهية النسخ واللصق، بل لا نستطع التعبير أو التفكير أو إبداء الرأي الشخصي والتحليل المنطلق من قناعتنا وقراءتنا في كتابتنا سواء أكانت بحوثاً علمية أو مقالات أو دراسات أو كتباً أو أي صيغة أخرى للمنشورات مما يقع تحت مظلة (الإبداع اللغوي) أو حتى مخرجاتنا البصرية الفنية (الإبداع الفني).
وربما سمة النسخ متوارثة فينا كعرب منذ فترات مبكرة تاريخياً، وهو ما لمسته شخصياً في نماذج من فنون ما قبل الإسلام في الجزيرة العربية، ففيها نجد البعض وليس الكل بطبيعة الحال عبارة عن إعادة اجترار أو مستنسخات لأعمال فنية أخرى تتبع الفكر اليوناني والهلينستي تحديداً، علما بأن الفنون اليونانية كانت في بدايتها استنساخ ونقل للفنون المصرية القديمة، إلا أنها نمت من خلال هضم سمات المصدر وإعادة صياغة الشكل تبعاً للمضمون النابع من ثقافة المنطقة، مما أدى إلى ظهور حضارة وفنون وفلسفة لا تزال مؤثرة حتى يومنا هذا.. وحتى لو اعترض أحدهم على ثقافتنا وتاريخنا.. مستشهداً بالنهضة التي شهدها العالم الإسلامي في العلوم والفنون في العصر الذهبي، إلا أننا لا نستطيع أن نجزم بأن خلف هذا الإبداع عرباً!، كما لا يستطيع أحدهم أن ينفي حقيقة نمو تلك الحضارة خارج حدود الجزيرة العربية في عواصم مثل دمشق والقاهرة والقيروان ومدن أخرى في فارس والمغرب العربي.
ومما يزيدني ألماً على ثقافة النسخ واللصق المنتشرة اليوم، أننا لا ننقدها، بل على العكس نقوم بتمجيدها من مبدأ (النقل المحمود) لدرجة تُباع فيها بعض المنشورات (المستنسخة) بالآلاف أو أكثر!، ويُدعى «مؤلفها» مبدع! فقط لإبداعه في النقل والنسخ مع قدرته وموهبته الفذة في إعادة الصياغة شكلاً لا مضموناً!!، وكأن إعادة الصياغة بهذا الأسلوب هي الإبداع!.
فهل كُتب لنا كعرب أن نكون من «حاملي الأسفار»؟.. وهل إبداعنا كامن فقط في أسلوب النقل؟.. هل هي جيناتنا أم تأثير البيئة الصحراوية أم أن هناك أسباباً أخرى لا نعلمها؟ وهل هناك حلول؟ هل الهجرات والتزاوج مع الأعراق الأخرى حل مناسب قد يساهم في التغيير على مدى أجيال؟ أم الاحتكاك والهجرة المؤقتة كفيلان بهذا التغيير في الوقت الراهن؟
وحتى يتم حل تلك المعضلة، أوجه ندائي لكل عربي: «ابشر بطول سلامة» يا عربي، لا تثقل رأسك وتجعل ضميرك يتيقظ بين الحينة والأخرى لتأنيبك.. أو مذكراً إياك بأهمية الإبداع والابتكار، فلا يجب عليك أن تكون أفضل من أسلافك، وربما لن تكون، ربما سنظل أمة ناسخة ناقلة لا أمة مبدعة، وسنبقى نتفاخر بلغة الضاد فقط.. والتي قد تسقط هي أيضاً قريباً ونسقط معها.
****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتبة 7816 ثم أرسلها إلى الكود 82244
الرياض