قبل عشرة أعوام تقريباً، أي بعد وفاة نزار قباني بعامين أو ثلاثة، كتب الصديق اللبناني الأستاذ لامع الحر في زاويته بمجلة (الشراع) البيروتية مقالة يطالب فيها المسؤولين في لبنان بتسمية أحد شوارع بيروت على اسم الراحل الكبير.. فهاتفته من الرياض وأخبرته أن على الطريق المؤدية إلى المطعم البيروتي الذي تناولنا فيه الغداء والعشاء أكثر من مرة يكمن شارعٌ نمرُّ به في كلّ مرّة اسمه - بحسب اللوحة المثبتة على رصيفه: (شارع نزار قباني)!
طبعاً كان الصديق لامع في غاية الإحراج لأنّ الشارع في مدينته وعلى مقربة من مقر مجلته ولم ينتبه لاسمه الذي طالب بإيجاده في مقالته؛ وقد تذكّرتُ هذه الواقعة وأنا أطالع الخبر المنشور في صحيفة الجزيرة - الصفحة الثقافية يوم الاثنين 18 شوال 1431هـ وكان هذا نصّ مطلع الخبر: (بعد وفاة معالي الشاعر والروائي والمفكر والوزير والسفير الدكتور غازي القصيبي.. بادرت الرياض.. بتوجيه صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز.. بإطلاق اسم القصيبي على أحد شوارع مدينة الرياض.. في إشارة بليغة إلى الوفاء الكبير الذي يحمله الوطن لابن الوطن..)
أقولُ: تذكرتُ تلك الواقعة وأنا أطالع هذا الخبر، ذلك لأن في الحفل الذي أقامته هذه الصحيفة (الجزيرة) في مركز الملك فهد الثقافي ليلة الأحد 21-2-2010 احتفاءً بصدور كتاب (الاستثناء) - أثناء تواجد القصيبي في أحد مستشفيات الولايات المتحدة لتلقي العلاج، رحمة الله عليه - وكان في نهاية الحفل برنامج إذاعيّ بُثّ من المركز الثقافي مباشرة استضاف الأساتذة: سعد البواردي وعبد الله الزيد وحمد العسعوس وفوزية أبو خالد وكنتُ من ضمنهم فقلتُ في آخر حديثي: أتمنى أن أسير في شارع من شوارع مدينة الرياض اسمه (شارع غازي القصيبي)..
وبعد انتهاء المقابلة فوجئتُ بأحد الأصدقاء - أحتفظ باسمه لتجنب إحراجه! - يؤكّد لي أنّني أطلبُ موجوداً أصلاً، وأنّ من بين شوارع الرياض يوجد شارع باسم (القصيبي) غير أنه فرعيّ وغير معروف!
كدتُ أن أصدّقه، لأنّ مثل ذلك يحدث دائماً، ففي دراسة الصديق د. عبد الله الحيدري ذكر شيئاً مشابهاً لذلك عن شارع حسين سرحان.. إذ كان الشارع بمثابة زقاق صغير في مكة المكرمة ولا يكاد يعرف اسمه الساكنون فيه بجوار الشاعر الكبير - قبيل وفاته، رحمه الله.
غير أنّ الخبر المنشور حديثاً أكّد أن شارعاً باسم القصيبي لم يكن إلاّ بعد وفاته، رحمه الله، وعلى هذا تكون الأمنيات والتطلعات أن نراه شارعاً كبيراً ممتداً كما كان وسيظل صاحب الاسم.. فشكراً للوفاء إذْ يفي بتحقيق بعض ما يستحقه العظماء..
وسأظلّ أتمنى إعادة النظر في تسمية كمٍّ هائلٍ من شوارعنا، فلدينا من الأسماء الكبيرة لمبدعين مؤثرين في عصرنا ما هو أجدى من بعض الأسماء الكثيرة التي نجترها من هوامش التاريخ أو الجغرافيا دون أن يكون لها أدنى أثر في زمانها ومكانها ناهيك عن زماننا ومكاننا..!
الشعراء والأدباء والمبدعون هم نبض الشوارع، وشعراؤنا وأدباؤنا ومبدعونا هم الأولى بأسماء شوارعنا، فإن لم يتسن ذلك في حياتهم فالوفاء به بعد وفاتهم قد يكون له الأثر العميق من العزاء والعرفان..
ffnff69@hotmail.com
القاهرة