لعل الإجازة تكون من أكثر المواسم للقارئ النهم لارتياد المكتبات حيث الوقت المتاح تعدد الأماكن وتوالي الإصدارات وزيارات المدن, ومن هنا كانت لي مشاهد ورؤى حيث أن من أكثر الأشياء التي أمارسها بعد اقتنائي للكتب وتصفحي لها في أماكن الجلوس المخصصة (ليس في الممرات الضيقة) أن آخذ بجولة بصرية وتأملية على مرتادي المكتبة من أعمارهم, أجناسهم، جنسياتهم, أعدادهم, وألحظ أكثر الأقسام ازدحاما وهنا لي وقفات ووقفات! حيث أن هناك أقسام كما لو أن الصورة توقفت على حالها منذ دهر من الزمان، يشح الأفذاذ فيها القادرين نتاجا ولا أعلم لما لا تحرك مثل هذه الصور غيرتهم عليها كي يجددوا ويسهموا في ثرائها بأسلوب يتناسب مع إنسان هذا الزمان ومتطلباته، وفي جانب آخر تستمع لأكثر الكتب استفسارا عن تواجدها.. إلا أن من بين هذه المشاهد مشاهد أكثر تسترعي الانتباه منها اختلاف أعداد وأعمار المقبلين على المكتبات باختلاف المدن حيث يظهر فيهم غراس بذور أهلها ثقافيا وكذلك ألحظ الكثير ممن يأتي ويتصفح الكتب ويقرأ طويلا بعمق إلا أنه يخرج خالي اليدين وهذا يتكرر في أمر أكثر الكتب مبيعا وتعلو قيمتها المادية أو في الكتب التي تصنع ضجيجا رغبة في مواكبة الحديث عنها ثم تظهر الرغبة بعدم الاحتفاظ بها.. أو سرعة الحكم عليها. وعلى أي حال كان الأمر من أولئك المتصفحين للكتب لرغبتهم بالاطلاع السريع يتقافز سؤال لماذا لم يسلكوا الطريق للمكتبات العامة؟ وهذا تساؤل لعل مكتباتنا العامة وهي الحاضنة الأولى أن توليه أهميتها من خلال الجانب الإعلاني فليس الغرض هنا تسويقا ماديا وإنما تحفيزا للقراءة ولتهتف الأرواح وترتقي باطلاعها ولكي تستمد العقول منها مشاعلا لا يخبو ضياؤها فمن غير الجدير أن تقتصر جهودها على صفحات الصحف وجهود مراسليها أو تقف على صفحات مواقعها المنسية على الشبكة العنكبوتية التي تمضي الشهور ولم يتم تجديدها، الذي يتعطش له مجتمعنا المنفتح للتلقي حاضرا أن يعرَّف بالجديد ويدعى للإطلاع عليه بإعلانات عصرية متوالية و تنظيمات دائمة للندوات العالمية والمحاضرات واللقاءات الدورية. والدورات من منبعها الأصلي، وأن يتم توجيه دعوات مباشرة وإجبارية للمدارس والكليات والجامعات وأن لا تنتظر فقط الطلبات فتكدس الكتب ولا تتصفح إلا بغرض الدراسة وكم نحبذ أن لا نرى البون الشاسع بين المكتبات الوطنية ففي بعضها الحراك الدائم والذي نفخر به وهناك.
من يبدو أنه يشكو سباتا مميتا!!
خلاصة الحبر: كلما قرأنا.. تكاتفنا أكثر.
البكيرية