القاهرة - مكتب الجزيرة - فاطمة الزهراء محمد
لا يعرف عالم الشعر العربي المعاصر شاعراً أثار من حوله غبار المعارك مثلما فعل هو وحده أيضا وبمفرده يمثل قامة شعرية عالية في فضاء الشعر وفي سماء النقد، لهذا يعتبره الكثيرون شاعرا أدواته الشعرية أعمق، وناقدا تجربته النقدية أكثر عمقا، وهو بينهما يعتبر نفسه غامضا في مجازات الوضوح.. إنه الشاعر والناقد أحمد عبد المعطي حجازي، الذي التقته (الجزيرة) بالقاهرة وكان معه هذا الحوار:
لنبدأ من النهاية -أزمة مجلة إبداع- وتفاصيلها في عيون أحمد عبد المعطي حجازي؟
- مجلة إبداع كانت تصدر شهريا وتوقفت لعدة أسباب خاصة بالمؤسسة التي تصدرها، وهي الهيئة المصرية العامة للكتاب ثم عادت للصدور من حوالي عامين لكنها أصبحت مجلة فصلية تصدر كل ثلاثة أشهر. لكن ما يخص القضية التي رفعها أحدهم على المجلة أثناء نشرها لقصيدة اعتبرها هذا المدعي أنها مسيئة للعقائد الدينية وهذا كلام غير صحيح، لكن المجلة سوف تعود مرة أخرى للصدور مرة كل شهر وهذا هو الاتفاق الذي توصلنا إليه مع د. محمد صابر عرب رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب.
ربما أحد المشاهد يتعلق بالخيط الرفيع بين حرية الإبداع والمعتقد.. فكيف يمكن أن نحفظ للإبداع حريته دون المساس بالثوابت ؟!
- حرية الإبداع لا بد أن تكون أيضا من الثوابت فلماذا يجب أن يكون المبدع حرا حتى يستطيع أن يؤدي واجبه.
ما هو المطلوب من المبدع إذن ؟
- المطلوب أن يقدم المبدع أشياء لا يقدمها غيره، ويجب أن يبتكر ويبحث عن العمل الذي لم يسبقه أحد إليه، ولكي يستطيع المبدع أن يقدم عملا غير مسبوق يجب أن يكون حرا، لأن المبدع إذا كان مقيدا من البداية برقابة داخلية فلن يبدع شيئا وهذا هو ما حدث في العالم كله في عصور الظلام، وعندما نتحدث عن العصور الوسطى نتحدث عن الموانع والمحظورات التي كانت تحول بين الناس وبين أن يفكروا بحرية سواء في الفن أو العلم والأدب، عندما كان جاليليو يقول: إن الشمس لا تدور حول الأرض وإن الأرض هي التي تدور حول الشمس كان رجال الدين يقولون له لا بد أن تحترم الثوابت، والثوابت في نظرهم كانت عكس ما يقول بها العلم وعلى هذا توقف التفكير قرونا حتى استطاع المفكرون والعلماء والفنانون أن يعلنوا اكتشافاتهم ويدافعوا عنها، إلى أن بدأ المجتمع يطور نفسه ليصبح قادرا على التمييز، لذلك يجب ألا يؤخذ الشعر على أنه نص فقهي بل الشعر له طريقة يجب أن يقرأ بها وهي المجاز ولذلك عندما نقرأ القصيدة والصورة الشعرية يجب أن نقرأها بمنهج التأويل وألا نفهم الكلام بمعناه المباشر كما نفهم على سبيل المثال خبرا أو تحليلا سياسيا منشورا في الصحف وإنما نفهمه بمنطق الشعر.
كيف ترى المشهد الإبداعي حاليا في ظل حالة الارتباك بين المبدع والرقيب ؟
- حقيقة الأمر أن المشهد لا يخلو من صعوبات يواجهها المبدعون لكن الحقيقة أننا الآن في حال أفضل لأن الأدعياء الذين يعلنون أنفسهم مسؤولون عن عقائد الناس ويفتشون في الضمائر ويتكسبون من وراء ذلك هؤلاء أصبحوا مكشوفين أمام الناس، ذلك بالإضافة إلى أن الأدباء والمثقفين أصبحوا أكثر جزءا من الدفاع عن حرية الإبداع وأصبحوا أيضا أقدر على مخاطبة الناس وعلى شرح قضيتهم، وهناك الآن منظمات ومؤسسات تدافع عن حق التفكير والتعبير.
ماذا عن رأيك في علاقة المثقف بالسلطة في العالم العربي؟
- إذا كانت السلطة سلطة ديمقراطية فكل شيء يكون في مكانه، والسلطة الديمقراطية هي التي يختارها الناس لأن السلطة لا ينبغي أن تفرض من خارج المجتمع ولا أن تهبط على الناس؛ لكن الناس كما يقول النص الدستوري «الأمة مصدر السلطات» إذا كانت السلطة قد جاءت من خلال انتخابات نزيهة فهذه السلطة لابد أن تعترف بحق الأمة في محاسبتها ومراقبتها، والمثقف سلطة أخلاقية يحاكم ويحاسب السلطة التنفيذية, الفرق بين المثقف والسياسي أن المثقف ينظر إلى المبادئ والقيم الأساسية والمثل العليا يرعاها ويدافع عنها بينما رجل السياسة ينظر إلى المطالب اليومية فهو مضطر لأن يكون عملياً لأنه يتعامل مع عامة الناس الذين يطلبون اليوم أسعاراً مناسبة للسلع الضرورية تتناسب مع دخلهم وعلى السياسي أن يستجيب ويحقق للناس ما يريدون، فإذا قال السياسي سوف أحسن مستواكم المعيشي شرط أن تتنازلوا عن الحرية أقول له لن أتنازل عن الحرية، بل أذهب أنت وسوف ننتخب آخرين يحققون لي ما أريد لكن بالطرق الشرعية وبما لا يتعارض مع الدستور.
بدأت منذ فترة طويلة حرب شرسة على قصيدة النثر ورغم ذلك انتشرت القصيدة وأصبح لها رموزها مثل محمد الماغوط وأنسي الحاج.. ألا يدفع هذا التمييز إلى مراجعة موقفك من قصيدة النثر؟!
- موقفي من قصيدة النثر أن الشاعر أو من يريد أن يكتب قصيدة النثر فهو حر في أن يكتب ما يشاء لكن الذي يريد أن يكتب ما يشاء يجب أن يعترف بحق الآخرين في أن يتذوقوا ما يكتبه أو لا يتذوقونه، وأنا أقرأ قصيدة النثر فإذا كانت جيدة أشهد بجودتها, لكن أقول ما يلي أنها جيدة من حيث هي قصيدة نثر وليست في نظري شكلاً شعرياً يستطيع أن يدخل في تراث الشعر العربي حتى الآن ربما لا نستطيع أن نتذوقه حتى الآن لكن أعتقد أن الوزن في الشعر ليس رداءً, الشعر لا يكون شعراً ثم بعد ذلك نضعه في الوزن, لكن الوزن هو طريقنا إلى الشعر, فالشاعر لابد أن يستخدم المجاز في الصور والتشبيهات والاستعارات فهذه هي صور المجاز وإلى جانب هذا لابد أن يستخدم الأوزان، إذن علينا أن نحترم حق الناس في أن يكتبوا ما يشاؤون، لكن عليهم أن يحترموا حقي في أن أقرأ بالطريقة التي أقرأ بها وأن أقول هذا شعر يدخل في إطار الشعر وهذا لا.
شعراء قصيدة النثر يتهمونك بأنك استثمرت منصبك في لجنة الشعر في إقصائهم عن محافل الشعر ونظموا ملتقى قصيدة النثر للرد على هذا التهميش ماذا تقول ؟؟
- هذا كلام فارغ فكيف أقصيهم وأنا لا أملك صحيفة ولا مجلة ولا دار نشر، والمجلة التي أرأس تحريرها أنشر فيها قصيدة النثر وهي مجلة «إبداع» واللجنة التي أنا مقرر لها أقترح في عضويتها من يمثلون قصيدة النثر وكان باللجنة محمد الدينصوري وفاطمة قنديل وحلمي سالم وهؤلاء ممن يكتبون قصيدة النثر فكيف أقصيهم وعن ماذا، لكن فقط أقصي الرديء، بالفعل هناك موهوبون في كتابة هذا النص النثري وهو شعر ناقص بل نصف شعر وقصيدة خرساء لأنها تستغني عن شرط من شروط القصيدة الكاملة والشعر التام.
كيف يرى الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي الحالة الإبداعية والنقدية في المملكة العربية السعودية ؟
- أنا ذهبت إلى المملكة العربية السعودية مؤخرا وكان ذلك في جدة وحضرت التكريم الذي نظمه الأستاذ عبد المقصود بن خوجة وهو مثقف استطاع مع آخرين أن يلعب دوراً مؤثراً في الحياة الثقافية، وما رأيته هناك يثير التفاؤل ويجعلني أنظر إلى المستقبل بثقة في أن المثقفين السعوديين سوف يشاركون بفاعلية في الحياة الثقافية العربية، وفي العام الماضي دعيت لكي أقدم أمسية شعرية في معرض الكتاب الذي أقيم من الرياض وفي تلك الزيارة شعرت أيضاً بهذا الشعور من التفاؤل فالكتب التي أهديت لي تدل على أن المملكة بها حراك ثقافي متميز, وأيضاً النقاش الذي دار بيني وبين الجمهور بعد الأمسية وقد شاركت فيه النساء كما شارك فيه الرجال دلت على تفتح ومتابعة واتصال بالعالم الحديث والثقافة الحديثة والقبول لفكرة الإبداع وحرية المبدع ومشاركة المرأة إلى غير ذلك من الظواهر والتطورات التي جعلتني أتفاءل وأشعر بأن المستقبل مفتوح وغني وخصب.