ينتهج الشاعر الدكتور عبدالله سليم الرشيد في ديوانه الجديد «نسيان يستيقظ» أسلوب الإلماح والاقتضاب، فربما أدرك الشاعر بحصافة معهودة أن الوقت لم يعد للشعر، فقد بات تزهد فيه برهة عشق أو هنيهة معاناة.
ففي هذا الديوان يوجز الشاعر تراسلات الحنين الوجداني والبوح الشعري، ليصوغ المفردة على نحو واقعي لا يخلوا من يأس مبرر، أو قنوط مبطن لا تشفع فيه مسحة القول بنافلة فأل، أو نفحة واقعية المغزى أو أي دلالات بوح عني فيها الشاعر.
الاستهلال في الديوان معاضد لزعم البحث عن حقيقة المواقف الحياتية، حيث تدلف القصيدة الأولى «الصوت الأول» نحو إيماء غير مفتعل لحالة التجلي غير الممكن في زمن بات الصمت أكثر حكمة بل وأسلم.
يستدرج الشاعر الرشيد في قصائد هذا الديوان صور كثيرة ومعبرة لا بد للشعر أن يترجمها ويعكسها على الواقع، أو ربما يحاكيها على نحو استنطاقي لِكُنْهِ التقاطع أو التلازم بين الظن واليقين بأن الزمن لم يعد هو ذلك الزمن الرشيد على نحو استحضار صور أو مشهدية الشقاء الإنساني في قصيدة «التماس إلى ابن ماء السماء» حيث حملت الأبيات بعدها الاستدراكي على قصة وقصيدة جاهلية قديمة ربما رأى فيها الشاعر مواءمة لهذا الزمن:
يا ابن ماء السماء قلبك نهر
دافق بالرؤى ونحن ظماء
كم تسقي الرواء ماء قراحا
وحواليك للعطاش ارتماء
يهدر النهر جوده حين يسقي ال
بحرَ، والبحرُ زاخر معطاء
فلم تكن هذه القصيدة هي الوحيدة في هذا الديوان إنما تواردت في طيف الشعر صور إنسانية معبرة لا بد لها من أن تستظهر أو تستبطن في سياق القراءة الفاحصة لديوان يحمل دلالات الشعر والشهادة والتدوين المستدرك على صور حياتية كثيرة قد يكون للخيال فيها شارد كما للواقع فيها وراد على نحو قصيدة «تعليق على سيرة محمد بن كناسة» فما يرد في هذه القصيدة عن ذلك الشاعر العباسي قد تصلح لعتاب آخر للواقع الذي لم يعد هو المعني بخطابات الأمل الإنساني.
كتب الشاعر عبدالله سليم الرشيد جل قصائده من منطلق واقعي لا يقبل الخيال أو التأمل، إنما تأتي الفكرة منطلقاً إنسانياً محدد المعالم وموزون الرؤى، فلا خيال مجنح، ولا رؤية مفرطة في تأملها إنما هي صور إنسانية تحمل فكرة (النص/ البيان) ذلك الذي يدونه الشاعر بأسلوب شيق ورؤية متيقنة ونحت شعري لا يخرج عن إطاره الواعي وحسه الوقور.
في قصيدة «نسيان يستيقظ» أفصح الشاعر عن سر تعلقه بالنسيان كظاهرة محتملة في هذا الزمان فما كان منه إلا أن نسج من هذه الصور الوجدانية المعبرة التي أومأ لها بنحو غياب دام ربع قرن ليعاود النسيان يقظته فيلتقط الشاعر تلك الخيوط الواهنة عله ينقذ ما يمكن إنقاذه من خرزات ذلك العقد الموغل في قدمه وعفويته وبراءاته البكر، بل لا بد لنا من التقاط مغزى الشاعر واحتمالات قصائده التي جيرها في إيحاء هذه القصيدة إلى إضمامة من الرفاق الذين لم يجد الشاعر ما يعطر فيها ذكراهم سوى هذه القصائد التي حملتها ترانيم اليقظة عبر بوابة النسيان:
ماذا لقيتم يا رفاق الضحى
في مشرق الآمال والمغرب
هيجتم في الروح نبض المنى
وعنفوان الزمن الطيب
* * *
إشارة:
«نسيان يستيقظ (شعر)
عبدالله سليم الرشيد
دار الانتشار العربي - بيروت 1431هـ - 2010م
يقع الديوان في نحو 120صفحة من القطع المتوسط