أعترف بادئ ذي بدء بحقيقة مؤلمة ولكنها حقيقة عشتها كباحث عربي في المغترب أكثر من أربعين سنة اعتمدت خلالها - وما أزال أعتمد - على مكتبات غربية تيسّر مسعاي البحثي في اللغة العربية وأدبها وتبدي حرصها على تقديم المساعدات والاستجابة الفورية في معظم الحالات أو خلال بضع ساعات أو بضعة أيام.
أمّا المكتبات العربية بين المحيط والخليج فلم يكن لها خلال هذه الحقبة الطويلة - وأنا في المغترب - أي دور بناء في حياتي الأكاديمية إما لعدم وجود فهرس عربي موحد أو غير موحد ألجأ إليه أو لأن الفهارس المتيسرة عبر الإنترنت لا تستجيب لسؤال أو طلب إلا نادر - (وهنا أود أن أشير - مع التقدير - إلى موقع مكتبة جامعة الملك عبد العزيز الذي هيّأ لي تنزيل مقال حول مجموعة “الريش والأفق” لآن فيربيرن وغازي القصيبي).
أعترف بهذه الحقيقة وقد تهيأ لي أخيراً أن أفيد من الفهرس العربي الموحد الذي بادرت إلى تحقيقه مكتبة الملك عبد العزيز العامة في الرياض. كدت لا أصدق أن مشروعاً ثقافياً عربياً موحداً - كالفهرس - يتحقق فعلاً بالرغم من العقبات الكثيرة وبينها التوجه القطري الضيق في كثير من المشاريع التي تهم الوطن والتراث العربيين. أقول كدت لا أصدق والسّر في ذلك يرجع إلى ما عانيناه طوال القرن الماضي من داء التوصيات والقرارات التي تدعو إلى تحقيق مشاريع ثقافية عربية موحدة من غير أن يتحقق منها مشروع عربي قومي (أي غير قطري).
ولهذا ليس من الغريب أو المبالغة في شيء أن يقال عن “الفهرس العربي الموحد” بأنه حقق حلماً عربياً “حلم الباحث العربي” في التعرف على ما يهمه من أوعية المعلومات أينما توفرت في مكتبات العالم العربي، أو أن ينال جائزة أفضل المشاريع القومية لخدمة المكتبات العربية فهو يعتبر حقاً من أهم المنجزات الثقافية القومية البعد - إن لم يكن أهمها - وذلك لما له من تأثير بعيد المدى في خدمة الحياة العلمية والثقافية، وتطوير المكتبات وتيسير التبادل بينها، وتحقيق نظام مكتبي مُوحد وفقاً لأسس علمية عالمية، وخدمة الباحثين والقراء عامة أينما كانوا في الوطن العربي أم خارجه.دع عنك ما يترك من انطباعات إيجابية عالميا لدى المعنيين بالعرب وحضارتهم.
يتميّز الفهرس العربي - وهو ما يزال في مرحلة تكوينه الأولي - باعتماده على أسس أو أساليب مستقاة من تجارب عالمية متقدمة في ميدان البحث المكتبي، وبكونه مماثلاً إلى حد كبير للفهرس الغربي المعروف باسم “أو سي إل سي OCLO”. - (وسأكتفي بالإشارة إليه فيما بعد باسم “الفهرس الغربي”)، وذلك باستخدامه عدداً من طرق البحث (العنوان - المؤلف - الموضوع - كلمة مفتاحية - الناشر - إلخ) وعرض بيانات الأوعية.
أقول ذلك وقد رجعت إليه في البحث عن عدد كبير من المؤلفين والموضوعات ودور النشر وعناوين الكتب فوجدت فيه معلومات غير متوافرة في الفهرس الغربي الذي يضم أكثر من مليون مادة عربية (مدخل، عنوان، إلخ..) أي أنه من المتوقع أن يصبح الفهرس العربي مصدراً لا يستغني عنه حتى الباحثون الذين يستعينون بالفهرس الغربي. أما المداخل التي بحثت عنها فتشمل أمثال أحمد شوقي - أحمد الطامي - أحمد الضبيب - ادوارد سعيد - أدونيس - بدر شاكر السياب - حسام الخطيب - حسن النعمي - صالح الغامدي - عبد الله الغذامي - عبد الرحمن السماعيل - عبد الرحمن السبيل- عبد الرحمن منيف - عبد الفتاح أبو مدين - منصور الحازمي - غازي القصيبي- لميعة عباس عمارة - معجب الزهراني - ناصر الحجيلان - الاستشراق - الشعر الحر - صلاح الدين الأيوبي - صناعة المعجم العربي لغير الناطقين بالعربية - مؤسسة عبد العزيز البابطين - المعجم العربي الأساسي - موسم الهجرة إلى الشمال - موسوعة السرد العربي - الازدواج اللغوي- الازدواجية - ومداخل متعددة أخرى.
وقد تكونت لدي ملاحظات وانطباعات كثيرة - في ضوء تجربتي الطويلة مع الفهرس الغربي - أذكر بإيجاز نماذج منها وأنا مدرك بأنها ملاحظات مرحلية وأن الفهرس لا يمثل حالياً إلا عدد محدود من المكتبات العربية التي انضمت اليه، وأنه يعكس ما يرد في بياناتها من معلومات (دقيقة أم غير دقيقة) كما أدرك جيداً أن المشرفين عليه أعلم من غيرهم بالحاجة المستمرة إلى تحسينه وتطويره.
ولعل أهم الملاحظات هو إحساسي بأن البحث فيه يستغرق وقتاً أطول نسبياً مما يستغرقه نظيره في الفهرس الغربي بسبب تعدد الواجهات أو الانتقال من واجهة إلى أخرى: البحث بالعنوان، بالمؤلف، بالكلمات المفتاحية إلخ.. قارن مثلاً الزمن الذي يستغرقه البحث عن أحمد شوقي في الفهرسين تحت الكشافات التالية: العنوان - المؤلف - الكلمة المفتاحية - الموضوع.
والأمر الآخر الذي لاحظته هو خلوّ الفهرس من النص المباشر على عدد المكتبات التي تمتلك أوعية المعلومات وقد يكون هذا نتيجة لقلة المكتبات المشاركة في الفهرس كما لاحظت ميله إلى تكرار المداخل حتى ولو كانت تمثل طبعة واحدة (انظر مثلاً: سياسة صلاح الدين الأيوبي طبعة 1976: ست مرات ومعجم المصادر الصحفية لدراسة الأدب والفكر في المملكة العربية السعودية طبعة 1974 عشر مرات).
ويلاحظ كذلك عدم الاطراد في استخدام التاريخين الهجري والميلادي خاصة عند ذكر تاريخ مولد المؤلف أو وفاته: أحمد شوقي 1868-1932 ولكن بدر شاكر السياب 1344-1384هـ علماً بأنه مشهور وفقاً للتاريخ الميلادي 1926-1964م.
* و1983 *1403*.
ومما جلب انتباهي أن استخدام “كلمات مفتاحية” عند البحث في الفهرسين عن بعض الإعلام يكشف عن اختلاف واضح في عدد المداخل التي ترد في كل منهما:ويمكن إرجاع هذا التباين إلى أسباب عدة منها قلة المكتبات الممثلة في الفهرس العربي، أو قلة مقتنياتها أو اقتصارها على ذكر الكتب أو أن بياناتها أقل تفصيلاً إن قورنت بما يرد في الفهرس الغربي.
قارن مثلاً ما يرد في الفهرسين في وصف كتاب “التنافذ: ريلكة وتقاليد الشعر العربي (شاكر لعيبي) الفهرس العربي يكتفي بذكر الموضوع الشعر العربي - تاريخ ونقد - بينما يضيف الفهرس الغربي معلومة مفيدة أخرى: ريلكة 1926-1875 وبدر شاكر السياب 1926-1964 ويقال الشيء نفسه عما يرد من وصف لكتاب “الشعر العربي المعاصر” (يوسف سامي اليوسف) إذ يضيف الفهرس الغربي إشارة إلى بدر شاكر السياب وأدونيس.
* وقد وردت مدرجة في بيانات مركز صالح بن صالح الاجتماعي بلا تاريخ أو مصدر، كما وجدت تحت اسم الشاعرة العراقية لميعة عباس عمارة مقالة بصفحتين لدجلة أحمد السماوي بعنوان “لميعة عباس عمارة غربة واغتراب” وهي من مقتنيات مكتبة جامعة الملك سعود.
وللفهرس مزايا أو فوائد جمة جديرة بأن تكون موضع اهتمام الباحثين أذكر منها فائدته العلمية في الكشف عن مدى انتشار الكتاب العربي عن طريق المكتبات خارج حدوده الجغرافية أو حتى داخلها، إذ يلاحظ مثلاً أن بعض الكتب المنشورة في المملكة العربية السعودية غير ممثلة في مكتبات عربية أو ممثلة داخل السعودية في مكتبات محدودة، كما يتجلى ذلك في الأمثلة التالية:
- هؤلاء عرفت (عبد الفتاح أبو مدين) مدرج في ثلاث مكتبات جامعة الملك عبد العزيز - جامعة الملك سعود - مركز صالح بن صالح الاجتماعي.
- المعارضات الشعرية دراسة تاريخية نقدية (عبد الرحمن السماعيل) يرد ذكره في مكتبة جامعة قطر وخمس مكتبات سعودية.
- أدبنا في آثار الدارسين (منصور الحازمي وآخرون) يرد ذكره في مكتبة جامعة الإمارات وأربع مكتبات سعودية.
- أضف إلى ذلك مثلا آخر لكتاب منشور خارج المملكة: الأمثال الصادرة عن بيوت الشعر لأبي عبد الله حمزة بن الحسن الأصبهاني تحقيق أحمد محمد الضبيب وهو مطبوع في بيروت 2009 لا يرد ذكره إلا في مكتبة الملك عبد العزيز العامة بالرغم من أهميته كمصدر موسوعي للأمثال الشعرية.
وهناك ملاحظات أخرى حول الاضطراب في ذكر تاريخ نشر الكتب أو العناوين.
الولايات المتحدة