لا يخلو النظام الكتابي لأي لغة من مشكلات خاصة؛ لأن النظام الكتابي ليس صورة مطابقة للغة المنطوقة بل هو تقريب لها يعين على حفظها وتعلمها واستخدامها. ومن المشكلات الملاحظة في نظام الإملاء العربي حذف بعض رموز الأصوات، وهو أمر متصل بنشأة الكتابة العربية وتطورها، ومن حالات الحذف ما علته التخلص من المتماثلات التي تحدث في الرسم الإملائي.
تابعت العربية النبطية التي أخذت عنها الخط بأن مثلت الكسرة الطويلة بالياء، ومثلت الضمة الطويلة بالواو، أما الفتحة الطويلة فقد أهملت في وسط الكلمة، ولكنها مثلت بالألف في نهايتها. أما استعمال الألف لتمثيل الفتحة الطويلة في وسط الكلمة فهو إضافة عربية (رمزي بعلبكي، الكتابة العربية والسامية، ص 179).
عرفت الكتابة العربية في الحجاز. وحين دوّن القرآن مثلت الهمزة بالألف. والرسم العثماني جرى على لغة أهل الحجاز التي تسقط الهمزة في غير أول الكلمة، فلم تمثل الهمزة إلا في أوائل الكلمات حيث يرمز لها بالألف، أما في وسط الكلمة وآخرها فإن الواو أو الياء هي التي تحل محل الهمزة صوتًا وكتابة. وقرأ الناس في الأمصار القرآن في مصاحف عثمانية فكانوا يحققون الهمزات دون التفات إلى أنها كانت مرسومة على لغة أهل التسهيل، واوًا أو ياءً أو ألفًا؛ لأن اعتمادهم في تلقي القراءة على الرواية وإنما يعينهم النظر في المصحف على ذلك.
ونشأت الحاجة إلى تعيين الألفات والواوات والياءات التي تهمز من غيرها مما ليس من الهمز. وكان التمييز في أول الأمر بنقطة حمراء أو صفراء ثم اتخذت رأس العين (ء) رمزًا تكون فوق الألف أو الياء أو الواو ونُسي أن الألف هي الأصل في رمز الهمزة، ونسي أن المصاحف العثمانية كتبت على لغة من يسهلون الهمزة، ولم يغير محققو الهمزة تلك الرموز بل أضافوا لها العلامة المميزة (غانم قدوري الحمد، رسم المصحف، ص 575- 577).
إذن يمكن القول: إن الكتابة العربية أفضت إلى حدوث ازدواج في تمثيل بعض الأصوات العربية إذ جعل حرف الألف رمزًا للهمزة، ورمزًا للفتحة الطويلة -ألف المد-وجعل حرف الواو رمزًا للضمة الطويلة -واو المد- وجعل رمزًا لصوت الواو -غير الحركة أي: الصوت الصامت- وجعل رمزًا للهمزة التي تسهل واوًا. وجُعل الياء رمزًا للكسرة الطويلة -ياء المد- وجعل رمزًا لصوت الياء -غير الحركة، أي: الصوت الصامت- وجعل رمزًا للهمزة التي تسهل ياءًا. وكان من نتائج هذه الازدواجية اجتماع المتماثلات في الرسم.
وعلى نحو ما كُره التماثل في اللفظ كُره التماثل في الخط أيضًا، فنجد أنهم يكرهون تجاور الألفات أو اللامات أو الواوات أو الياءات، وهذا ما يسعون إلى التخلص منه بالحذف.
وإن تكن الأصوات المدغمة يحذف إحداها في الخط فإن المتماثلات في الخط من غير المدغمة تحذف، ولكن ذلك ليس على إطلاقه. ويضع ابن درستويه قاعدة عامة تتناول هذه المسألة في قوله: "وأما ما يحذف لاجتماع الأشباه غير المدغمة فإن كل ألفين أو واوين أو يائين اجتمعا في كلمة حذف أحدهما وأثبت الآخر إلا أن يخاف لبس أو يحتاج إلى عوض أو يستخف شيء فلا يحذف. وكل ثلاث ألفات أو واوات أو ياءات اجتمعن في كلمة حذفت إحداهن وأثبتت اثنتان"(ابن درستويه، كتاب الكتاب، 66-67).
الرياض