كل الذين يعرفونني، يعرفون مدى ولعي بالاستماع، منذ أن عرفت جهاز الراديو في سني عمري الأولى، تلك الهواية التي لازمتني إلى اليوم، وأعتقد أنها ستكون إلى الغد، واستماع الإذاعات ولد عندي ثقافة الاستماع والمتابعة لما يلقى، وكان استماعي إلى البرامج الثقافية يلازمني في كل حين، إلا أنني أصبحت انتقائيا عندما تقدم بي العمر، وكان هناك أربع إذاعات استحوذت على اهتمامي، لأنها الوحيدة التي كنت أستمع إليها باستمرار (البحرين، والكويت، والقاهرة، ولندن) وهذه الإذاعات كانت المتاحة في الستينيات من القرن الماضي، لحقت بها إذاعة الرياض وعمان، فيما بعد، وكانت هناك برامج لا أفوت الاستماع إليها في وقتها إلا في أقسى الظروف، ومنها برنامج كان يعده ويقدمه الأستاذ حسن الكرمي، من هيئة الإذاعة البريطانية، من لندن،عنوانه (قول على قول) وهو عبارة عن ردود على أسئلة المستمعين الثقافية والأدبية، وكان أحد الأسئلة عن سوق ( عكاظ) ومنهم الشعراء الذين كانوا يتبارون فيه، وما هي المعلقات؟؟، وكان الأستاذ الكرمي لا يجيب إلا بعد أن يعود إلى مراجعه ومصادره عن أي موضوع، ثم يسهب في الإجابة، ومما لفت انتباهي أكثر عندما أخذ الأستاذ الكرمي يعدد أنساب الشعراء،مثل: المزني، والذبياني....، ولم أعرف منهم أحدا إلا امرئ القيس، عندما ذكر أنه قحطاني، بهذا النص: « هو امرؤ القيس بن حجر، ابن ملك كندة ( بكسر الكاف وسكون النون) أكبر القبائل القحطانية في نجد، وأشهر شعراء المعلقات،» انتهى كلامه، رحمه الله. وربما يكون صغر سني قد بث في نفسي الحماس لمزيد من المعرفة حول هذا الشاعر والمعلقات، وسوق عكاظ، وما كادت الشمس لتشرق وتفتح المدرسة المتوسطة أبوابها حتى هرعت إلى مدرس اللغة العربية، الأستاذ محمود، أسأله عن المعلقات، فقال باقتضاب شديد: قصائد كانت تلقى في سوق عكاظ، يتبارى فيها الشعراء، والقصيدة الفائزة تعلق على أستار الكعبة ليقرأها الناس، مكتوبة بماء الذهب. يا الله انصرف ع صفك.

....يتبع