قد يصلحُ شاهدًا على مسيرة «ثقافة الجزيرة» التي لابد أن تُكتب يومًا، وتحديدًا في الفترة الفاصلة بين رياستَيْ تحرير الأستاذ خالد المالك (1984- 1999م)؛ حيث غابت قياداتُها «الثقافية» بقرارات التغيير التي تمت برغبة المسؤول الأول حينها أو بإملاءات أطرافٍ أخرى فكان الفراغ كبيرًا، ولم يكن ملؤه عسيرًا، لكن الموقف من «الجزيرة « - حينها - أثر على عملية الاستكتاب؛ فالإدارة الجديدة تتحفظ عن أسماء، وبعض الأسماء تتحفظ عن المشاركة، والرقيب اليقظ «جدا» بالمرصاد لكل حِراكٍ يَشمّ منه خروجًا على الخط الجديد.
كان صاحبكم حديثَ عهدٍ بالتجربة الصحفية، وأوكلت له صفحةٌ أسبوعية عن الكتب والمكتبات الخاصة عنوانها (قراءة في مكتبة)؛ ابتدأها عام (1985 م) بزيارة مكتبات الشيخ حمد الجاسر والشيخ عبدالله بن خميس والشيخ عبدالله بن إدريس والشيخ أبي عبد الرحمن بن عقيل والشيخ محمد العمري والشيخ سعد الجنيدل وآخرين والدكتور محمد بن سعد بن حسين والدكتور محمد الربيع والدكتور أحمد البدلي والدكتور عزت خطاب والشاعر أحمد الصالح والدكتور إبراهيم الفوزان والدكتور يحيى بن جنيد وآخرين.
كان المُمضى عنه أحدهم، وعرض عليه صاحبكم الكتابة لثقافة الجزيرة في قضايا تخصصه فأجاب بزاويته العتيدة (رؤى وآفاق) التي امتدت بضعة عشر عامًا لم تتخلف أسبوعا واحدًا، واكتملت بكتاب كبير يؤرخ تجربة مؤلفه مع العمود الصحفي.
كان حفيا حين وافق، ووفيا إذ تواصل، ولم يسألْ «يومًا» عن مكافأةٍ أو مقابل، ولم يعتنِ لحظة بتغيير صورةٍ أو موقع، واهتم بإحضارها في موعدها بخطه «المختلف» صفحتين مكتملتين وكأنه يعيش مرحلة الحساب بالكلمات فيقف عند حد لا يتجاوزه كيلا يتغير الترتيب والإخراج.
لعله يسجل تجربته هذه؛ فلم يَكتبْ قبلها ولم ينتظم بعدها، وبقي مساهمًا - بين آنٍ وآن- في الكتابة المجتمعية أكثر من الأدبية، وظل في دائرة الضوء الخافت؛ مركزا على محاضراته ومؤلفاته، غير معنيٍ بالحضور الوجاهي، ملتزما بشكل ملبسه غير المبالغ المكتفي باعتمار الغترة دون عقال؛ فالعقل هو الأنقى، ونواتجه هي الأبقى.
من (عودة سدير 1362 ه) كانت البداية، وبين كُتاب «مدرسة سعد بن محمد بن حسين» وجامعة الأزهر كانت رحلته العلمية المنتهية بالدكتوراه ؛ مختصا «بني قُشَير» ببحوثه الأكاديمية، وبات اسم «الصُمة» مقترنًا باسم الدكتور عبد العزيز بن محمد الفيصل الذي لم ينسَ شعراء القبائل العربية الأخرى ك(بني عقيل وبني عبس) ولهجاتها.
زادت مؤلفاته على العشرين، وأسس عمادة البحث العلمي في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ودرس في المدينة المنورة والغاط وبريدة لكنه استقر في الرياض أستاذًا ورئيس قسمٍ وعميدًا ومشرفا على رسائل علمية، ومتابعًا للساحة الثقافية دون أن يدخل في صراعاتها؛ ربما لأنه اختار الراحلين مدارًا لدراساته، وما عُهدوا إلا مسالمين وربما مستسلمين.
اهتم بالمعلقات العشر شعراً؛ وبشعراء المعلقات شخوصا، كما عنته الأماكن ؛ فارتحل في سبيل الوقوف عليها وحدد مواقعها ووقائعها، وصار مرجعا مهما فيها؛ مستعيدًا بإعجاب لحظة انبهاره بزميله الدكتور بكر أبو زيد - رحمه الله - وهو يشرحُ له مكونات المسجد النبوي الشريف بتفاصيلها الدقيقة ؛ فرأى «إن قيمة كل امرئ ما يحسنه»، وقد أحسن أبو محمد؛ فحسُن عمله.
التخصص خلاص وإخلاص.
Ibrturkia@gmail.com