كتب الأستاذ خالد الرفاعي في (الصفحة الثقافية – الجزيرة، الخميس 13 شعبان 1432هـ) رداً بعنوان: (وما الذي يقلقك من النقد يا قصاب؟) في سياق الحوار الذي أثاره بمقاله المعنون في المجلة الثقافية (الأدب الإسلامي خارج الزمن) بتاريخ21-7-1432هـ، حول محاضرة د. عبدالقدوس أبوصالح بعنوان (قضية الأدب الإسلامي) التي ألقاها بالنادي الأدبي بالرياض بتاريخ 22-6-1432هـ.
فكتب د. وليد قصاب ردًا على مقال الأستاذ الرفاعي بعنوان (لماذا هذا العداء للأدب الإسلامي؟) نشر بالصفحة الثقافية بتاريخ 6-8-1432هـ، وكتب الأستاذ فهد بن علي الأحمد ردًا آخر بعنوان (ليتك قدمت في هامشك ما يفيد القارئ ويمتع السامع..) نشر في «عزيزتي الجزيرة» بتاريخ 11-8-1432هـ.
ومن الصعوبة بمكان الإشارة إلى ما قاله الكتاب الأفاضل الثلاثة في مقالاتهم، ولذلك سأكتفي بالوقوف عند دلالة عنوان مقال الرفاعي الأخير (وما الذي يقلقك من النقد يا قصاب؟)، وبقاء الرفاعي في الجانب الشخصي من الموضوع، وأتساءل معه عن مدى وجود هذا القلق لدى أستاذ النقد والبلاغة ومنهج الأدب الإسلامي الدكتور وليد قصاب؟ وما علامات هذا القلق في حياته الوظيفية التي قضاها في جامعات: حلب بسورية، وجامعة العين، وكلية الدراسات العربية والإسلامية بالإمارات العربية المتحدة، وجامعة الملك سعود، وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، وفي مؤلفاته العلمية في اثنتين من أهم القضايا الأدبية والنقدية التي تشغله وتشغل آخرين في الساحة المحلية والعربية وهما: الحداثة، والأدب الإسلامي!
هل يقلق حقاً أستاذ النقد من النقد وقد صار مهنته وهمه وهوايته، وهو يعلمه طلابه، ويمرِّنهم عليه!؟ وكيف يقلق من النقد وهو الذي ألف عدداً من الكتب في الأدب الإسلامي وقضاياه، وفي الحداثة وقضاياها، وهو يكتب عن الموضوعين، ويحضر المؤتمرات والندوات المحلية والدولية في ذلك، ويتحاور فيهما باستمرار!؟ كيف يقلق من النقد وهو الذي شارك في كتابين يعدان نموذجًا في الحوار المتحضر أحدهما بعنوان: (خطاب الحداثة في الأدب.. الأصول والمرجعية- ط 2005م) والطرف الآخر في الحوار معه فيه هو الدكتور جمال شحيِّد.
والكتاب الآخر بعنوان (إشكالية الأدب الإسلامي- ط 2009م) والطرف الآخر المحاور له فيه هو الدكتور مرزوق بن تنباك المعروف بمكانته النقدية، ومنزلته العلمية. والذي يبدو أن الدكتور وليد هو صاحب فكرة الحوار مع الناقدين الفاضلين المعروفين في الكتابين!. وأنه عمل على نشرهما في دار الفكر بدمشق التي نشرت معظم مؤلفاته، فهل يقلق من النقد من يصدر كتابين في الحوار بهذا الشكل!؟
قد نتفق في الرأي وقد نختلف، ولكن لا يصح أن يوصف مثل د. وليد قصاب بأنه يقلق من النقد! لأن من يقلق من النقد لا يمكنه أن يقدم على مثل هذه الخطوة، وإذا فعل مرة فلن يفعل مرة أخرى.
ويقول الأستاذ الرفاعي ما معناه: إنه مع الأدب الإسلامي فكرة، وليس مع رابطة الأدب الإسلامي مؤسسة وأعضاء. وهذا كلام ينطبق على جميع المؤسسات والاتحادات والروابط الأدبية والعلمية المحلية والعربية والدولية، فكما لا يكون أي ناد أدبي مسؤولاً عن المستوى الفني لأعمال منتسبيه، ولا وصيًا على أفكارهم فيما يكتبون من إبداعات أدبية، أو مقالات نقدية، أو وصيًا على مواقفهم تجاه الآخرين أشخاصًا وأفكارًا؛ فإن رابطة الأدب الإسلامي أيضًا ليست مسؤولة عمن ينتسب إليها أو لا ينتسب ممن يحملون فكرة الأدب الإسلامي ويتحدثون عنه، ويبدعون فيه أدبًا، ويكتبون حوله نقدًا.
من الواضح أن مقال د. وليد قصاب (لماذا هذا العداء للأدب الإسلامي؟) كان ردًا على عنوان مقال الأستاذ الرفاعي (الأدب الإسلامي خارج الزمن). وعندما يصف الأستاذ الرفاعي الورقة التي قدمها د. عبد القدوس أبوصالح (أنها صف بائس لكلام فرغنا منه، وفرغت منه الحياة!)، فإن صفة البؤس تلحق هذه العبارة العامة قبل أن تلحق ما وصفتها، وعندما يقول: إنه مستعد لنشرها في الثقافية بعد إذن الأطراف المعنية؛ فإنه يوهم القراء الكرام أن تلك الكلمات عليها أقفال كتب عليها: (سرِّي جدًا، يمنع النشر إلا بإذن خاص!). ولا أدري كيف يقول هذا ويتصوره، والتعليقات التي صدرت على المحاضرة من محرري الصفحات الأدبية والثقافية نشرت في ثلاث صحف رئيسة بشكل متفاوت، وبرؤى وعناوين مختلفة هي المدينة والوطن والرياض، ونشرتها الرابطة كما هي في موقعها على الشبكة، ووضعتها في متناول القراء، ليروا بأنفسهم الفرق في الرؤية النقدية حول الموضوع. وإضافة إلى ذلك نشرت الرابطة المحاضرة في موقعها بالصوت والصورة في حينه. ولو كانت الرابطة، أو من يمثلها، تقلق من النقد ما رأينا شيئًا عن المحاضرة في موقعها، ولا مكنت متابعيها من سماع المحاضرة!.
ومن المعروف أن المحاضرات تكون ملكًا للنادي، ومن حق النادي نشرها بالطريقة التي تراها، ملتزمة في ذلك الموضوعية والدقة والأمانة كما في المواد العلمية التي تنشرها، فما معنى استئذان الأستاذ الرفاعي الذي يشبه التهديد الضمني!؟
الخلاف لا يفسد للود قضية كما يقال، وباب الحوار العلمي الموضوعي مفتوح دائمًا، وهو متاح الآن للجميع أكثر من أي وقت مضى لانتشار المنتديات الأدبية الإلكترونية، وسهولة التعامل معها، والذين ينقدون لا يستأذنون، وليس مطلوبًا منهم ذلك، ولكن المطلوب هو أن يكون النقد بالأسلوب الذي يحقق الموضوعية العلمية بعيدًا عن التجريح الشخصي، ولو كان شيء بحاجة على استئذان لكان ما نشر الأستاذ الرفاعي في مقاله الأول أولى بذلك، لأنه تحدث عن أمر خاص لم يشهده غيره وغير رئيس النادي!.
وتمنيت هنا ما تمناه الأخ فهد بن علي الأحمد لو أن الأستاذ الرفاعي عرض أسئلته وأفكاره ورؤيته في موضوع الأدب الإسلامي ورابطته عرضًا موضوعيًا علميًا وأفاد القراء، بدلاً مما كتب في مقاليه اللذين تناول فيهما جوانب شخصية لا علاقة لها بأصل الموضوع. وعسى أن يحقق مكتب الرابطة في الرياض رغبة الأستاذ الرفاعي ورغبة الكثير من متابعي شأن الأدب الإسلامي؛ في استضافة الأدباء والنقاد الذين ذكر أسماءهم، أو بعضهم على الأقل.
- حائل