شاع في استعمال المحدثين ولا سيما في اللهجات لفظ (النصّاب) بمعنى المحتال المخادع، وربما تجوزوا في إطلاقه على الكذّاب؛ لأن الكذب من لوازم الاحتيال والخديعة، ونجدهم يستعملون الأفعال (نصب) و(ينصب) وربما ضعفوا الصاد (نصّب/ ينصّب) للمبالغة في ذلك. من أمثلة هذا الاستعمال عنوان في صحيفة الرياض: «القبض على محتال نصب على باعة الأغنام بالقصيم» (1)، ونلاحظ أنه قرن بين (محتال) والفعل (نصب) أي احتال وعدّى الفعل بالحرف (على) لذلك؛ إذ صار الفعل لازمًا بعد أن كان متعديًا لانتقال معناه بالتضمين إلى ما يتعدى بالحرف (على). وكتب محمد بن سليمان الاحيدب: «قالوا: القبض على النصاب الأنيق الذي اختلس ربع مليون ريال من عملاء الصراف بعد أن خدعهم بملبسه وعطره الباريسي!!» (2) . وجاء في أحد المنتديات تعليق على صورة: «جلست أطالعها بذهول، ينصب علينا، يقول عمره عشرين، واحد ينصب علينا، يحسبها بتمشي، يعني ينصب علينا يقول عمره عشرين» (3) . وقد يظن أن هذا الاستعمال منبت الصلة بالتراث اللغوي؛ لأن معنى (نصب) في الاستعمال الفصيح يدل على الرفع، قال ابن فارس في(مقاييس اللغة): «النون والصاد والباء أصلٌ صحيح يدلُّ على إقامةِ شيءٍ وإهدافٍ في استواء. يقال: نصَبتُ الرُّمحَ وغيرَه أنصِبهُ نصبًا. وتيسٌ أنْصَبُ، وعنْزٌ نصباءُ، إذا انتصب قرناها وناقَةٌ نَصْباء: مرتفعة الصَّدر. والنَّصْب: حجرٌ كانَ يُنصَب فيُعبَد، ويقال هو النُّصُب، وهو حجرٌ يُنصَب بين يدي الصَّنَم تصبُّ عليه دماءُ الذّبائح للأصنام. والنَّصائب: حجارةٌ تنصَبُ حوالَيْ شَفِير البئر فتجعلُ عضائد. ومن الباب النَّصَبُ: العَناء، ومعناه أنَّ الإنسان لا يزال منتصبًا حَتَّى يُعييَ. وغبارٌ منتصب: مرتفع. والنَّصيب: الحوض يُنصَب من الحجارة. فأمَّا نِصاب الشَّيء فهو أصلُه؛ وسمِّي نِصابًا لأنَّ نصله إليه يُرفَع، وفيه يُنصَب ويركّب، كنصاب السِّكِّينِ وغيره. والنَّصيب: الحظُّ من الشَّيء، يقال: هذا نَصِيبي، أي حظِّي. وهو من هذا، كأنَّه الشيءُ الذي رُفِعَ لك وأهْدَف. والنَّصْب: جنسٌ من الغِناء، ولعلَّه مما يُنصَب، أي يعلَّى به الصَّوت. وبَلغَ المالُ النِّصاب الذي تجِب فيه الزَّكاة، كأنَّه بلغَ ذلك المبلغَ وارتفعَ إليه. ويقول أهلُ العربيّة في الفتح هو النَّصْب، كأنَّ الكلمة تنتصِب في الفم انتصابًا». لا يتجلى من المادة المعجمية السابقة معنى للنصب عند المحدثين، غير أنا نجد في (أساس البلاغة) قوله «نصب حبالته وحبائله»، وفي (المصباح المنير): «والنَّصِيبُ الشَّرَكُ المَنْصوب ونَصَبْتُ للقَطا شَرَكًا». إذن النصب هو وضع الفخ الذي يخدع به الطير وانتقل الاستعمال من الحسيّ إلى المعنوي فالنصّاب أي واضع الفخ هو إذا خدع غيره إنما يخدعهم بفخّ غير محسوس، ويسمى الكذاب نصّابًا مبالغة في الوصف.
* * *
(1) http://www.alriyadh.com/2011/02/17/article605428.html
(2) http://www.okaz.com.sa/new/issues/20110705/Con20110705431271.htm
(3) http://forum.c3c2.com/t8021.html
الرياض