وإذا كان دور مجلة المنهل، وقبلها صوت الحجاز- كما ذكرنا في الحلقة الماضية-، قد حققتا بعض ما يصبو إليه الشباب الحجازي والسعودي بوجه عام، وكانوا يراسلونها وينشرون فيها مقالاتهم، ويرحب محرروها بهذه المقالات دون تحفظ على أي منهم، حتى وإن كان يغاير منهج المطبوعة، فإن ذلك قد شجع الآخرين على إصدار مطبوعات صحفية بين الجريدة والمجلة، منها ما استمر في الصدور إلى زمن المؤسسات الصحافية، ومنها ما توقف قبل ذلك، لكن ما يمكن أن يشار إليه بالبنان، جريدة المدينة التي صدرت في المدينة المنورة، وقد أسهمت المدينة مع المنهل التي صدرت قبلها بأشهر، في تنمية الأدب ونقده، كما فعلت صوت الحجاز في مكة، وانتشرت أخبار النقد بعد أن دبج النقاد صفحاتها بمقالاتهم، ومنهم محمد حسين زيدان وضياء الدين رجب وعزيز ضياء، وبدأت المساجلات النقدية تنشط الحياة الثقافية التي اعتراها الكسل لقرون عديدة، وكان اهتمامها بالجانب الثقافي يوازي اهتمامها بالخطاب النقدي، ما بين محاضرات وندوات تلقى في الأندية التي تقام في المرافق العامة ومنازل الأدباء(17)، وكانت المدينة تلعب دوراً في تنمية المواهب الأدبية إبداعاً ونقداً، وهو نقد متأثر بالنقد الأدبي العربي، وكذلك ما ظهر من مطبوعات صحفية كان لها اهتمام بالنقد الأدبي لما يظهر من مطبوعات أدبية، وما ينشر في الصحافة بشكل عام من شعر ونثر على حد سواء، فهناك مراجعات للدواوين الشعرية والروايات والقصص القصيرة، ولم يحظ ديوان شاعر ظهر في تلك الفترة مثلما حظيت دواوين الشاعر حسن عبدالله القرشي، سواء بالتحليل أو بالملاحظات اللغوية، كما اهتم النقاد بكتاب (المرصاد) وهو الكتاب النقدي الذي كانت مقالات نشرها في البداية في مجلة المنهل ثم طبعتها المجلة، وأعيدت طباعته في نادي الرياض الأدبي، سنة 1980، وقد ألحقه عبدالله عبدالجبار، بمرصاد المرصاد في نفس الكتاب، وقد تنوع النقد في هذه المرحلة بين الانطباعي وقليل من الموضوعي، وظهرت ظاهرة المعارك الشخصية بين عبدالقدوس الأنصاري، ومحمد حسن عواد، وبين أحمد السباعي وأحمد عبدالغفور عطار، وبين عبدالله عريف وحمزة شحاتة، وبين ابن الرومي والمعاودة، وغيرهم كثير، ولكل منهم أنصاره (18) ولا شك أن هذه المعارك قد أفرزت نتائج عما دار فيها من نقد ومناقشات وأسست لمدارس نقدية بين القديم والجديد، وحركت الساكن في عالم النقد الأدبي، بجانب المطبوعات الأخرى التي ظهرت قبل زمن المؤسسات، مثل الرائد، وحراء، والخليج العربي، واليمامة، والإذاعة وأقرأ، وكانت تسير على هذا المنهج، حتى بعد أن تحولت إلى مؤسسات، تطورت فيها الوسيلة الصحفية بظهور ملاحق أدبية تقوم في معظمها على الدراسات، وأصبح بعض الذين بدؤوا فيها من كبار النقاد في السعودية، بل تعدوا ذلك إلى العالم العربي، خاصة منهم الذين درسوا النقد الأدبي على مناهج أكاديمية حديثة في الجامعات العالمية من جيل الثمانينيات من القرن الماضي، وما يزالون يواصلون نشاطهم في ملاحقها، بجانب إصداراتهم العلمية؛ وظهر جيل جديد تتلمذ على هؤلاء ولقي منهم أو من بعضهم التشجيع والمؤازرة، وعمل في المؤسسة الثقافية في داخل المطبوعة، بل رأس بعضهم بعضاً منها وأثبت وجوده، ولم يقطع صلته بأساتذته، فما يزال من يستطيع النشر منهم ينشر مقالاته ونقده على صفحاتها، وتقبل الجيل القديم ما يقدمه الجيل الجديد وأبدى رايه في النشر الجديد (الإلكتروني)، بل تعامل معه بجانب التقليدي الورقي، وما تزال والوسيلة بطرفيها الحديث والقديم تقرأ من كلا الطرفين المتوافقين، على أن الثقافة يجب أن تسلك كل الأسباب المتاحة.
هذه لمحة لما قامت به الصحافة الأدبية من إرهاصات بنى عليها النقاد دراساتهم على ضوء المناهج الحديثة اليوم، وتعاملت معها كل الأطراف في سبيل تقدم الأدب ونقده..