تقديم المترجم: للأسف، كل من يملك ألف دولار (وفي رواية 1,500 دولار) في عالمنا العربي التعيس يستطيع أن يصبح مؤلفا لينشر أي كتاب يريد على شكل رواية أو شعر أو قصة قصيرة أو ربما رسائل نصية (إس إم إس) أو أي هراء سيظهر لاحقا.
ولكن الحال في الغرب مختلف تماما حيث لا يمكن للكاتب النشر إلا بعد أن يحصل على موافقة الناشر وهذا لا يحصل إلا مع الكتب ذات المحتوى المتميز وذلك لأن الناشر الغربي لا يقبل أن يضع اسمه على كتاب هابط لأن ذلك قد يقضي على سمعته تماما. كما يوجد لدى الناشر الغربي محررون متخصصون في جميع فروع المعرفة يراجعون الكتب قبل الموافقة على نشرها ويقترحون تعديلات على الكتاب لكي تزيد من فرص نجاحه مثل تغيير النهاية أو الحبكة أو حتى العنوان. ولكن الأمر ليس بهذه السهولة لأن الأمر في النهاية يحكمه ذوق المحرر المختص لدى الناشر وينتج عن ذلك لا محالة رفض نشر كتب قد تكون رائعة ولكن ذوق محرر الناشر لم يستسغها لسبب أو لآخر. ويسرني أن أقدم هنا تقريرا عن أشهر 10 كتب رفضها الناشرون في البداية ثم نشرت لتصبح «بست سيلر» عالمي. ولعل الرسالة هنا تؤكد على صحة المقولة المشهورة «لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس».
ولأن النشر في عالمنا العربي التعيس سهل لمن يملك بضع مئات من الدولارات كما أسلفنا، فإن المؤلفين يتعرضون في الغالب لنقد وتهبيط في المعنويات من قبل أصدقائهم عندما يطلبون رأيهم في مخطوطة كتاب جديد قبل عرضها على الناشر. وهنا يتفنن هؤلاء الأصدقاء بحسب خبرتي في تحطيم معنويات المؤلف أو المؤلفة من باب النصيحة رغم كونهم في الغالب من عديمي المواهب.
التقرير
تمهيد: يقال إن كل من يرغب أن يعمل في الحقل الإبداعي، سواء كان ذلك في الكتابة أو الرسم أو الموسيقى أو غيرها من أنواع الإبداع ينبغي أن يصبح صاحب جلد سميك. فعلى كل حال، مهما كنت متميزا، فسوف تقابل دائما شخصا يحاول تمزيقك باستمرار سواء من الكتاب في الصحافة أو الأصدقاء الحساد. ومن الصعب العثور على مثال على ذلك أفضل من استعراض بعض الكتب التي رفضها الناشرون في البداية ثم أصبحت من أكثر الكتب مبيعا عالميا أي بست سيلر عالمي. ومن ملحمة الشفق (توايلايت Twilight) إلى يوميات آن فرانك، فإن نجاح هذه الكتب يظهر أن الناس المتخصصين في تقييم الإمكانيات التجارية للكتب أو الفن يقللون أحيانا من أهمية العناوين الأكثر قيمة:
(1) رواية «لوليتا» Lolita للمؤلف الروسي ناباكوف (368 صفحة). وهي واحدة من الروايات الأكثر مبيعا في التاريخ مع أكثر من 50 مليون نسخة بيعت منذ صدورها في عام 1955 حتى الآن. وعندما كان نابوكوف يتجول بالمسودة بين الناشرين وجد صعوبة في العثور على أي شخص على استعداد لنشرها نظرا لخوف الناشرين من المحاكمة بتهمة الفحش الجنسي. إحدى الرسائل التي رفضت نشر لوليتا قالت بالحرف: «إنها رواية مقرفة بامتياز حتى بالنسبة لقارئ فرويدي مستنير. وبالنسبة للجمهور ستكون مثيرة للاشمئزاز، ولن تبيع. نقترح أن يتم دفنها تحت الأرض لألف سنة. نرجو أن تكون فهمت الرسالة».
(2) رواية «آن من غرين غابل» (429 صفحة) للمؤلفة الكندية لوسي مود مونتغمري التي كتبتها لجميع الأعمار، ولكن اشتهرت كقصة للأطفال بسبب دور بطلتها آن شيرلي البنت اليتيمة والذكية التي كانت تعيش مع والديها بالتبني في مزرعة اسمها غرين غابل في مدينة كافيندش في كندا. لقد باعت هذه الرواية الكلاسيكية الآن أكثر من 50 مليون نسخة وأنتج عنها فيلم سينمائي وتم وضعها في مقررات المدارس الكندية، ولكن المؤلفة مونتغمري تلقت 4 رسائل رفض من ناشرين مختلفين قبل تمكنها من نشرها وهي روايتها الأولى في عام 1908. وبالطبع، فقد أصبحت صناعة النشر بعدها أكثر تنافسية. هل يمكنك تخيل الطفولة لأي شخص في أمريكا وكندا دون معرفة بطلة الرواية المحبوبة من الجميع آن أو صديقتها الحميمة ديانا؟
(3) رواية «رجل الزنجبيل» (ذا جينجر مان) وهي الرواية الأولى للكاتب الأمريكي الأيرلندي جيمس باتريك دون ليفي وتقع في 347 صفحة. واعتبرت رواية دون ليفي بذيئة وفاحشة ما أدى لرفضها من قبل 35 ناشرا حتى وافقت أخيرا دار (أولمبيا برس) في باريس على نشرها في عام 1955 ولكنها منعت في أيرلندا وأمريكا. ولسوء الحظ، لم تنته مشكلة المؤلف هنا حيث قامت أوليمبيا برس بنشر الرواية في الأصل كجزء من سلسلة من الكتب الإباحية الفجة. ولهذا أنهى المؤلف دون ليفي اتفاقه مع أولمبيا برس، ولكن بعد عام واحد عندما أصدر دون ليفي نسخة منقحة من الرواية بدون إباحية مع ناشر آخر، رفعت شركة أولمبيا برس دعوى قضائية ضده واستمرت المعارك القانونية الناجمة عن ذلك حتى عام 1979 عندما تمكن دون ليفي أخيرا من شراء دار أولمبيا برس بعد إفلاسها!!!
وحصد المؤلف بامتياز نتيجة تفانيه في عمله بصورة مذهلة. في النهاية، باعت الرواية ما يزيد على 45 مليون نسخة في أكثر من 20 لغة، ومنذ نشرها كاملة لأول مرة في عام 1955، لم يتوقف الطلب عليها وتوالت الطبعات بصورة مدهشة على الرغم من كونها محظورة في أيرلندا والولايات المتحدة بسبب الفحش الجنسي كما سلف. كما تم إنتاج فيلم عنها في عام 1962 وهناك الآن – بحسب نيويورك تايمز - خطة لفيلم جديد من بطولة الممثل الشهير جوني ديب. كما أن السيد دون ليفي يتفاوض حاليا على بيع أوراقه الخاصة ومنها مسودة «رجل الزنجبيل» بمبلغ لا يقل عن عشرة ملايين دولار بحسب تايمز أيضا.
(4) كتاب «جوناثان ليفينغستون سيغل» للمؤلف الأمريكي ريتشارد باخ (127 صفحة). الكتاب يصنف في فئة المساندة الذاتية واليقظة الروحية عبر سرد قصة شخص اسمه جوناثان ليفينغستون سيغل. رفض 18 ناشرا شراء حقوق الكتاب لسخافته كما قيل ولكن في عام 1969 اشترته دار ماكميلان ودفعت 2,000 دولار كمقدم للمؤلف ونجح الكتاب بصورة مذهلة ليبيع 40 مليون نسخة منذ عام 1970.
(5) رواية «يوميات فتاة شابة» للمؤلفة الألمانية الهولندية اليهودية آن فرانك (320 صفحة). في هذه الأيام، تعتبر آن فرانك أفضل من كتب قصة عن الهولوكوست حيث باع الكتاب 30 مليون نسخة في جميع أنحاء العالم وتحول إلى فيلم سينمائي شهير حصد 3 جوائز أوسكار. من المدهش أن الحكاية لم تعجب الناشرين في البداية ورفضت 16 مرة. وأشار ناشر إلى أن القصة لم تكن تستحق عناء القراءة لتقييمها لأن «الفتاة لم تكن، كما يبدو لي، لديها تصور خاص أو مشاعر لترفع هذا الكتاب فوق مستوى الفضول».
(6) كتاب «وادي الدمى» (448 صفحة) وهو رواية للمؤلفة الأمريكية سوزان جاكلين باعت أكثر من 30 مليون نسخة منذ نشرها عام 1966، وأنتجت في فيلم سينمائي ناجح. ولكن هذه الرواية رفضت في البداية من عشرة ناشرين مختلفين غالبا بسبب قضايا تعتبر تابوهات (الجنس، والمخدرات، وتعاطي الكحول). وبطبيعة الحال، فإن رسائل الرفض لم تتعامل فقط مع الموضوع، فقد كتب محرر راجع المسودة: «إنها مؤلفة مملة وخرقاء وغير منضبطة وهي هاوية وليست محترفة لأن كل جملة وفقرة تبكي للعثور على مؤلفة محترفة تعيد كتابتها بمهنية».
(7) كتاب «هاري بوتر وحجر الفيلسوف» (223 صفحة) وهي القصة الأولى من سلسلة هاري بوتر للمؤلفة البريطانية جيه كيه رولينج. وبالتأكيد، لقد دشنت هذه القصة إمبراطورية أسفرت عن بيع من 450 مليون كتاب وبعض الأفلام التي حققت أعلى الإيرادات على الإطلاق، ولكن لو لم تكن المؤلفة مصرة على طبع الكتاب الأول فلم يكن سيحدث أي شيء من ذلك المجد والثروة الضخمة للمؤلفة التي تقدر حاليا بمليار دولار. تلقت جيه كيه رولينج 8 خطابات رفض من ناشرين قبل أن توافق دار بلومزبري البريطانية على نشرها في عام 1997. ولكن الفضل الحقيقي في نشر هذه الرواية يذهب إلى نيوتن أليس، ابنة رئيس دار بلومزبري ذات الثماني سنوات التي قرأت الفصل الأول في المخطوطة وأصرت على والدها لكي ينشر القصة في أقرب وقت ممكن.
(8) كتاب «شوربة الدجاج للروح» (480 صفحة) للمؤلفين الأمريكيين جاك كانفيلد ومارك فيكتور هانسن. في هذه الأيام، الجميع على دراية بسلسلة كتب «شوربة الدجاج» الناجحة. وفي الواقع، يبدو أن هناك عنوانا محتملا لشوربة لروح كل شيء من السجناء إلى الأطفال إلى لاعبي الغولف حيث يزيد عدد كتب السلسلة حاليا على 100 عنوان. في أقل من ثلاثة عقود، أصبحت العنوان الأكثر مبيعا لسلسلة من كتب المساعدة الذاتية (أي غير الخيالية Non-Fiction) في العالم، حيث بيع أكثر من 130 مليون نسخة. ولكن قبل تدشين وطبع السلسلة، رفضت من قبل الناشرين أكثر من 93 مرة. المؤلف المشارك جاك كانفيلد تذكر ذلك ذات يوم وهو منزعج المزاج قائلا «في أول مرة ذهبنا إلى نيويورك، زرنا نحو عشرة ناشرين خلال يومين مع وكيلنا الأدبي، ولم يقبل الكتاب أي ناشر حيث قال معظمهم إن العنوان غبي، ولا أحد يرغب في شراء مجموعات من القصص القصيرة، وأكدوا على عدم وجود مهارة أو إتقان ولا حتى جنس أو عنف وتساءلوا: لماذا سيرغب أي شخص في قراءتها؟!»
(9) رواية «الشفق» (توايلايت) للمؤلفة الأمريكية ستيفني ماير (498 صفحة). قولوا ما شئتم عن سلسلة كتب «الشفق»، ولكن الحقيقة هي أنها من أعظم الكتب شعبية في هذه الألفية الجديدة، حيث باعت أكثر من 116 مليون نسخة خلال ما يزيد قليلا على خمس سنوات مع دخل للمؤلفة من عائدات الكتب يقدر بأربعين مليون دولار في عام 2010 وخمسين مليون دولار في عام 2009. كما بلغ دخل الأفلام الأربعة المنتجة عن السلسلة مليار و800 مليون دولار تقريبا ولا يعلم بالتحديد نصيب المؤلفة عن الأفلام. ورفضت ماير وروايتها من قبل 14 وكالة أدبية قبل أن يوافق المحرر جودي ريمر من وكالة دار الكتاب الأدبية (رايترز هاوس) على المغامرة مع هذه المؤلفة غير المعروفة ومساعدتها لبيع روايتها على ناشر. ولحسن حظ المؤلفة، كان ذلك نهاية مشاكلها مع النشر حيث تنافس ثمانية ناشرين مختلفين للحصول على شراء حقوق الكتاب في مزاد عام 2003 حيث دفعت (دار ليتل وبراون وشركاؤهم) مبلغ 300 ألف دولار لشراء المخطوطة ولكن الوكيل الأدبي جودي ريمر أصر على مليون دولار ليتفق الطرفان في النهاية على 750 ألف دولار.
(10) رواية «مزرعة الحيوانات» (112 صفحة) للمؤلف الإنكليزي إريك آرثر بلير الشهير بجورج أورويل الذي انتهى من تأليفها عام 1945. إنها ثاني أفضل رواية بست سيلر لأورويل بعد رواية «1984» ولكنها رفضت 4 مرات قبل أن تنشر وتبيع أكثر من 20 مليون نسخة. المشكلة الرئيسية التي واجهت أورويل كانت أن «مزرعة الحيوانات» تنقد النظام الشمولي الشيوعي في حين أن الاتحاد السوفياتي كان حليفا حاسما للمملكة المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية التي كانت توشك على النهاية عندما انتهى أورويل من تأليف «مزرعة الحيوانات». ومن المثير للاهتمام حقا حول رفض هذه الرواية هو حقيقة أن الشاعر الأشهر ورائد الحداثة في القرن العشرين والحائز على جائزة نوبل للأدب ت. س. إليوت كتب بنفسه واحدا من خطابات الرفض حيث كان يعمل مديرا للتحرير في دار (فيبر آند فيبر) الشهيرة، قائلا: «ليس لدينا قناعة بأن هذا هو الوقت المناسب لانتقاد الوضع السياسي السوفياتي في الوقت الراهن». واستغرق الأمر حتى بعد نهاية الحرب ببضعة شهور لينجح أورويل في تأمين ناشر للرواية التي أصبحت علامة فارقة في تاريخ الأدب في القرن العشرين.
كتب هذا التقرير بتصرف نقلا عن صحيفة (هفينغتون بوست دوت كوم) وصحيفة (نيويورك تايمز) ومكتبة (أمازون دوت كوم) والمواقع الإلكترونية لبعض الناشرين المذكورين، ومصادر أخرى.
aleisa@gmail.com
المغرب