* * كان الجوّ الثقافي ممتلئًا بالأسرار والأسوار؛ فالجميع يتوجس من الجميع إذ محور الأزمة حداثيون ومناوئوهم؛ أما ماهي الحداثة فلا يهم، وأما لمَ التقليد فلأنه نهج الألى ولو كانوا على مذهب بشار ومن يُحيون ليالي «الإمتاع والمؤانسة».
* * قرأ كثيرون هذه الصورة «العاميةَ» للموقف السائد فتماهوا معها، وعزفوا على وتر النص التناظري والمشاعر الغيورة وتقدموا الصفوف مدافعين بل مندفعين، وجاءت قيادة النساء للسيارات لتدخل الثقافة في الدائرة؛ فأسيء «للحرائر» بلغةٍ يُحاسبُ عليها لو كان الزمن غير الزمن، وحين كتب المثقف الجميل المتواضع المتواري أستاذنا مصطفى السدحان نصًٌا بخط يده وزعه على زملائه في معهد الإدارة، ومطلعه: «كذب الذي قال الحرائر ساقطات» ثارت الدنيا عليه، مع أنه دافع عن سيداتٍ فضليات لا يجوز تخطي تجاوزهن النظام السائد بمبررات مشروعة لديهن إلى اتهامهن في أخلاقهن، ولم يحفظ الموضوع ضد «أبي محمد» إلا بعد وجاهات وتعهدات؛ وهو ما أيقظ لديه الحسّ الإبداعيّ الجميل؛ فأتبع نصّه بنصوص،وأصدر مجموعتين «قصّيتين» - إن لم يكن أكثر -، لكنها بقيت في إطار التداول الخاص، وهو درسٌ آخرُ لمن يظنون التعتيمَ والتكميمَ حلّا، رغم أن قراءة المتشابه في الشأن الثقافي تناقض ذلك وتصادمه، ولو مرّ النص بهدوء لما دخل في أدبيات المرحلة.
* * كان الدرسُ واضحًا للشاب «المحرر»؛ فزلةٌ واحدة كفيلةٌ بمحو إيجابياتك كلها، ونص السدحان ألغى من أذهان من تابعوا القضية التزام الرجل الديني والسلوكي وانضباطه العملي وثقافته الواسعة، وانكفأ على نفسه ونتاجه يطّلعُ عليه أصفياؤه وحدهم، وخسرنا مشروع شاعر وروائي وقاص ومثقف شمولي، ونبحث عنه نحن «من كنا قريبين إليه» فلا نعرف له طريقا، رغم يقينناْ أن لديه الأجمل، وما نزال نطمع في خروجه من عزلته وبخاصةٍ بعد تقاعده من العمل .
* * لم يكن هذا المشهدُ عابرًا، ولم يكن مشهد حضور شخص بعصاه وعصابته إلا صورةً أخرى لما يعنيه الرقيب غيرُ المتوازن؛ حين اختبأ المحررون خوفًا من غضب من لا يطيق النقد، وحمدنا الله أن المثقفين - مهما اختلفوا - لا يستخدمون أيديَهم.
* * كنا الثقافيين نعجب بتجربة الأمير الراحل عبد الرحمن بن سعود الذي توالت عليه سهام الانتقاد من كل جانب؛ فكان يرد بحدته وظرفه «معًا ، وشهده «المحرر الثقافي» بين محرري الرياضة المتصادمين معه في أمسيةٍ داخل مبنى «الجزيرة» القديم في الناصرية؛ يتبادلون «الركلات» الكلامية الناعمة ويبتسمون، ثم يعودون لمنهجهم التصادمي على صفحات الجريدة؛ فلا هم هابوه ولا هو هادنهم كما لم يستعدِ عليهم، ولعل هذا مما عززَ اقتناعات الرياضي في داخله بصواب تحوله من تشجيع نادٍ لغريمه في فترةٍ سبقت.
* * كانت المشاهد المضطربة تشي بعدم وجود رؤيةٍ ثابتة للرقيب؛ فقد يُمرر الصعب ويمنع السهل، وأوحت له الملاحظة الدائبة بثغرات في حصون الرقباء يستطيع النفاذ منها، واستعاد حكاية صاحبه الذي روى له منع ديوان بسبب وجود «مفردة الثورة» فاضطروا أن يمسحوا «التاء» في آخرها «والعاقل يفهم»، وأجيز الديوان، وهو ما فتح أذهانهم على أن «تصحيف مفردة « يضيء الأخضر أمام نص ومقال وخاطرة، ولم يقصرْ في ذلك مع سواه، لكنه لم ينفع نفسه؛ حين وجد صفحته التي تعب في إعدادها مملوءة بإعلان «مبيدات حشرية»؛ ومعها حكاية الخميس القادم بحول الله.
Ibrturkia@gmail.com
twitter:@abohtoon