سليمان بن محمد ومحمد بن سليمان فارسان توافيا في ليلة من ليالي الوفاء النادر حيث كانت الندوة التي عقدت في محافظة المذنب وكان تكريم رواد التعليم في المحافظة، أما فارسا الندوة فهما طالب ومعلم، الطالب هو الأستاذ الدكتور سليمان بن محمد العقيلي والمعلم هو الأستاذ التربوي الإداري محمد بن سليمان الشمسان. أما سليمان الذي تولى رعاية الندوة بأريحية بالغة ليكرم أساتذة الجيل الأول فألقى محاضرة أشار فيها إلى شيء من خبر التعليم السابق قبل فتح المدارس الحكومية ثم فصل القول في شأن التعليم النظامي مركزاً على تجربته في التعلم مثنياً على معلمه (أبي سليمان) الذي كان له من بعد النظر ما سدد به خطى طالبه، وكان من ثقة الطالب به ومحبته إياه ما جعله يسمع نصيحته فيواصل خطة دراسته وإن كان غيرها في ذلك الوقت أكثر جاذبية وأنفع لأحوال أهله. درست والزميل سليمان في المدرسة السعودية ثم المدرسة المتوسطة وكان قبلي في الدراسة وما زال قبلي بفضله، منذ عرفته رأيته كبيراً فما تخيلته طفلاً أو مراهقًا، كان جميل الخلْق والخلُق، لا يلقاك إلا بابتسامة عذبة وصوت هادئ معبر مقنع. وأما أستاذ الأجيال الإداري الفذ أبو سليمان فحدثنا عن التعليم الذي كُلِّفه في سن مبكرة؛ إذ عيّن معلماً بتخرجه من السنة السادسة الابتدائية، وبعد سنيّات كان يدير باقتدار أكبر مدرسة في المحافظة (المدرسة السعودية)، كشف أخي عن الصعوبات الجمة التي كانت صاحبت التعليم في تلك الفترة والإمكانات الفقيرة التي لم تثن المعلمين ولا المتعلمين، أخلص المعلمون لعملهم فكان هو الجهاد الذي نذروا أنفسهم له، وكان المتعلمون عاكفين على التعلم مدركين أنه هو مستقبلهم وأنه هو نافذتهم إلى حياة كريمة، أشار إلى المدرسة التي لم تكن سوى بيت قديم وإلى الفصل الذي كان حجرة خاوية إلا من لوح صغير مسند إلى الحائط وكرسي يستريح عليه المعلم حينًا، وأما الطلاب فيصطفون أمامه على التراب اصطفافهم للتشهد الأخير، وهي جِلسة لا أنساها. أشاد أبو سليمان بزملائه المعلمين وبخاصة أخويه رشيد وعبدالله الذين، ولم ينس أن يذكر فضل المستخدمين الفراشين والحراس. أعجبتني اللغة العالية التي كتب بها أبو سليمان محاضرته الموجزة، وأعجبني اقتداره اللغوي في القراءة؛ إذ لم أره خرم حرفًا واحداً أو عاند قاعدة نحوية، جاء حديثه سلساً منقاداً أصغى إليه الناس بانتباه، واشرأبت الأعناق متطلعة إلى المزيد لولا إحساسٌ بقِر الوقت ورعايةٌ للحشد من كبار وصغار. كان المأمول أن تتاح الفرصة لتعليق من طلاب تلك المرحلة الذين عانوا معاناة معلميهم وذاقوا من مرارة تلك الفترة ما ذاقوا، وكان المأمول أن تتاح الفرصة لأجيال اليوم ليتبينوا حقيقة الأمس وواقع اليوم وشتان بينهما؛ ولكن ربّان الندوة وجّه حيزوم السفينة نحو مراسٍ اجتهد في تخيرها؛ فكان ما ارتجله المعلقون من كلماتهم القصيرة معبراً عن فيض محبتهم وعن صدق تجربتهم، وكشف أن كل واحد ينطوي على سيل من الذكريات التي لو كتبت لكانت سفراً ضخماً عن سفر في لجة الحياة الماضية. كان مساءُ الأربعاء الثاني والعشرون من جمادى الآخرة في العام الثاني والثلاثين بعد أربعمائة وألف من الهجرة موعداً لوفاء سليمان لأساتذته خاصة وأساتذة التعليم المبكر بعامة. أبهجتني تلك الليلة بكلماتها ودروع التكريم فيها لولا أن تلك الدروع قصرت عن أخي أبي محمد الذي طُوي اسمه ونُسي ذكره؛ فما ناله من الدروع ما نال الأساتذة الأحياء منهم وغير الأحياء، لا أملك سوى الشكر لسليمان وقبلة على الجبين لأبي سليمان.
-
+
الرياض