كما في علم الحديث من جرح وتعديل ومعرفة تامة بعلم أحوال الرواة وطبقات سلسلة السند والشذوذ والعلة القادمة.
وكما في حال العالم المجتهد الموهوب حقاً من فخامة العقل وصفاء الذهن وتمام التجرد وسعة البطان وقوة المدارك والعدل وحسن الخلق، فإن «اللغة» لا تقصر عن ذلك إن لم تكن في الذؤابة كجبل قائم في سبيل قديم.
واللغة مثلها مثل علم الحديث فهو: موهبة وقدرات فذة ناضجة عالية، ومثلها في مستطرقها وجبلها ونظرها وتقعيدها وتأصيلها.. لا أبا لك.. قدرات سامعة لا يصل إليها الإنشائي أو المدعي أو المكثر من القول عنها بتكرار مع عجلة وحشو لا يقوم أو بإبراز «الأنا» بذكاء ومعرفة. ذلك أن عالم اللغة وعالم النحو إنما هما ضربان من الخلق لا يقوم أمرهما إلا على سعة البال، وجمال الخلق، وسعة العلوم بازدياد متين، وحذق ورأي فطين، وطول نفس وتأن بين سليم.
وكم قد سررت بإجابة معالي الأخ الفاضل د. خالد العنقري رقم 57375 على خطابي إليه مما نُشر في الجزيرة المجلة الثقافية الرائدة من يوم 19-4-1432هـ والذي بيَّن فيه وفقه الله لهداه ما يقوم به (مركز الملك عبدالله الدولي لخدمة اللغة العربية).
وهذا المركز الدولي كما بين لي معاليه يصب في اتجاه جيد نحو: علم اللغة والمحافظة عليها من كل وجه.
من هذا الباب أُبين أموراً مهمة في بابها الذي لا يحصل من يلج منه إليها إلا وقد حمل مفتاح الموهبة والشعور بالمسؤولية نحوها.
أوضح ضوابط لعلها لم تطرق من قبل رأيت ذلك لزاما بيانه وتبيانه يساهم أو لعله بجانب (مركز الملك عبدالله الدولي) وكذا (المجامع اللغوية) يساهم بشيء ما من كلام يضيف ويدعو إلى مزيد من الحرص والنظر والتجديد.
من هنا أبين ما يلي:
أولاً: علم اللغة موهبة.
ثانياً: علم اللغة عقلي التدبر.
ثالثاً: علم اللغة يقيني الثبوت.
فإذا كان الأمر كذلك فإن اللغة لا يصلح لها الآتي:
أ- الطرح الإنشائي.
ب- الخطاب العجول المباشر.
ج- الاجتهاد الافتراضي.
د- التجديد الادعائي.
هـ- مجرد النقل.. أو العرض.
و- الاستشهاد المشابه للسطو بحذق.. واحتراف.
ز- تكرار الكتابة مع تغيير اللفظ.
ح- ربط التأليف أو الكتابة بالذات.
ط- تجهيل/ المخالف/ والحَّطُ من قدره.
ي- تكرار الاجتهاد ولي الكلام.
من هذه.. الحيثية تجد اليوم في التصانيف والكتابات من الضعف والاستطراد والادعاء والتعالم ما لو قرأه ابن قتيبة أو ابن جني أو حماد بن سلمة أو حماد بن زيد أو سيبويه أو الكسائي أو المبرد أو ابن مالك أو ابن معط.
ما لو قرأه واحد من هؤلاء لأصيب بدوار الحيرة والذهول.
وهذا مثال ماثل لعله يشهد للحال في هذه الحال.
كنت أستمع لإذاعة عربية من يوم 8-7-1432هـ فكان مما ورد من حديث طويل هذا الكلام: (ونحن الآن في هذه الحياة نعيش كقاضي يحكم على نفسه يراقب أخطاءه هل زلت الأخطاء) من كلام لمدة (30 دقيقة).
ووجه الخطأ هنا كبير جدا جدا فقوله: (كقاضي) غلط فإن (الياء) حرف علة يجب حذفها ويعوض عنها بكسرتين هكذا (قاضٍ) وهذا معلوم بداهة ووجه الخطأ الثاني في قوله: (هل زلت الأخطاء).
ولا يمكن القول إن هذا حصل من باب سبق اللسان فإن الخطأ هنا لا يحتمل بوجه ما.
والصواب: (هل زالت الأخطاء).
وحاول وأنت تقرأ مقالات أو كتابات تنشر بين حين وحين حاول.. وخلال ذم.. أن تتمهل وتتمعن وتتدبر وتستحضر فإنك واجد ما لو استقبلت من أمرك ما استدبرت لما قرأت ذلك إلا من باب التفكه، من أجل ذلك أرى أن يقوم (مركز الملك عبدالله الدولي لخدمة اللغة) بإضافات نوعية جديدة من ذلك:
1- إصدار دليل دوري لبيان الخطأ والصواب مما زاحم اللغة من لهجة ولهجة.
2- تقديم (بحث لغوي مؤصل) متين المفردات لدراسات لغوية أو معجمية أو بيانية حيثية لضرورة حماية اللغة، ويكون البحث المؤصل العميق كل عام.
3- تأصيل مفردات اللغة المنسية والتي حل محلها مفردات لا أصل لها.
4- مراقبة الدراسات والرسائل والبحوث الصادرة من (دور النشر) أو (الجامعات) أو (المراكز) مراقبة تنبيهية ليس إلا مع بيان دلالة الخطأ بالتقعيد والإيضاح.
فلعل هذا بنظر واسع مكين يحظى من «معالي الأخ الفاضل د. خالد العنقري» بحكم رئاسته الجيدة لهذا المركز يحظى بالنظر، وهو رجل حكيم مجرب.
-
+
الرياض