هو -بحق- جميل، ومريح، ووديع، لم يتأثر ببهرجة الإعلام التي تعشي أضواؤها فلا يرى الموهومون سوى أنفسهم، ولم يأبه بانصرام العمر فيخطط حين يتقاعد بل حتى بعد أن يقعد.
ابتسامته تذكرة مروره نحو مشاهديه، وصوته رمز صيته عند سامعيه، وهدوؤه نقطة التقائه وافتراقه مع زملائه، ويسعد من تجمعه الفترة والنشرة بأبي غسان، وقد يمل من ينتظر لحظة التسليم والاستلام ولكن عذوبة الجميل تهطل كغيمة وسمية تمطر ضحكات صافية مثل سماء نجد في أمسية صيف.
(جميل سمان) عمل خلف وأمام الشاشة والميكرفون خمسة وثلاثين عاماً، وغادر متقاعداً يتكئ على عصاه وراتباً تقاعدياً لم يستطع به أن يؤمن حتى أجرة بيت يلمه وأسرته.
هكذا ينسى الإعلامي نفسه فتمضي السنون حتى إذا واجه حقيقة (الستين) اكتشف أنه لم يدخر للزمن، ولم يستعد للمحن، ونسي أنها سنوات العجز والمرض والشيخوخة تقسو كثيراً حد أعباء الإعياء وإعياء الأعباء.
وإذا كان هناك إعلاميون احترفوا الإعلام اسماً ونسوه رسماً ووسماً، وجاد لهم الحظ بوظيفة ومخصصات ومنح فهم أقلية تعبر الذاكرة الواعية دون أن يتوقف عند ملامحها تاريخ أو تأصيل، لكن ماجد الشبل وغالب كامل ومسلم البرازي ومحمد الرشيد وجميل سمان وآخرين رعاهم الله لا يتكررون في إبداعهم. وهل لدينا اليوم جهورية ماجد واحترافية غالب وتجليات مسلم وتميز محمد وقابلية جميل؟! وهل لدينا من يسأل عنهم ويتفقد أحوالهم الصحية والمعاشية لا على سبيل التفضل بل عبر مؤسسة ترعى الموهبة منذ أن تتكون وتعنى بها بعد أن تغيب؟
للإداري بديله، وللمعلم زميله، أما الإذاعي فهو نجم إذا لمع، حتى إذا انطفأ لا يخلفه نجم يضاهيه.
جميل سمان يتكئ على عصاه وسنيه أمام الزمن، مستعيداً لوحة الأيام حين أضفى ابتسامة داخل أجواء التخشب، فكنا نراه ونسعد وكأنه يحدثنا عن اكتمال القمر لا هزائم العمر.
ما أسوأ أن نكون بلا ذاكرة، وما أقسى أن يكون فينا جميل فلا نأبه للجمال.
الحياة وفاء.
* * *
كلمة د. إبراهيم التركي المنشورة في 28-10-1429هـ